جدة ــ البلاد
جاءت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لتجسد عمق العلاقات الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وتعزز أواصر وروابط الأخوة، وتؤكد المصير المشترك، في ظل تصاعد التهديدات والمخاطر غير التقليدية التي تواجه دول المنطقة.
ويؤكد استهلال سمو ولي العهد زيارته الخارجية بدولة الإمارات، إلى جانب مصر والبحرين، أهمية التنسيق والتكامل بين البلدين، تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعكس أيضاً المكانة الرفيعة لعلاقات الدولتين لدى القيادات سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
فقد جاءت الزيارة في وقت تتعرض فيه المملكة لحملة شرسة تشنها الدوحة وأنقرة عبر وسائل إعلامهما تستهدف تشويه صورتها والزج باسم قيادتها في قضية وفاة المواطن السعودي جمال خاشقجي، فمنذ بداية تفجر القضية تعمدت وسائل إعلام تركية وقطرية مقربة من حكومتي البلدين نشر تسريبات للتشويش على التحقيق في الجريمة وإبعادها عن مسارها الجنائي في توظيف سياسي للقضية، على الرغم من توافر البراهين والأدلة التي تؤكد عدم علم القيادة بما حدث في القنصلية، وفي وقت تعاملت فيه المملكة بحزم مع القضية بأن اعتقلت ثمانية عشر متهماً يشتبه بتورطهم في القضية إضافة إلى إقالة ستة مسؤولين وتوعدت أيضاً بمحاسبة المقصرين ثم إن زيارة سموه إلى الإمارات لم يقتصر الاهتمام بها على الجانب الرسمي فقط، ولكنها تظهر بوضوح على المستوى الشعبي، حيث دشن نشطاء على تويتر هاشتاق بعنوان: #محمد_بن_سلمان_منور_الإمارات، ترحيبا بضيف الدولة الكبير.
وتعكس الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين أهمية الدور المشترك للجانبين في الحفاظ على أمن المنطقة، وصون مكتسباتها ورعاية مصالحها والدفاع عنها، وأيضاً التأكيد على المكانة الرفيعة للمملكة وشعبها في قلب العالم.
وتعد العلاقات بين البلدين صمام أمان لشعوب الخليج والأمن القومي الخليجي، وضمانة أساسية لحماية المصالح الحيوية للعالمين العربي والإسلامي، في ظل المخططات المعادية للمنطقة فالبلدان يجمعهما رؤية مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار، ومجابهة مخاطر الإرهاب والتطرف، وقوى الشر وسياساتها التخريبية، وليس أدل على ذلك من تشكيل التحالف العربي لنصرة الشرعية باليمن بقيادة المملكة ومشاركة فاعلة من دولة الإمارات.
هذا التحرك عضد أواصر التحالف السعودي الإماراتي بدماء شهداء البلدين، الذين جادوا بأرواحهم في سبيل نصرة الحق ودحر الظلم، إلى جانب الأبعاد التاريخية للعلاقة بينهما.
وهنا، لا يمكن إغفال الإستراتيجية الطموحة للتكامل بين البلدين التي تجسدها “استراتيجية العزم”، لتكتب فصلاً جديداً من الشراكة وطموحهما المشترك نحو الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
هذه الاستراتيجية التي انبثقت من مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، الذي تم تدشينه في مايو 2016 بمدنية جدة، تضمنت رؤى مشتركة للتكامل الاقتصادي، والتنموي والعسكري، عبر 44 مشروعاً إستراتيجياً مشتركاً، عمل عليها 350 مسؤولاً من البلدين يمثلون 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية.
فثمة واقع جديد ترسمه العلاقات الاستراتيجية بين المملكة والإمارات، تجسد في العديد من الملفات والقضايا التي تحلت فيها مواقف البلدين الساعية لتحقيق الأمن والاستقرار، والداعمة لعمليات التنمية المستدامة فالجهود السعودية الإماراتية، خلال السنوات القليلة، تظل شاهدة على مواجهة المخاطر والتهديدات التي كادت تعصف بالمنطقة العربية، لا سيما فيما يتعلق بالإرهاب والتطرف، الذي يعتمد على دعم قطر وإيران.
والعلاقات الثنائية بين البلدين تعد ركناً أساسياً من أركان الأمن الجماعي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمن القومي العربي، وتراهن شعوب المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج على هذا التحالف.
ويأتي هذا الرهان تأكيداً على ما تحظيان به من تقدير وثقة دولية كبيرة، وقدرة البلدين بالتعاون والتنسيق مع دول عربية شقيقة في مقدمتها مصر على إعادة التوازن والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية وضمان مصالح شعوبها،فقد لعبت المملكة إلى جانب الإمارات دوراً بارزاً في التصدي للأطماع الإيرانية ودورها التخريبي في الشرق الأوسط دبلوماسياً وأمنياً، وقادت جهود المملكة في فضح الممارسات الإيرانية ومراوغات نظام طهران ومخاطر حيازته أسلحة الدمار الشامل، إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وشاركت الإمارات في التحالف العربي لنصرة الشرعية باليمن بقيادة المملكة، وكانت الدولة الثانية في هذه العملية من حيث قوة المشاركة والتأثير السياسي والعسكري.
وانضم البلدان إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في عام 2014، حتى تحقق النصر على التنظيم في سوريا والعراق.
وللمملكة والإمارات دور محوري ورئيسي في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع، وفي سياق التزامهما بمحاربة الإرهاب، اتخذ البلدان إلى جانب مصر والبحرين قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في 5 يونيو 2017، بعد استنفاد كل المحاولات الدبلوماسية لإعادة الدوحة إلى الإجماع الخليجي والعربي، بسبب سياساتها التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
وسارعت الدولتان لدعم المملكة الأردنية والدعوة والمشاركة بثقلهما في اجتماع مكة المكرمة، الذي عقد في يونيو 2018، بعد الهزة الاقتصادية التي لحقت بها، لتؤكد الدولتان أنهما على العهد وفي الموعد لدعم الاستقرار والتنمية.
وفى هذا فقد اكد محللون اقتصاديون أن التكامل الاقتصادي السعودي والإماراتي يؤدي لإيجاد كيان اقتصادي بناتج محلي إجمالي بنحو 1.1 تريليون دولار، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي السعودي 2.57 تريليون ريال “685 مليار دولار”، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للإمارات 1.49 تريليون درهم “407.2 مليار دولار” في عام 2017.
وتشهد العلاقات الثنائية نقلة نوعية تمثلت في حرص القيادة في كلا البلدين على المؤسسية في هذه العلاقات من خلال تأسيس لجنة عليا مشتركة في مايو 2014 برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، وعملت هذه اللجنة على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمناً.
وفي الشهر نفسه من عام 2016 وقع البلدان على اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي بينهما يهدف إلى التشاور والتنسيق في الأمور والمواضيع ذات الاهتمام المشترك في المجالات كافة، حيث نصت الاتفاقية على أن يجتمع المجلس بشكل دوري، بالتناوب بين البلدين.