الإسلام والبيئة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أمل خيري [/COLOR][/ALIGN]
منذ أن تعلم من والده الحديث الشريف القائل \”وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا\”، اكتشف إبراهيم عبد المتين الناشط البيئي الأمريكي حقيقة دوره في الحياة وواجبه الأساسي في حماية الأرض والمحافظة على البيئة، فقد تعلم من الحديث أن البشر جميعا جزء من نسيج رائع في الكون، وأن الإسلام يحث البشر على الارتباط بالأرض، بل وعلى الحب العميق لهذا الكوكب الذي جعل الله كل أرضه مسجدا وطهورا. وإيمانا منه بدور الإيمان في تعزيز الوعي البيئي، واهتمام الإسلام بالمحافظة على الكون وما فيه، قدم عبد المتين كتابه الجديد \”جرين دين: ما الذي يعلمه الإسلام حول حماية الكوكب\”، والذي صدر مؤخراً عن دار نشر بيريت كوهلر باللغة الانجليزية، والكتاب من القطع المتوسط ويأتي في 264 صفحة، استغرق إعداده عامين ليصدر في الوقت المناسب. يعرض الكتاب قصصا حول بعض الأمريكيين المسلمين الذين شعروا بمسؤوليتهم تجاه المحافظة على كوكب الأرض، واتخذوا خطوات فعلية لحمايته. هذه القصص تسلط الضوء على الوعي البيئي، والاتجاه القائم على العدالة والأمانة والإيمان، والهدف الأساسي من الكتاب هو تحريك المجتمعات المؤمنة، وأنصار البيئة، وحلفائهم لتعزيز الوعي البيئي على أسس علمية وعملية راسخة.
الكتاب يخاطب جميع الأديان، كمحاولة لإيجاد أرضية مشتركة يلتقي عليها البشر جميعهم طالما كانوا يتشاركون الحياة على هذا الكوكب، فمن واجبهم الحفاظ عليه وحمايته. لذا يتناول الكتاب أربعة عناصر أساسية وهي الماء والغذاء والطاقة ثم النفايات، باعتبار أن هذه العناصر اللازمة لحياة البشر أو المترتبة عليها. يتحدث القسم الأول من الكتاب عن النفايات، ويتناول مشكلة زيادة الاستهلاك، ونشأة الحركة البيئية لمواجهة هذه المشكلة، ثم يسلط الضوء على المسلمين \”الخضر\” والمساجد الخضراء. وينتقل في القسم الثاني للحديث عن الطاقة، فيعرض أنواع الطاقة المستخدمة، وقارن بينها مستخدما تعبير \”طاقة من الجحيم\” و\”طاقة من الجنة\”، في إشارة للفرق بين الطاقة الملوثة للبيئة والتي تسبب انبعاث الكربون، والطاقة النظيفة الآمنة كطاقة الشمس والرياح، كما تناول الوظائف والمهن الخضراء. وفي القسم الثالث سلط الضوء على الماء وأهميته للحياة، وعلى النفايات السامة التي تلقى في الأنهار والبحار والمحيطات، ثم تحدث عن عالم الوضوء العجيب. وتناول القسم الرابع الغذاء، والذي ضم عدة موضوعات منها: أطعم عائلتك، حدائق الغذاء الحضرية والريفية، وتحدث عن دور المزارعين الخضر، والذبيحة الخضراء، والطعام الحلال الأمريكي الذي سيشكل مستقبل الغذاء في أمريكا.
يضم الكتاب العديد من القيم الإسلامية التي تخص البيئة والعناية بها، فالإسلام أولى عناية فائقة بالطاقة وأهميتها، ففي قوله تعالى \”والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور\” ( فاطر 9)، فالرياح هي التي تثير السحاب الذي ينزل المطر الذي ينبت الزرع ويخرج الغذاء، كما أن الرياح تسير السفن في البحار، إشارة إلى قوة طاقة الرياح. وإلى الله وحده يرجع الفضل في إرسال الرياح وإنزال الماء العذب من السماء ولو شاء الله لجعله ملحا أجاجا. والله أخرج لنا النبات والزرع المختلف الأشكال والألوان لغذائنا ولكنه أمرنا ألا نسرف في الغذاء وليأكل كل منا حسب طاقته، ولو امتثل جميع البشر لقاعدة الاعتدال في الطعام والشراب لما وجد جائع واحد على ظهر الأرض. ويأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالأكل مما يلينا، وينهى عن الأكل من وسط الطعام، ويعتقد عبد المتين أن هذا الحديث ربما يكون فيه دعوة ضمنية لشراء المواد الغذائية المنتجة محليا باعتبارها الأقرب إلينا، وليس فقط الأكل من الطبق الأقرب.
وتعاليم الإسلام كلها تؤكد على التناغم مع الكون وحماية البيئة، فالتوحيد يجعلنا ندرك أن الله هو خالق كل شيء صغيرا كان أم كبيرا، وكأنه يدعونا لاحترام جميع المخلوقات وكل ما في الكون مهما صغر حجمه، وحتى لو كنا لا نراه بالعين المجردة. كما يدعونا الإسلام للتفكر في الكون والخلق، والعديد من الآيات تحثنا على التفكر والنظر للجبال والأشجار والبحار والأنهار، وكأنه يدعونا للحفاظ على هذه الأشياء وحمايتها من العبث والتلوث وليس فقط مجرد المشاهدة، فالتفكر يقتضي منا فهم أهمية هذه الأشياء لنحافظ عليها حتى تظل على جمالها وبريقها الذي خلقها الله عليه والرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن الدنيا حلوة خضرة. وهناك أيضا قيمة الأمانة التي اختارها الإنسان وهي أمانة الاستخلاف، وينبغي على الإنسان أن يكون مسؤولا عن هذه الأمانة وسيحاسب عليها. فالأرض لم يخلقها الله للنهب والتدمير والإفساد، بل لرعايتها وحماية ما عليها من نباتات وكائنات. ويؤكد الكتاب كذلك على قيمة العدل، فمعنى الدين الأخضر يقتضي منا التعامل مع العالم وفق مفهوم العدل، والخطوة الأولى في هذا السبيل إدراك حقيقة أن أفعال البشر قد ينتج عنها إفساد للبيئة، والخطوة الثانية تتمثل في العمل على الحد من هذا التأثير السلبي. أما القيمة الأخيرة التي يؤكد عليها الكتاب فهي قيمة الميزان أو التوازن.
التصنيف: