تجاوزنا أزماناً لا نسمع فيها ما يحدث حولنا ونعيش منقطعين عن أخبار من هم أبعد من جيراننا، ومع ذلك اخترنا ألاّ نسمع. اقتحمت الصور والمقاطع المصورة أجهزتنا المحمولة بلا استئذان وبلا رقابة ومع ذلك اخترنا ألا نُبصر. تزايدت مشاهد عنف العمالة المنزلية مع أطفالنا، والذي في معظمه عنف مرتد عن عنف الكفيل أو أهل بيته، واخترنا أن نسمع ونشاهد ونقرأ ببلادة ليس فيها إتِّعاظ، ونتصرف بوقاحة لا يهذِّبها حتى خوف من انتقام. تأتيك أُمٌّ أجزم أنها ببلادة من اضطرتها بلادتها _وربما ظروف أخرى_ أن تعمل عاملة منزلية في بلد غريب، بل أبلد منها لتتوهّم أنها تستطيع إساءة معاملة البشر مهما كانوا والإفلات من العواقب. تأتيك هذه الأُمّ بوقاحة لم تردعها لا انسانية ولا دين ولا شهر فضيل ولا صيام عن الأذى ولا شعور بالإمتنان لمن تعمل رغم الجوع والعطش واقفة على قدم وساق تقلي طعام إفطار العائلة، لتنعتها ب “حمارة”. ليفيض الكيل بالعاملة _التي من الواضح أنها تحملت مثل ذلك كثيرا_ ويطير عقلها ويتعطَّل قلبها في لحظة غضب مجنونة فتحمل قدر الزيت الحار وتصبه صبَّا على طفلة الأربع سنوات أمام أعين أُمِّها البليدة الوقحة. ونسأل أنفسنا لماذا لم تصب جام غضبها على الأم المجرمة عوضا عن الطفلة البريئة، محاولين اقناع أنفسنا بأن هذه العاملة وغيرها ممن يؤذون الأطفال هم شياطين لا ترحم ولديهم “طقوس” ومرضى نفسيين لا علاقة لتصرفاتهم بسوء المعاملة، وليت ذلك يرضي غرورنا. بديهيا الأطفال هم الحلقة الأضعف وهم المقدور عليهم وهم من يدفعون ثمن لؤم الآباء مع العمالة المنزلية سواء كان تأخيرا أو حرمانا من الأجور والإجازات أو استنزاف الطاقات أو سوء المعاملة _علما بأن الحبس المنزلي والحرمان من اقتناء هاتف محمول أو الإختلاط ببني جنسهم يعتبر من ضروب سوء معاملة، ولو طُبِّق علينا أيها لما طقناه.
و لا أريد أن أفَوِّت فرصة الإشارة للمناظر الأكثر انتشارا واستفزازا على الإطلاق، منظر الخادمة البائسة الجالسة على طرف طاولة المطعم أو الطاولة المجاورة لعائلة الكفيل “السعيدة” وهم يأكلون ما لذ وطاب.. وهي تُحدِّق “فقط” في مالذ وطاب! ومنظر الخادمات المرافقات للأطفال في دعوات أعياد الميلاد وهن يشاهدن الأطفال يلتهمون البيتزا والكيك ولا يُقدَّم لهن شيئا منها..!
إلى متى نتجاهل التحذيرات التي تصلنا بدون بحث وعناء، مع أسفي على حاجتنا لتحذيرات من هذا النوع حتى تحملنا على التعامل الإنساني مع بشر مثلنا أجبرتهم ظروفهم الصعبة ليسلكوا أصعب الطرق وأوحشها، وأنعم الله علينا لنكون في موقع أفضل، والدنيا دوارة ومن كان “رئيس دولة” بالأمس أصبح مواطئ أقدام من أساء لهم يوما. كفانا بلادة ولؤم ووقاحة ولتقتنع الأمهات بأن جزاء الإحسان لا يكون إلا الإحسان إلا ما ندر، ولا حكم للنادر.
@tamadoralyami
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *