متابعات

التطور التكنولوجي وجيل الصمت.. تربويون يدقون ناقوس الخطر

جدة: حماد العبدلي – رانيا الوجيه
“الصمت”.. أصبح السمة السائدة بين الأطفال والمراهقين؛ نتيجة التطور التكنولوجي، الذي يشهده عالمنا المعاصر، من أجهزة وألعاب مختلفة، باتت في متناول أوساط اجتماعية عديدة، وسط حرص من الأسر المختلفة على توفير هذا التطور التكنولوجي لأبنائهم، دون أن تعلم مخاطر تلك التكنولوجيا، حتى أصبح هناك جيل تنعدم فيه الحياة الاجتماعية.
“البلاد” تستطلع في التقرير التالي آراء خبراء، وتربويين، وعدد من الآباء حول تأثير التكنولوجيا على الجيل الحالي.

التكنولوجيا ومخاطرها على الأسرة
حمّل تربويون الوالدين مغبة، ماقد يقع فيه الأطفال من آثار سلبية؛ نتيجة قضاء أوقات طويلة بين الأجهزة الإلكترونية من فيديوجيم وغيرها.
المعلم التربوي أحمد الشريف، شدد خلال تصريحات لـ”البلاد”، على أهمية دور الأب والأم في توجيه الطفل توجيها سليما، لشرح الآثار السلبية والإيجابية لهذه التقنية، وتقليل ساعات استخدامها تدريجيا.
وأكد الشريف، أن الأوقات الطويلة أمام تلك الأجهزة الناتجة من عصر التكنولوجيا، تؤثر بالسلب على مهارات التواصل، منبها على أهمية عملية التواصل؛ خاصة عند الأطفال، لأنها تتضمن عمليات أخرى، مثل الإنصات والانتباه والتعبير، وهذه عمليات عقلية أساسية لعملية تعلم المعارف واكتساب القيم السلوكية والاتجاهات والمفاهيم.
وبدوره كأب، علق الإعلامي بدر مرديني، قائلاً: “ما يمر به الأطفال من استخدام الأجهزة الذكية “بدون توجيه” مكّن من اضطراب شخصياتهم، أبسطها السلوك الاجتماعي مع الغير؛ حيث أصبح من السهل الحصول على المعلومات بدون أدنى مجهود والإساءة، أو بالأصح “التنمر” الإلكتروني لعدم المحاسبة، وبالتالي تصبح شخصياتهم غير سوية”.
وأضاف مرديني، خلال تصريحات لـ”البلاد”: إن من يستحق المساءلة عن تلك الظاهرة التي تهدد الأطفال هم الأباء، مشددا على أهمية تنويرهم، وإرشادهم، عن متى وكيف يمكن إعطاء هذه الأجهزة، وفي أي مرحلة عمرية مع المراقبة، فالمراقبة، فالمراقبة.
في نفس السياق، أكد يحيى حسن، معلم تربوي، أن الآثار السلبية لتلك الظاهرة هي حقيقة واقعة، قائلا: “علينا أن نتفاعل مع الأبناء في الألعاب، ونوسع مداركهم، ونطور علاقتهم مع ذويهم، حتى لو كان ذلك عن طريق مشاركتهم اللعب”.
وقد لفتت دراسة حديثة إلى أن الأطفال الشغوفين بلعبة «البلاي ستيشن» لساعات طويلة بتشجيع من الأهل، الذين يريدون التخلص من إزعاج أبنائهم بالمنزل، تنمي روح العزلة لدى الطفل، وتسبب الصداع وضعف البصر، والصرع، ورعشة بأطراف أصابع اليدين، وتقوس الظهر وومشاكل بالعمود الفقري، كما نشرت العديد من مواقع الإنترنت دراسة بريطانية تؤكد أن مشاهد العنف على شاشة التلفزيون، أو في ألعاب «الفيديو» تزيد مخاطر السلوك العدواني، والخوف لدى الأطفال الصغار، ومثل هذه المشاهد يمكن أن توازي «إساءة معاملة الأطفال عاطفيا».
التكنولوجيا والقيم الاجتماعية
يرى أحمد السعدي إستشاري أسري، أن الجانب السلبي الآخر هو في مضمون الألعاب، والقيم المشبعة بها، ويعتبر جانبا خطيرا لا يقل عن الجوانب الأخرى في أهميته.
وتساءل السعدي، خلال تصريحات لـ”البلاد”: “ماذا سيكون وضع طفل حينما يكون منقطعا عن محيطه من جانب، ومتلقيا لقيم خلقية واجتماعية تتعارض مع التنشئة الاجتماعية التي تتمناها له أسرته من جانب آخر”، مشددا على ضرورة الحد من هذه الألعاب.
وأضاف السعدي: إنه ليس من السهل منع الطفل بشكل نهائي من ممارسة ألعاب «البلاي ستيشن»، ولكن من الممكن ترشيدها، أي «تحديد أوقات نسمح فيها للطفل باللعب، وهنا لا بد من وجود بدائل تجذب الطفل، وتبعده عن «البلاي ستيشن» ومن الأفضل أن تكون الألعاب البديلة من النوع الجماعي، وأن يشارك الوالدان أطفالهم في اللعب».
كما يمكن استثمار حب الطفل لـ«البلاي ستيشن» وولعه بها بجعلها وسيلة لتعديل سلوكه. وهناك من يرى أن ألعاب الكومبيوتر تسهم في تنمية مهارات حل المشكلات وردود الفعل السريعة، وبالتأكيد يمكن أن يكون هذا صحيحاً في حالة عدم الإسراف في اللعب.
وأوضح السعدي، أن هناك بدائل عدة؛ كجعل المدرسة والبيت وما يحدث فيهما أكثر متعة وجذباً للطفل، وهذا هدف صعب جداً لسببين؛ هما وجود قصور في قدرات المدرسة والبيت والقائمين عليهما، وقوة الجذب والمتعة المتضمنة في برامج التلفزيون والألعاب، فالمنافسة دائماً ليست في صالح التربويين والآباء.
وفيما يخص التأثير الأخلاقي والعنف، أكد محمد القرني، أن بعض الألعاب تعلم فن السرقة والقتل والقفز والسطو والضرب والتعدي على ممتلكات الغير بوحشية متناهية.
وفي ذات السياق، قال صالح حسين، وهو من مرتادي سوق الأجهزة الإلكترونية: “طبعا الأشرطة تعلم كل شيء، لكننا بلا شك ندرك أنها مجرد لعبة ، لكن الأطفال الصغار في سن العاشرة . طبعاً هم الضحية؛ لأنهم يتأثرون بما يعرض عليهم، ويصل عندهم حد الصدق باللقطات التي تعرض، باستعراض القوة أو عراك عصابات وسرقة السيارات والتسلل والقفز على المنازل وتحطيم ممتلكات الآخرين بشكل وحشي.”
الجامعات وانعدام لغة الحوار
من جهته، أكد ماجد الحقيب محاضر في الإدارة والتخطيط التربوي والجودة الأكاديمية، أن المجتمع يواجه إشكالية كبرى مع الجيل القادم؛ بسبب الأجهزه الإلكترونية، فالمجتمع بجميع مؤسساته يعاني من إشكالات تتعلق بالتواصل الاجتماعي في العلاقات الأسرية.
وأشار المحاضر الحقيب لـ”البلاد”، مدى المعاناة التي يواجهها كمعلم ومحاضر في الجامعات مع تلك الظاهرة.
حيث أوضح أنه على صعيد المؤسسات التعليمية والتعليم العالي بالتحديد الذي يقوم على المناقشة والحوار وإبداء الرأي وإظهار شخصية الطلاب والأبحاث الشخصية ، تكاد تنعدم جميع تلك السمات الأساسية لدى الطلاب، ويعود السبب إلى انعدام وجود جيل قادر على النقاش، بل إنما يوجد جيل قادر على مناقشة الصورة فقط معتمدا على البصر وعلى أضيق مهارات الحاسة البصرية.
وفيما يتعلق بالنواحي الأمنية، تابع قائلاً: “انتشرت الجرائم المعلوماتية وغيرها؛ بسبب الجلوس أمام الإنترنت والأجهزه الذكية، وبالتالي نحن نواجه غزوا داخل بيوتنا؛ من خلال تلك الأجهزة، فآثارها لا تقتصر على الأسرة وأساليب التواصل الاجتماعي فقط “.
ويقترح الحقيب مجموعة من البدائل، التي يستطيع المشاركة بها بجميع مستويات المجتمع موضحا: بداية الأشكال والخطورة ليست محصورة على الأسرة فقط، بل تشمل المجتمع بأكمله، وبالتالي يقع العبء الأكبر على الأسرة ؛ حيث إنها المتضرر الأول، كما أنها خط الدفاع الأول لتنشئة المجتمع .
وأكد أن ما يعانيه الشباب والأطفال اليوم من جيل صامت ، لا يتفاعل ويجيد لغة الحوار والنقاش، يعود إلى ضعف الحوار داخل الأسرة، وبالتالي فالحل يأتي من الأسرة أولا، فكلما كانت علاقة الأسرة قوية من خلال الأبوين والحفاظ على الجلسات الأسرية باستمرار، حتى يتم الإشباع العاطفي والروحي، وذلك يحد من الجلوس على الأجهزة الذكية لفترات طويلة.
صعوبة تجاهل التقنية الحديثة
وأوضح الخبير التقني نزيه مكوار، أن التكنولوجيا أصبحت ضرورة في حياتنا اليومية، ومن الصعب التخلى عنها؛ لأن التوجه الآن في جميع المجالات توجه تقني، وذلك هو السائد في العالم، ومن جانب آخر، نجد أن الحياة الاجتماعية الطبيعية، قد انعدمت كثيرا، وأصبح هناك شبه نفاق في التعبير عن الحالة الاجتماعية؛ سواء بالسعادة أو الحزن.
وطالب مكوار، خلال تصريحات لـ”البلاد”، بضرورة أخذ استراحة من تلك التقنيات التي نستخدمها؛ إما للمعرفة أو الترفيه، والتي تشكل ضغوطا نفسية واجتماعية، بحيث تكون الاستراحة من ثلاثة إلى 5 أيام، حتى يستطيع الإنسان ممارسة حياته الطبيعية والاجتماعية بشكل طبيعي واقعي.
أما على صعيد الأطفال، فأكد مكوار، أن أفضل حل للحد من استخدام الأجهزة الذكية هو تحديد الساعات، أو تحديد الأيام، وهناك طرق عديدة، مثل أن يتم تحديد وقت استخدام الآيباد أو الجوال، بمدة شحن الجهاز لمرة واحدة فقط”، وبالتالي يستطيع الطفل، أو المراهق تحديد الأيام التي يستخدم فيها الأجهزة الذكية، والبديل بشكل عام هو كسر عادة الجلوس لوقت طويل على الأجهزة الذكية عن طريق الاشتراط على الأصدقاء والأقارب عدم استخدام الأجهزة أثناء الجمعة الاجتماعية، إلا عند الضرورة؛ للرد على العائلة، وأيضا رحلات البر والصيد مناسبة جدا للحد من استخدام الأجهزه لعدم توفر إرسال للشبكة، ومن هنا يبدأ الإنسان الانتباه والاستمتاع بالحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *