الثورة المعرفية وسيلة تثقيف أم تجهيل؟

• عمر آل عبد الله

حتى وقت قريب كان الكتاب محط اهتمام الباحث والمثقف بل وحتى الانسان البسيط ومصدرا من مصادر سعادته استمرارا لنهج الاسلاف المحبين للمعرفة حتى لقد تغنى بهذا المحبوب شاعر العرب المتنبي حين قال :
وخير مكان في الدنى سرج سابح …. وخير جليس في الزمان كتاب .
وكانت المكتبات تزدحم بالقراء النهمين سواء كانت قراءة بحثية ام ترفيهية ولعل طبيعة المرحلة كانت هي الفيصل في تلك العلاقة إذ لم تكن هناك الكثير من الصوارف والمشتتات كما هو الحال في عقود لاحقة .
ومع مطلع الالفية الجديدة انفتح للناس من ابواب المعرفة ما لا يمكن تصوره وأصبحت المجلدات والأسفار الضخمة متاحة بلمسة زر واضحى الحصول على المعلومة غاية في اليسر ففي دقائق معدودة تستطيع الوصول الى المعلومة التي تريد بينما كان ذلك يستغرق اياما وأياما في السابق مستغرقا بين صفحات الكتب حتى يمكن التقاط تلك المعلومة .
ان ثورة المعلومات الحديثة وتطبيقاتها قد اسهمت بلا شك في زيادة المعرفة وانتشار ثقافة الجهد الذاتي في الحصول على المعلومة ولكن هذه الثورة قد خلفت آثارا سلبية موازية لتلك الآثار الايجابية محققة الاشارة النبوية الشريفة بانتشار الجهل في آخر الزمان الذي لا أخاله من قلة مصادر المعرفة وإنما من زهد الناس فيها .
ومن هذه الاثار السلبية خلق جيل متعجل يرغب في الحصول على المعلومة في اسرع وقت معرضا عن البحث والتقصي عن دقائق المعرفة ومضامينها .
كما اوجدت هذه الثورة المعرفية تشتيتا ذهنيا للباحث الذي يلج باحثا عن معلومة محددة فيهيم في دهاليز الشبكة العنكبوتية دون ان يشعر اذ ان موضوعا يجر آخر ويكتشف انه قضى ساعات دون أن يشعر وقد نسي موضوعه الاساس .
كذلك فان من السلبيات الكبيرة والملفتة انشغال كثير من العلماء والمفكرين وطلبة العلم بشبكات التواصل الاجتماعي التي هي فرع من افرع هذه الثورة وصرفهم ساعات طويلة في مهاترات هامشية او تغريدات بليدة او تصفح غير مثمر وكان حريا بمن هو في مقامهم ان يجتهدوا في البحث العلمي المؤصل الذي يقدم للأمة ما ينفعها في دينها ودنيا وفي نفس الوقت يبقى ارثا خالدا للباحث.
ومن الشرائح المهمة والمتأثرة بشكل بالغ من هذه الثورة المعرفية الاطفال واليافعين الذين اصبحوا أسارى لتطبيقات وبرامج الشبكات الالكترونية من العاب وبرامج تواصل حية أنستهم حتى من أنفسهم وأثرت عليهم سلبا فخلقت جيلا معزولا اجتماعيا يعيش ويستمتع بعالم افتراضي كونه بنفسه وينفر من واقعه الطبيعي وعلاقاته الاجتماعية الضرورية فتجد الطفل والشاب والفتاة حاضرين بأجسادهم غائبين هائمين بعقولهم وأرواحهم على كل احوالهم حين يأكلون او يجلسون مع والديهم وأصدقائهم ولقد امتد هذا الاثر السلبي ليشمل الآباء والأمهات الذين شغلتهم برامج التواصل عن ابنائهم وبناتهم بل وحتى عن القيام بواجباتهم الاسرية والاجتماعية .
ختاما فإن الموضوع جلل وخطير ويحتاج الى التعامل معه بحزم وجدية وبصيرة حفاظا على سلامة المجتمع النفسية والاجتماعية والمعرفية .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *