أوساخ الحدائق لا تأتي وحدها

• عبدالرحمن آل فرحان

من أكبر كبير فينا إلى أصغر صغير يدرك قيمة النظافة ، ومن يتحدث عن هذه القيمة كمن يستوقف الناس في طريق سريع ليقول لهم انظروا للسماء !! إنها باللون الأزرق ! أو يستوقف مجموعة من المدخنين على عجلة من أمرهم ليقول لهم يا شباب التدخين مضر ، فالحديث عن النظافة حديث مستهلك .. وأصبح كل ما يقال فيها وعنها مجرد إعادة لتكرار أحاديث مسلم بها ، بمعنى أننا مجتمع لا ينقصنا غرس مثل هذه القيمة في أذهاننا ووعينا ، فخطباء الجمع لم يقصروا في هذا المجال .. والمعلمون أثقلوا أدمغة الطلاب بهذه القيمة .. بل أجزم أن ما من فرد منا إلا وقد كتب عن النظافة في مادة التعبير ، فجميعنا من دون استثناء نمتدح النظافة ونذم عكسها ، غير أن واقع شوارعنا والحالة التي هي عليه حدائقنا يوحي بأن كل ما ندركه عن قيمة النظافة مجرد نكتة بايخة ، تماماً كما لو أننا ذلك الشخص المسؤول الذي لم يزل يحث موظفيه على الأمانة وهو خائن لها.
ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا ونرى جيوشاً من عمال النظافة يجوبون تلك الحدائق والشوارع والميادين لتنظيفها وكنسها وتخليصها من كل نفاياتها !! ثم لا تغرب شمس ذلك اليوم حتى تعود تلك النفايات مرة أخرى لأمكنتها وربما بأضعاف ما كانت عليه !! هي لم تعد من تلقاء نفسها ، نحن من يقوم بذلك .. فنحن من يستخدم الشارع نظيفاً ونتركه وراءنا قذراً .. ونستمتع بركن الحديقة النظيف ونغادره قذراً .. ونحن من يستخدم حمامات المصليات في الطرق السريعة وغيرها ولا يجدها من يأتي بعدنا سوى أوساخنا ، والمؤلم أننا نتحدث لأطفالنا لأقاربنا لأصدقائنا لعموم الناس عن قيم الإسلام العظيمة والتي من ضمنها قيمة النظافة بكل ثقة ، حالة أكاد أجزم أنكم تشاركونني الاندهاش منها !! مؤمنون بأمر .. وسلوكنا عكسه !! قد تسمع خطيب الجمعة يتحدث بكل شغف عن النظافة في منبره لكنه حينما ينهض من الحديقة العامة نراه وقد خلف وراءه كومة متناثرة من بقايا أشيائه التي استخدمها أثناء تنزهه .. وتجد ذلك المعلم الذي أنهك طلابه بموضوع النظافة في مادة الإنشاء أو التعبير يلقي بكل برود قارورة فارغة من نافذة سيارته !! ثمة فجوة كبيرة بين قيمنا وبين سلوكنا .. بين إيماننا وبين تطبيقنا .. بين ما نحث الناس على القيام به وبين ما نقوم به نحن ، تلك الفجوة من المؤكد أنها ليست في المريخ .. أو في جزيرة نائية في عرض المحيط الهادي .. إنها في ذواتنا .. إن تمكنا من ردم تلك الفجوة أتوقع .. بل أجزم أن معظمنا ستصبح تصرفاته صورة مطابق لأصالة قيمه التي يؤمن بها ، فهلا اجتهدنا جميعاً للبحث في أنفسنا .. كل ما في الأمر هو أن نسألها بكل تجرد .. لماذا لا أترجم قيم ديني العظيم إلي ممارسات فعلية على أرض الواقع ؟ ما الذي يحدث لو أن كل منا ترك مكانه نظيفاً دائماً ؟ .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *