رؤية : حمود الصهيبي
ربما نلاحظ في الآونة الأخيرة الاحتفاء بشعراء الحداثة عبر الصحافة المقروءة والابتعاد عنهم في الأمسيات والمنابر حيث أن طابع القصائد المسموعة لا يحرك ساكنا إلا لدى شاعر كلاسيكي قديم (تقليدي) يستطيع أن يثير حماس المتلقي.ولقد رأينا هذا واضحا جليا عبر أمسيات سابقة لشعراء معروفين على مستوى الساحة كما حصل في(أمسيات الجنادرية)، ولنا في ذلك دليل على هذا حيثُ لم تحرك القصائد في المتلقي ساكنا إلا في بعض المقاطع وعندما كتبت على ورقة وجدت ردة فعل من المتابعين للصحافة المقروءة على عكس المسموعة.
ومن الملاحظ على اغلب الشعراء الذين يتعمدون كتابة القصيدة الغارقة في الحداثة اعتمادهم بنسبة كبيرة على القصائد البعيدة كل البعد عن الحداثة عندما يلتقون بالجمهور في الأمسيات بينما نراهم على النقيض تماما في المطبوعات.هل المأخذ على الشاعر! ام على الجمهور أم على طريقة الكتابة؟ جرني هذا التساؤل على حواراً أجري مع مستشرق عندما سأل أحد الصحفيين المستشرق الفرنسي(شار بيلا ) ماذا تقرأ الأدب العربي القديم أم الأدب العربي الحديث؟..فأجاب على الفور :بل اقرأ الأدب العربي القديم دون سواهُ .تعجب الصحفي من الأجابة . ثم سأله :ولمَ لا تقرأ الأدب العربي الحديث ؟!..
قال (شارل بيلا) :. لأنه أدب أوربي مكتوب باللغة العربية : فمعظم الشعر الحداثيّ لا يخرج منه إلا بما خرجت به زوجة الشاعر الإنجليزي (روبرت براوننج)، حين قدّم إليها قصيدة نظمها في وصف البحيرة.. فقالت له: إنني لا أدري إذا كنتَ تتحدث في قصيدتك عن بحيرة حقاً أم تتحدث عن كلبنا الصغير!ومن وجهة نظري أرى أن الشعر الحداثي انتكاسةٌ للشعر ، سواءاً كان شعر التفعيلة أو الحر والدليل على ذلك هو محاولة شعراء الحداثة من خلال مقطوعات نثريّة قديمة يمكن أن تكون جذرًا لشعر التفعيلة ، ومعنى هذا هو أنّ شعر الحداثة خطوةٌ إلى الوراء ، وليس إلى الأمام.