جدة ـ البلاد
لن تقتصر تأثيرات قرار قيادة المرأة للسيارة، الذي انتظرته السيدات لسنوات كثيرة، والذي دخل حيز التنفيذ امس “الاحد” على الحياة الاجتماعية للمرأة السعودية إذ سيكون له وقع كبير على الاقتصاد السعودي.
وبعد بدء تطبيق قرار قيادة المرأة يبرز السؤال: ماهي الجوانب الإيجابية لهذا القرار على الأسرة والمجتمع والاقتصاد الوطني، وهل سيمثل هذا القرار البداية للاستغناء عن السائق الأجنبي، حيث تشير الاحصائيات إلى وجود مليون وثلاثمائة سائق يخدم الأسر السعودية.
عدد اقتصاديون إيجابيات وفوائد قرار قيادة المرأة السعودية للسيارة، مؤكدين أن هذه الخطوة تقلص من ميزانية العائلة السعودية، في بلد النسبة الأكبر من حجم العمالة المنزلية فيه تتركز في السائقين.
وتوقع الخبراء أن حجم التحويلات المالية الخارجية في قطاع السائقين الخاصين والذي يستهلكون من خلال ما يقارب 25% من دخل الأسر السعودية سوف ينخفض وهو ما يعني انفاق تلك النسبة داخل المملكة بدلا من تحويلها للخارج اضافة الى الحد من تكاليف استقدام سائقين جدد
بيانات سوق العمل :
وأظهرت بيانات نشرة سوق العمل الصادرة عن الهيئة العامة للحصاء عن الربع الرابع من العام 2017، أن السعوديين دفعوا خلال العام 2017 ما قيمته 35.28 مليار ريال لعدد 1,385,553 سائق اجنبي داخل المملكة، يأتي هذا في الوقت الذي شرعت فيه المرأة السعودية قيادة السيارات دون أي قيود وسط توقعات بأن تساهم تلك الخطوة وبشكل ملحوظ في خفض تدريجي لأعداد السائقين الأجانب في المملكة وخفض الأعباء التي تتحملها الأسر السعودية سواء في صورة رواتب او مصاريف استقدام، إضافة إلى تشجيع السعوديات على الخروج والعمل مع انخفاض تكلفة التنقل.
ووفقاً للبيانات فأن إجمالي عدد العمالة المنزلية في المملكة بلغ 2,412,673 عامل وعاملة منزلية يبلغ عدد الذكور منهم 1,673,336 عامل يتركزون بشكل كبير في فئة السائقين بعدد 1,385,553 سائق أي بنسبة 83% من إجمالي العمالة المنزلية الذكور.
وعلى جانب متوسط الراتب الشهري تشير بيانات نشرة العمل إلى أن متوسط الأجر الشهري للذكور من العمالة المنزلية يبلغ 2,122 ريال أي أن ما يدفعه السعوديون شهريا كرواتب واجور للسائقين يقدر بنحو 2,94 مليار ريال أي 35,28 مليار ريال خلال عام.
وترتفع تكلفة استقدام السائقين عن 35.28 مليار ريال إلا تم إضافة مصاريف الاستقدام والإقامة التي تتحملها الاسرة السعودية في سبيل الاستعانة بالسائقين الأجانب.
وتشير بيانات سوق العمل السعودي إلى نجاح جهود القيادة السعودية في خفض معدل البطالة بين الإناث فشهد سوق العمل ارتفاعا نسبته 25% في اعداد السعوديات الموظفات في القطاعين الخاص والحكومي خلال الثلاثة سنوات الأخيرة (2015-2017)، بارتفاع عددهن من864,028 موظفة بنهاية العام 2014 إلى 1,082,202 موظفة بنهاية العام 2017 أي بزيادة 218,174 موظفة استوعب القطاع الخاص نحو 88% من هذا العدد مقابل12% للقطاع الحكومي.
ويعد قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة حدث بارز في تاريخ المملكة ويسهم بشكل كبير في خفض تكلفة خروج المرأة ومساهمتها في الاقتصاد السعودي وهو ما يشير إلى استمرار ارتفاع اعداد السعوديات المنتظر انضمامهن لسوق العمل خلال الفترة المقبلة.
ولا تقتصر الجوانب الإيجابية لقيادة المرأة على التكلفة المالية، انما هناك تكلفة اجتماعية التي يتحملها المجتمع السعودي نتيجة لارتفاع الحوادث المرورية والتي يعود 45% منها لطرف أجنبي وفقا لاحصاءات ادارة المرور، فيما ترى الجمعية السعودية للسلامة المرورية أن سبب الحوادث المرورية يرجع لوجود 70% من السائقين الأجانب القادمين إلى داخل المملكة يجهلون أساليب القيادة، ومعهم رخص قيادة مزورة من بلدانهم.
توقعات :
بحسب دراسة لـ PWC فان السماح للنساء بقيادة السيارة سيعزز من دورهن في سوق العمل وسيساهم في تخفيض نسبة البطالة بين النساء، التي تبلغ 58%، كما أن قيادة المرأة للسيارة ستساعد الكثيرات على الإقدام على هذه الخطوة، إذ ذلك سيسهل عليهن التنقل إلى مراكز العمل
وبحسب هذه الدراسة، فإنه من المتوقع أن يصل عدد النساء اللاتي يقدن السيارات إلى 3 ملايين سيدة بحلول عام 2020، وأن ترتفع مبيعات السيارات بمعدل 9% سنويا حتى عام 2025.
ومن المتوقع أن تزيد نسبة تأجير السيارات بـ4% سنوياً، بالإضافة إلى نمو سوق التأمين على السيارات بـ9% سنوبا ليبلغ 30 مليار ريال بحلول 2025.
ويتوقع كبير المحللين في إحدى الشركات الكبرى لبيع السيارات أن تزيد مبيعات السيارات هذا العام فقط بنحو 825 ألف سيارة.
وبحسب دراسة لشركة GULF TALENT يعتزم 82% من النساء السعوديات قيادة السيارة هذا العام، ومن المتوقع أن يساهم ذلك في زيادة عدد النساء اللاتي يحصلن على مناصب وظيفية عليا كانت حكراً على الرجال.
وسيؤمن هذا القرار الفرصة للكثيرات بالحصول على وظائف أعلى أجراً تقع في مناطق تبعد عن أماكن إقامتهن، لم يتقدمن إليها سابقا بسبب قيود التنقل.
ويرى عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث إن تمكين المرأة من قيادة السيارة سيساهم كثيرًا في معالجة معوق النقل، في قطاع العمل،
ما سيمكنها من مباشرة عملها بشكل أكبر، ويتيح لها ممارسة سلطتها التجارية، حيث أن هذا القرار سيقلص من ميزانية العائلة، في بلد النسبة الأكبر من حجم العمالة المنزلية فيه تتركز في السائقين وبالتالي هذا القرار سيقلص من ميزانية الأسرة، كما سينعكس إيجابًا على حجم العمالة في المملكة، مشيرا أن ميزانية العائلة السعودية ستشهد فائضًا جديدًا يتوجه إلى وجه آخر للصرف ، حيث أن هناك وفرًا ماليًا ستوجه الأسر السعودية هذا الفائض إلى توفير حاجاتها الأساسية”.
ويضيف في حديثه لـ “قناة الإخبارية” هناك قطاعات سوف تستفيد من هذا القرار مثل قطاع السيارات، وقطاع التأمين والقطاع المصرفي والمالي، وهناك قطاعات أخرى ستتضرر من هذا القرار، ومن أهمها قطاع سيارات الأجرة، خصوصًا تلك الخاصة بتوصيل العائلات عبر استخدام التطبيقات الذكية مثل شركتي “أوبر” و”كريم وسوف يترتب عن القرار تطور المعاملات في مجال الرخص، واستحداث مواقع لخدمة المرأة في المجال، كما سيشهد العمل الحكومي توسعًا لدخول السيدات.
ويختم المغلوث تصريحه بالقول في رأيي أن تقليل الاعتماد على السائقين سيسهم في تقليص التحويلات الخارجية وتمثل تكلفة استقدام السائق الخاص بالإضافة إلى الرسوم والرواتب السنوية 33 مليار ريال سنويا، حيث أن هناك مليون وثلاثمائة سائق يخدم الاسر السعودية .
توفير الرواتب:
يقول سالم باعجاجة أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف وخبير اقتصادي، أن قرار قيادة المرأه يعتبر من القرارات المؤثره اقتصادياً على دخل الأسر لأنه سيوفر الرواتب التي تصرف للسائقين وبالتالي سيكون هناك وفر لرب الأسرة وكذلك الحال لربة الأسرة وستقل الحاجة لاستقدام سائقين جدد.
واعتبر أن المميزات التي تعود على الاقتصاد الوطني كثيرة ومنها انتعاش حركة قطاع السيارات وقطع غيارها وكذلك محلات تأجير السيارات وكذلك ارتفاع دخول اصحاب ورش السيارات وكذلك ارتفاع ايرادات الفخص الدوري وزياة قيمة ايرادات المخالفات المروريه.
انتعاش سوق العمل :
أما الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري يرى أن الآثار الاقتصادية لقيادة المرأة تكمن في رفع مساهمة المرأة في سوق العمل وإنعاش قطاع السيارات مشيرا أنه مع دخول قيادة المرأة حيّز التطبيق الاحد افإنه من المتوقع اقتصادياً ان تتحقق الكثير من النتائج الاقتصادية الإيجابية والتي من شأنها ان تتضافر جميعاً من خلال منظومة الاداء الاقتصادي مما سيحدث انتعاشاً لعدد من القطاعات الاقتصادية الهامة تأتي من ضمنها قطاع مبيعات السيارات وقطع الغيار ، قطاع التجزئة والغيار وقطاع صيانة المركبات ويواكب ذلك اتساع في مساهمة المرأة في البرامج الإنتاجية والإدارية وارتفاع نسب قوة العمل ، وسينخفض تباعا مبالغ التحويلات البنكية الخارجية للسائقين الخاصين .
وعليه، يكمل الجبيري تحليله للإخبارية قائلا إن قطاع التأمين على المركبات سيستحوذ على نسب نمو متزايدة مع دخول تتراوح من ٢٥ ٪ الى ٣٠ ٪ في حين سينمو قطاع التأمين الصحي في المملكة الى اكثر من ٥٠٪ وسينمو قطاعي التأمين والسيارات في مجمله استجابة الى مؤشرات الإقبال المتزايد نحو قيادة المرأة للسيارات ومن جهة اخرى الحاجة الماسة الى منتجات التأمين التي باتت إلزامية كما انه سيصاحب هذا النمو حراكاً آخراً يتمثل في توفير فرص عمل جديدة وهو ما يعتبر احد اهم مستهدفات رؤية المملكة 2030 ليصل حجم قطاع التأمين الى اكثر من ٣٠ مليار ريال بحلول العام ٢٠٢٠ وفق تقارير اقتصادية موثوقة واستناداً الى بلوغه في العام ٢٠١٦ اكثر من ١٢ مليار ريال وهو ما يعني ان برامج التأمين بمختلف أنواعها ستشهد تزايداً في التنوع والتوسع.
التحويلات المالية:
ويضيف: في المقابل فإن حجم التحويلات المالية الخارجية في قطاع السائقين الخاصين سينخفض تباعاً وذلك نتيجة لتقليل الاعتماد عليهم حيث قدرت تقارير اقتصادية بأن ما يُدفع سنوياً كنفقات للسائقين الخاصين في حدود 35 مليار ريال والذي يستهلكون ما يقدر بـ 25٪ الى 30 ٪ من دخل الأسر وهو ما يعني انفاق تلك النسبة داخل المملكة بدلا من تحويلها للخارج اضافة الى الحد من تكاليف استقدام سائقين جدد مما سيخفف العبء المالي على كاهل الأسر .
ويكمل الجبيري قائلا: أما حجم سوق مبيعات السيارات فستشهد توسعاً من ٤٤ مليار ريال في العام ٢٠١٧ الى ١٠٨مليار ريال بحلول العام ٢٠٢٢ وعليه فإن الطلب على السيارات سينتعش بما نسبته ١٠٪ اي ما سيصل الى نصف مليون سيارة وخاصة في جانب الشراء المنتهي بالتمليك والسيارات الاقتصادية الاقل استهلاكاً للوقود ، اضافة الى ان النشاط الاقتصادي سيتوسع في التدفق الاستثماري من خلال خلق مبادرات ومناخ جديد مصاحب لذلك وارتفاع القوى الشرائية وتعاظمها في مشاريع ريادة الاعمال والقطاع الصناعي وقطاع التجزئة وغيرها من القطاعات المرتبطة بقطاع السيارات والنقل اضافة الى انتعاش الأوعية الادخارية الاسرية المتمثل في ايقاف الإنفاق المرتفع الحاصل في اجور السائقين وشركات النقل وترشيد الانفاق على اجمالي مصاريف النقل بمختلف قنواته وتوجيهه لتنشيط تلك الأوعية الادخارية .
قرار للاستقرار:
من جهته يرى الكاتب الاقتصادي ناصر القرعاوي ان ايجابيات القرار كثيرة أهمها الإرادة السيادية للدولة وقناعتها بذلك عبر التقييم والدراسة المستفيضة وثانيها ما حققته المرأة نفسهامن نجاح متواصل ومكاسب أقنعت بها استحقاقها وثالثا المردود الاقتصادي لقيادة المرأة والتي تقدر بنحو مليار ريال منها ماتكسبه المرأة ذاتها او الدولة بتقليص العمالة الأجنبية بأكثر من ٣٢٠ الف سائق خلال السنوات الاولى من التطبيق، مما يكون له الأثر الكبير في الاستقرار الاجتماعي والأسري.
ويضيف لهذه الأسباب واُخرى لاتخفى عن مُتَّخِذ القرار تؤكد أن هذا القرار صائب وحق مشروع، يتعرف من خلاله المجتمع على المرأة والتي تستحق الاحترام، وكذلك يفتح الطريق للمجتمع بمراعاة احترامها ودعمها وعدم مضايقتها والكف عن التهكم عليها ووضعها مادة للسخرية، فالحقوق متساوية ويكفيها انتظارها كل هذه الفترة.
انتعاش :
فيما انتعشت أسهم شركات التأمين في سوق المال السعودي “تداول” خلال التعاملات المبكرة، امس الأحد، بعد آمال بزيادة حجم عمليات التأمين مع بدء قيادة النساء للسيارات .
وقفز سهم ساب للتكافل 6%، كما زاد أسهم شركات تأمين أخرى من بينها الراجحي للتأمين التعاوني والاتحاد التجاري للتأمين التعاوني من بين أفضل الأسهم أداء في السوق السعودية صباحا.
وفي وقت سابق، توقع مسؤول تأميني أن تشهد سوق التأمين على المركبات منافسة عالية لكسب العملاء الجدد من النساء، مشددا على عدم أحقية أي شركة في عدم بيع بوليصة التأمين للمرأة خوفا من الخسائر.
وقال المتحدث الرسمي باسم شركات التأمين عادل العيسى، إن بوليصة التأمين على مركبات النساء لن تكون ثابتة لكون السوق حرة، موضحا أن 27 شركة تأمين رسمية في السعودية خاضعة لرقابة مؤسسة النقد العربي السعودي.
وبين العيسى أن قيادة النساء للمركبات سيكون لها أثر إيجابي على سوق التأمين، كونها ستضيف شريحة جديدة من العملاء، الأمر الذي سيحسن من نتائج تأمين المركبات على المدى الطويل، مشيراً إلى أن قيادة المرأة ستزيد من نسبة المركبات المؤمن عليها، وتزيد من التأمين الشامل مقارنة بالتأمين ضد الغير.
الى ذلك كشفت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية المتخصصة أن السماح للنساء السعوديات بقيادة السيارة يمكن أن يساعد المملكة على جني الكثير من الدخل مثل خصخصة أسهم في شركة أرامكو.
ويمكن لهذه الخطوة، التي دخلت حيز التنفيذ امس الأحد، أن تضيف ما يصل إلى 90 مليار دولار إلى الناتج الاقتصادي بحلول عام 2030، مع زيادة الفوائد إلى ما بعد ذلك التاريخ، وهو ما يوازي بيع ما يصل إلى 5٪ من أسهم شركة أرامكو، والذي يقدر – بنحو 100 مليار دولار ووفقًا لـبلومبيرغ إكونومكس.
وقال زياد داود، كبير الاقتصاديين في الشرق الأوسط في بلومبيرغ، ومقره دبي: من المرجح أن يؤدي رفع الحظر عن القيادة إلى زيادة عدد النساء اللاتي يبحثن عن عمل، وتعزيز حجم القوى العاملة ورفع الدخول والإنتاج بشكل عام.
وأضاف: ولكن الأمر سيستغرق بعض الوقت، قبل أن تتحقق هذه المكاسب مع تكيّف الاقتصاد مع استيعاب العدد المتزايد من النساء اللاتي يبحثن عن عمل.