واشنطن ــ وكالات
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رسميا الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ضاربا بذلك تحذيرات الزعماء الأوروبيين بعرض الحائط.
وقال في كلمة من البيت الأبيض أمس “الثلاثاء” : “أعلن أن أميركا ستنسحب من الاتفاق مع إيران، موقعا في الوقت ذاته مذكرة لبدء العقوبات على النظام الإيراني”، مضيفا: “عقوباتنا قد تشمل أيضا دولاً أخرى متواطئة مع إيران”.
وأردف قائلًا: “بخروجنا من الاتفاق، سنبحث مع حلفائنا عن حل مستدام وشامل”.
وأوضح : “إذا سمحنا لهذا الاتفاق بالمواصلة، فسيكون هناك قريبا سلاح نووي في الشرق الأوسط”.
وتابع: “كان يفترض أن يكون هذا الاتفاق بناء، لكن هذا لم يحدث”، مضيفا: “اليوم لدينا أدلة دامغة تؤكد أن وعود إيران كانت أكذوبة.. هذا يدل على أن الاتفاق كان مريعًا.. لم يجلب السلام والهدوء”.
وتكرر كثيرا تهديد ترامب بالانسحاب من الاتفاق الموقع في عام 2015؛ لأنه لا يتطرق لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو دور طهران في الحرب السورية واليمنية، ولا يمنعها نهائيًا من تطوير أسلحة نووية.
ويمثل الاتفاق النووي مع إيران الشغل الشاغل للعالم حالياً، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده منه ما أعاده مرة أخرى إلى بؤرة الضوء.
وأعدت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريراً يلقي الضوء على ماهية الاتفاق الذي يعيش مختلف الأطراف حالة انقسام حياله، والدول المشاركة فيه، والسبب في موقف الرئيس الأمريكي منه.
وتوصلت إيران و6 دول غربية كبرى إلى اتفاق تاريخي يعرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” في يوليو عام 2015، بهدف الحد من البرنامج النووي الإيراني؛ لطمأنة باقي دول العالم أن طهران ستكون غير قادرة على تطوير أسلحة نووية، مقابل تخفيف وطأة العقوبات.
فخطة العمل الشاملة المشتركة جوهرها واضح، قبول إيران بقيود صارمة على برنامجها النووي في مقابل توفير مهرب لها من العقوبات المتزايدة حول اقتصادها خلال عقد زمني سبق توقيع الاتفاق.
فيما تعرف الدول الست العظمى المشاركة في محادثات النووي مع إيران باسم “مجموعة 5 + 1″، وهي تتكون من الخمسة أعضاء الدائمين بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة) وألمانيا.
ومع فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة نوفمبر عام 2016، أثار هذا شكوكا حيال مصير الاتفاق، حيث وعد الرئيس قبل انتخابه بتفكيك الاتفاق الكارثي مع إيران، رغم أن كثيرين اعتقدوا أنه ربما سيتبنى تطبيقاً أكثر صرامة للاتفاق ويشدد العقوبات الموجودة بالفعل.
ويؤكد الرئيس الأمريكي أن الاتفاق كان سيئا، ولا يكفي للتصدي لسلوك إيران الإقليمي أو برنامجها الصاروخي.
وكانت عدة تقارير قد تحدثت عن الانتهاكات التي قامت بها إيران في حق الاتفاق، مما يشير إلى عدم امتثالها لبنوده المتعلقة بفرض قيود على تطوير أسلحتها النووية.
وعلى الرغم أن الحلفاء الأوروبيين كان أمامهم مهلة حتى 12 مايو لإقناع الرئيس الأمريكي بالبقاء في الاتفاق، إلا أن الأخير تمسك بموقفه الرافض.
وأخبر ترامب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانسحاب من الاتفاق، واستعداد واشنطن لإعادة فرض عقوبات على طهران كان قد تم تعليقها بموجب الاتفاق.
وقال: إن النظام الإيراني مول الفوضى في المنطقة، والاتفاق النووي مع طهران كان يفترض به حماية أمريكا والحلفاء، لكنه لم يحقق الهدف.
وأضاف: إن الاتفاق النووي سمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم، واقتربت من الحصول على القنبلة النووية.
ثمة أربعة أسباب رئيسية، قال بها المراقبون، دفعت ترامب إلى تمزيق الاتفاق النووي مع إيران، والانسحاب منه على رأس تلك الأسباب.
1ـ بند الغروب :
يعتبر هذا البند الخلل الأكثر وضوحاً في الاتفاق الموقع في فيينا بين طهران والقوى الكبرى، لينص هذا البند على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجياً اعتباراً من 2025.
2 ـ عمليات التفتيش :
حيث ترفض طهران عمليات التفتيش الأوسع نطاقاً وأقوى في المواقع العسكرية.
3 ـ انتهاك روح الاتفاق :
الإدارة الأمريكية أكدت مراراً أن الإيرانيين ينتهكون “روح” الاتفاق الموقع عام 2015، لأن الاتفاق كان هدفه تشجيع الاستقرار والأمن في المنطقة، بخلاف انتقاد البرنامج الباليستي الإيراني غير المحظور بموجب الاتفاق رغم أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي صادق بموجبه على الاتفاق، يطالب طهران بعدم تطوير صواريخ أعدت لتحمل رؤوساً نووية.
4ـ دعم الإرهاب :
عبر الرئيس الأمريكي وإدارته عن الأسف لفشل التقدم الذي تحقق عبر اتفاق العام 2015 في جعل إيران «جارة» أفضل في الشرق الأوسط، وفي ثنيها عن دعم وتمويل الإرهاب.
فالاتفاق لا يتطرق لـ”الدعم المادي والمالي للإرهاب” الذي تقوم به إيران من خلال أذرعها في المنطقة مثل مليشيا حزب الله والحوثي والجماعات المسلحة في سوريا والعراق، والتهديدات المتكررة لحرية الملاحة، وانتهاكات حقوق الإنسان.
هلع إيراني:
أصيب المسؤولون الإيرانيون بحالة من الهلع منذ أن هدد ترامب بالانسحاب من الاتفاق ما لم تصلح الدول الأوروبية الموقعة عليه ما يعدها “عيوباً” تشوبه بحلول 12 مايو.
لتنتفض الخارجية الإيرانية بمجموعه من التصريحات التي تندد تارة وتهدد تارة في محاولة للحصول على إجماع دولي لمنع انهيار الاتفاق النووي.
وقبل ساعات من قرار ترامب قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن بلاده “قد تواجه بعض المشاكل لشهرين أو ثلاثة، إلا أنها ستتخطاها بسرعة”.
فرض عقوبات جديدة:
مما يؤدي إلى مواجه طهران أزمات عديدة على الاقتصاد المتردي بفعل الفشل الحكومي، وارتفاع معدل التضخم، في الوقت الذي تتصارع أجنحة داخل النظام الإيراني للهرب من المسؤولية مع اتساع التذمر الشعبي في البلاد.
هبوط العملة المحلية :
أزمة عارمة تضرب سوق الصرف الأجنبي في البلاد، وتدهور قيمة العملة المحلية إلى الحد الأدنى تاريخياً أمام الدولار، الذي تجاوز الـ7000 تومان، ويأتي تدهور العملة الإيرانية وسط فشل حكومي في السيطرة على الأوضاع، بخلاف
انعدام القدرة الشرائية.
كما ستفقد إيران جميع الميزات التي حصلت عليها بموجب الاتفاق الذي وقع في 2015، كما سيتم إعادة جميع العقوبات عليها وعلى البنوك وصادرات النفط أيضاً.
تفاقم الوضع الداخلي :
إيران التي تعاني من حراك شعبي كبير منذ نهاية 2017، يضع قرار ترامب نظام الملالي في مأزق حقيقي نتيجة العقوبات التي سيتم فرضها في ظل اقتصاد منهار وانتشار للفقر والجوع والفساد، مما يهدد النظام بالكامل للانهيار أمام طلبات الشعب الذي يعاني من العزلة على مدار عقود.
ويتساءل كثيرون عن العقوبات التي ستعود من جديد لتفرض على طهران. فما هي أبرز هذه العقوبات؟
لن يكون بمقدور إيران من الآن فصاعدا تصدير واستيراد الأسلحة، على خلاف ما كان ينص الاتفاق النووي مع الدول الغربية، مقابل وقف طهران برنامجها النووي المثير للجدل.
وستعود إلى اللوائح الأميركية السوداء أسماء أفراد وشركات وبنوك كانت متهمة في السابق بانتهاك القوانين الأميركية، لا سيما في ما يتعلق بعقوبات واشنطن على طهران بخصوص برنامجها النووي والصاروخي.
وسيحرم فرض العقوبات على إيران مجددا الاقتصاد المحلي من الانتعاش، الذي كان سيتحقق من استيراد قطع غيار الطائرات والسفن لتحديث أسطولها الجوي والبحري، بالإضافة حرمان طهران من صفقات تجارية خارجية ضخمة.
وبعودة العقوبات الأميركية على إيران، من المتوقع أن يتعثر الاقتصاد المحلي مجددا، إذ أن العقوبات كانت وراء أكثر من 20 بالمئة من مشكلات الاقتصاد الإيراني على مدار سنوات، كان أبرز معالمها بطالة تتجاوز 14 بالمئة.
أما قطاع النفط الإيراني، فسيكون أكبر متضرر من إعادة فرض العقوبات، لا سيما أنه أبرز مصدر للدخل في البلاد، وكانت إيران بحاجة إلى دعم من شركات غربية لتطوير هذا القطاع المنهك.
ولن يكون بمقدور إيران جذب استثمارات أجنبية للبلاد، بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها، في ظل تشدد القوانين الداخلية مع قضايا الشركات الاستثمارية الوافدة من الخارج، لا سيما الغربية منها.