الخدمات العامة في جدة مزاجية
[COLOR=royalblue]عبد الناصر الكرت[/COLOR]
لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطنين تتم بمزاجية بعض المسؤولين وعلى الكيفية التي يرونها بدون أي خطة فيضعون فئة في اليمين وأخرى في الشمال حتى رأيت بعيني ما تقوم به أمانة جدة وبلدياتها بالانتقائية لمن ترغب وتريد وصول الخدمة إليه بعيداً في تصنيف خطير, بعيداً عن الاستراتيجيات . وكأن هناك مواطنين درجة أولى وآخرين درجات أقل من ذلك ! مما يجعلها تتحول إلى خدمات خاصة بل خاصة جداً . في إطار الاستثناءات المعمول بها في تلك المدينة التي عانت أكثر من غيرها من مدن المملكة بسبب التصرفات اللامسؤولة , التي ظهرت بعض نتائجها من قبل ومن بعد والتي لا يقبلها أحد بأي حال من الأحوال مهما كانت التبريرات .
ومما شاهدته بنفسي وصول خدمة الصرف الصحي إلى مجمع أحد المواطنين ( من أصحاب الذّوات ) في حي المروة قبل سنوات , ومع أن الأنابيب تمر من أمام منازل مواطنين آخرين من جهة شارع الأمير ماجد ( السبعين ) إلا أنه لم يكن لهم نصيب من ذلك ولم يستفيدوا من تلك الخدمة الهامة والضرورية , وكأن المشروع خاص ومدفوع التكاليف من ذات الشخص – وحتى لو افترضنا ذلك فليس له الحق لا هو ولا غيره في حرمان بقية المواطنين من الاستفادة من الخدمات , فلا أحد يملك المدينة وشوارعها حتى يتصرف فيها بانفرادية تامة ! فلكل مواطن الحق في جميع الخدمات الحكومية التي هي في الأساس من واجبات الدولة وتتحمل الجهات المعنية مسؤولية إيصالها في إطار المساواة . ثم أنها بهذا الأسلوب الانتقائي لا تحقق توجه الدولة ولا تحقق أهداف الخدمة على الإطلاق . بل ترسم صورة قميئة عن واقعها , لأن الهدف من مشاريع الصرف الصحي إيجاد بيئة صحية أولاً والحرص على سلامة التربة وعدم تخلخلها وعدم تجمع المياه السطحية بما لا يؤثر على أساسات المباني المقامة حاضراً ومستقبلاً . وأيضاً التخلص من انبعاث الروائح الكريهة التي تضايق الكثيرين جراء عمليات الشّفط بواسطة الصهاريج . وهذه من جملة الأهداف , وليس الغرض التخفيف عن المواطن من تكاليف النّزح , فهذا يعتبر هدفاً متأخراً , لكنه كان هدفاً أولياً من قبل الأمانة لصاحب مجمع سكني, لأنها بطريقتها لم تتطلع للأهداف الأساسية التي لن تتحقق طالما لم يكتمل المشروع ليخدم كامل الحي .. وانحصرت مهمتها وتفانيها لخدمة مواطن يهمها أمره . مما يستدعي المساءلة لمن قام بتحويل الخدمات العامة إلى خدمات خاصة , ومحاسبة كل المقصرين في أمور المواطنين .
ومع ما في هذا الوضع من طرافة إلا أن الأطرف عندما بدأت إحدى الشركات المنفذة في إيصال خدمة الصرف إلى ذلك الحي مؤخراً وعندما رغب أحد مهندسي الشركة في ربط المنازل المجاورة بالشبكة السابقة التي لا تبعد عنها سوى ستة أمتار فقط لتعمل فوراً أصر مهندسو البلدية الذين وقفوا على الموقع ميدانياً بعدم ربطها بتلك الشبكة وتحويل خطهم بمسافة أبعد من ذلك لتظل مع شبكة المواطنين – على حد تعبيرهم – في الاتجاهات الخلفية لتعمل فيما بعد في إطار العدالة والمساواة بحجة أن الشبكة السابقة ضيقة وأنها مرتفعة في منسوبها قليلاً عن الشبكة الأخيرة ليصبح في ذلك الشارع مسارين متعاكسين للصرف الصحي كشاهد دامغ على غياب التخطيط والدراسة . بما لا يدع مجالاً للشك أن بعض الخدمات البلدية المقدمة في جدة مزاجية , فهل هي على كيف بعض المسؤولين !؟
التصنيف: