الرياض- واس
تختتم المملكة العربية السعودية العام الهجري 1439هـ باكتشافات أثرية غير مسبوقة، وإنجازات في مجال الكشف الأثري وحماية الآثار وتأهيل المواقع الأثرية واستعادة الآثار الوطنية، وذلك من خلال الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
ويعد اكتشاف آثار أقدام إنسان قديم على ضفة بحيرة قديمة في صحراء النفود على أطراف منطقة تبوك يعود عمرها إلى 85,000 سنة أهم الاكتشافات التي أعلنتها الهيئة، حيث يعد اكتشافا مدهشا ونادرا جداً يظهر اتساع انتشار الإنسان خارج أفريقيا ووصوله إلى شبه الجزيرة العربية ضمن مناطق الهجرات البشرية الاخرى.
ويتعاصر عمر آثار الأقدام مع أحفورة أصبع إنسان عاقل عثر عليها مؤخراً بالقرب من موقع الوسطى في محافظة تيماء يعود عمرها إلى 85,000 سنة، وسبق أن أعلنت عنها الهيئة، ويرجح أنه من أوائل المهاجرين في العصر الحديث إلى الجزيرة العربية وعبر صحراء النفود التي كانت آنذاك مراعي خضراء غنية بالأنهار والبحيرات والمياه العذبة ووفرة الحيوانات التي كانت مصدر غذاء للإنسان.
وعثرت بعثة علمية سعودية من قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في موقع الأخدود بمنطقة نجران مؤخرا، على جرة فخارية تحتوي على عملات نقدية يزيد عددها عن ألف قطعة، وأختام معدنية، وأحجار عليها نقوش بالخط المسند الجنوبي تعود لفترة القرن الأول الميلادي.
ويعدّ هذا الكشف الأثري الحديث نادرا وذا قيمة علمية كبرى حيث يدل على الازدهار الحضاري والاجتماعي والسياسي لموقع الاخدود في منطقة نجران.
وأظهرت الاكتشافات الاثرية الاخيرة في منطقة نجران والتي تمت من خلال فرق سعودية ودولية متخصصة بإشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حضارات تعود إلى العصر الحجري كانت تعيش في هذه المنطقة.
وكشفت أعمال الفريق العلمي بقطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للموسم الرابع في موقع العبلاء بمحافظة بيشة بمنطقة عسير عن أساسات لمسجد يعود تاريخه إلى الفترة الإسلامية المبكرة تقدر مساحته بـ (616) م2.
وتمكن الفريق العلمي بقطاع الآثار والمتاحف بالهيئة أيضاً من اكتشافات عدد من الوحدات المعمارية المترابطة التي تحتوي على كثير من الظواهر الأثرية، من أهمها الجدران المجصصة والأحواض الدائرية ومخازن للمياه، بالإضافة إلى جرار فخارية ضخمة، استخدمت لتخزين الفائض من الحبوب والمحاصيل الزراعية والتي أنتجها سكان العبلاء، إضافة إلى عدد من المطاحن والمدقّات الحجرية التي استخدمت لطحن الخامات المعدنية وتجهيزها للصهر، وكسر متنوّعة من الفخار والخزف المزجج والحجر الصابوني والزجاج والتي كانت بمثابة أواني استخدمت في عملية تصفية الخام ومعالجته قبل صهره في الأفران الخاصة بذلك، فضلاً عن اكتشاف أفران خاصة متنوّعة الأحجام لصهر بعض الخامات المعدنية داخل الغرف كمراحل متقدّمة من الصهر.
وحظي اكتشاف الرسوم المنحوتة البارزة لعدد من الجمال في أحد الجبال بمنطقة الجوف والتي يعود تاريخها إلى ما قبل 2000 سنة باهتمام واسع في الأوساط والمراكز البحثية العالمية المهتمة بالاكتشافات الأثرية.
وكان تقرير علمي قد نشر في حولية الأطلال الصادرة عن قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتزامن مع مجلة Antiquity التابعة لجامعة كامبردج البريطانية قد تطرق لهذا الكشف ضمن تقرير علمي مفصل عن نتائج أعمال البعثة السعودية الفرنسية المشتركة في موقع دومة الجندل بمنطقة الجوف، حيث أشار إلى عدد من الجمال المنحوتة بالحجم الطبيعي، يعود عمرها إلى ما قبل 2000 سنة، وتضررت بعض هذه المنحوتات بسبب عوامل التعرية.
وأشار التقرير إلى أن الموقع يعد دليلا جديدا لتطور الفن الصخري العربي، ويبدو أنه كان جاذبا لصانعي الحجارة ذوي المهارات العالية.
وأظهرت اكتشافات أثرية جديدة في موقع حليت الأثري بمحافظة الدوادمي في منطقة الرياض، أساسات مسجد جامع يتوسط المستوطنة على نمط المساجد المبكرة في العصر الإسلامي الاول، ونماذج لمساكن مكونة من أفنية وغرف للتخزين ومناطق عمل تحوي أفران لصهر المعدن ومعالجته، كما تم الكشف عن أفران متجاورة كانت تمثل نموذجاً لمراحل التعدين التي وصفتها المصادر الاسلامية، وأيضاً معثورات فخارية وزجاجية وأخرى منفذة من الحجر الصابوني وأدوات دقيقة مثل الخرز والمكاييل الزجاجية التي تعطي انطباعاً مبدئياً على وجود حراك اقتصادي وتجاري في المستوطنة.
وتم توثيق مجموعة من النقوش والكتابات الإسلامية حول الموقع، تعطي بعداً جديداً لتاريخ المنطقة وحضارتها خلال الفترة الإسلامية المبكرة.
وفي موقع عشم بالباحة تم العثور على أساسات مسجد بني قبل 1000 عام.
ويعد هذا المسجد من المساجد المبكرة في جنوب الجزير العربية حيث يشتمل على حجر تأسيسي يشير إلى عمارته كانت في سنة 414هـ/ 1023م.
وكانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، قد أعلنت في مؤتمر صحفي في ملتقى آثار المملكة الذي أقيم في الرياض مطلع العام عن 15 مكتشف أثري في عدد من مناطق المملكة من خلال 32 بعثة سعودية دولية مشتركة.
وتتمثل هذه المكتشفات بناب فيل عمره 1500 سنة في تل الغضاة في تيماء واكتشاف سفينة غارقة قبالة ساحل مدينة أملج– البحر الأحمر عبرت الجزيرة خلال القرن الخامس عشر، وكنز الأخدود في منطقة نجران الى جانب مسجد اليمامة في محافظة الخرج والذي بني في بداية عصر الإسلام، ولؤلؤ موقع الدوسرية بالمنطقة الشرقية و مستوطنة شرما الرعوية بمنطقة تبوك، مرورا بآثار التعدين في موقع العبلاء بمحافظة بيشة بمنطقة عسير والتي يتجاوز عمرها الف سنة، والقنوات المائية بدومة الجندل بمنطقة الجوف، واكتشاف نقوش قبيلة طسم في حمى بمنطقة نجران، إضافة الى نقش يتحدث عن زيارة شخصية من مملكة عمان لحاكم نجران بمنطقة نجران، ونقوش بالخط العربي المبكر مؤرخة 470م بمنطقة نجران، ورسم صخري لفيلة من موقع حمى بمنطقة نجران، وفخار يعود لـ 2800 ق.
من واحة تيماء بمحافظة تيماء، وانتهاءَ باكتشاف مقبرة نبطية لم تفتح من قبل من موقع مدائن صالح في محافظة العلا.
وتبرز هذه الاكتشافات المهمة تبرز المكانة التاريخية للمملكة وعمقها الحضاري وكونها مهدا لبدايات الحضارات الانسانية.
وكان الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قد أكد في تصريح صحفي أن المملكة العربية السعودية ممثلة في الهيئة وشركائها في الجامعات السعودية أصبحت ضمن الدول المتقدمة عالميا في مجال البحوث والاكتشافات الأثرية لاسيما في السنوات الأخيرة مع الاعلان عن اكتشافات مهمة حظيت بأصداء عالمية واسعة.
ونوه إلى أن هذه المكتشفات الأثرية تعكس البُعد الحضاري للمملكة وأنها ليست طارئة على التاريخ، وأن المكانة التي تحظى بها اليوم بين دول العالم على المستويات الدينية والسياسية والاقتصادية والحضارية إنما هي امتداد لإرث حضاري عريق، وأن الدين الإسلامي العظيم الذي خرج من هذه الأرض المباركة قد خرج إلى العالم من أرض غنية بتاريخها وحضارتها واقتصادها.