جدة ـــ البلاد
لطالما كانت المملكة العربية السعودية وفرنسا شريكين استراتيجيين، يجمعهما تعاون قوي في مجال الأمن والاقتصاد، وفي ظل الجيل الجديد من القادة، ندخل حقبة جديدة، وذلك بما يجسده كل من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وإيمانويل ماكرون في القيادة العالمية الشابة التي تدفع بلادها نحو تحقيق إمكاناتها.
ويتمتع البلدان بتاريخ حافل من التعاون المشترك، وهو ما يمهد لزيارة ناجحة للأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الذي وصل إلى فرنسا، أمس الأحد، في زيارة رسمية، قادمًا من الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف لتأسيس شراكة استراتيجية جديدة بين البلدين.
علاقات أزلية :
وتشهد العلاقات السعودية الفرنسية التي بدأت بوادرها عام 1926، عندما أرسلت فرنسا قنصلا مكلفا بالأعمال الفرنسية لدى المملكة، ثم أنشأت بعثة دبلوماسية في جدة عام 1932م، وتوالت خطوات إرساء العلاقات، حيث دخلت مرحلة جديدة ومتميزة، عقب زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز لفرنسا عام 1967 ولقائه الرئيس الفرنسي شارل ديجول، ومثلت تلك الزيارة دعما وتطورا مستمرا، ليشمل مجالات أرحب؛ بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
وجرى خلال تلك الفترة المديدة من تاريخ العلاقات، تبادل الزيارات بين قيادات البلدين، وكبار المسؤولين فيهما، مما شكلت حلقات في سلسلة توثيق وتطوير العلاقات بين المملكة وفرنسا، وتنسيق الجهود، بما يعود بالمصالح المشتركة، على المنطقة والشعبين الصديقين.
وفي عام 1986م افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حينما كان أميرا لمنطقة الرياض، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، معرض “المملكة بين الأمس واليوم” في باريس، تعرف الزائرون من خلاله على ماضي المملكة وتقاليدها وقيمها الدينية والحضارية، ونموها الحديث ومنجزاتها العملاقة.
وزار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في 29 أبريل 1997م، فرنسا، التقى خلالها الرئيس جاك شيراك، ووقع مع عمدة باريس جان لييري ميثاق تعاون وصداقة بين مدينتي الرياض، وباريس، والتقى عددا من كبار المسؤولين الفرنسيين.
وفي 5 مايو 2015م حضر الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية السابق افتتاح أعمال الاجتماع التشاوري الخامس عشر لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض، حيث يدعى للمرة الأولى رئيس دولة أجنبية لحضوره؛ تقديرا من المملكة لفرنسا.
وكان لولي العهد عدد من الزيارات السابقة للجمهورية الفرنسية، ولقاءات مع كبار المسؤولين في فرنسا أو في المملكة، ففي 13 أبريل 2015 التقى الأمير محمد بن سلمان في الرياض وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وتسلم في العام نفسه رسالة من وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، فيما التقى بعدها بأيام بقصر الدرعية للمؤتمرات بالرياض الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية.
وفي شهر رمضان من العام ذاته، اجتمع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في العاصمة الفرنسية مع وزير الشؤون الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وفي اليوم ذاته رأس الأمير محمد بن سلمان المشرف على اللجنة التنسيقية الدائمة السعودية الفرنسية اجتماع اللجنة الأول بالعاصمة الفرنسية باريس، فيما رأس الجانب الفرنسي وزير الشؤون الخارجية لوران فابيوس.
كما شهد الأمير محمد بن سلمان في 24 يونيو 2015 مع الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين المملكة وفرنسا، وكذلك التقى وزير الدفاع، واستقبل السفير الفرنسي لدى المملكة.
وعقد محمد بن سلمان في 12 أكتوبر الأول 2015، في الرياض اجتماعا موسعا مع وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، بحثا خلاله أوجه التعاون بين البلدين، خاصة في الجانب الدفاعي، وفي 28 يونيو 2016 استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في قصر الإليزيه الأمير محمد بن سلمان، استمراراً لاستعراض العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين والشراكة الاستراتيجية القائمة ومواصلة تطوير التعاون؛ في إطار رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
وفي اليوم نفسه، عقد ولي العهد، ورئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل فالس اجتماعا في العاصمة الفرنسية باريس، بحثا خلاله أوجه التعاون القائم بين البلدين الصديقين، والسبل الكفيلة لتطويرها في مختلف المجالات، كما التقى ولي العهد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت بمقر وزارة الخارجية في باريس؛ لاستعراض تطورات الأحداث في المنطقة، وعدد من المسائل المتعلقة بتقوية الشراكة بين البلدين الصديقين.
وفي اليوم التالي، التقى الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته باريس، رئيسة لجنة الصداقة الخليجية الفرنسية بالبرلمان الفرنسي نتالي قولي، كما التقى رئيس مجموعة الصداقة السعودية الفرنسية بالبرلمان الفرنسي أوليفيه داسو، تناولا علاقات الصداقة القائمة، ومواصلة تقويتها؛ لما فيه المصلحة المشتركة بين البلدين والشعبين، وزار مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” في باريس.
وفي 17 نوفمبر 2016 التقى الأمير محمد بن سلمان في الرياض رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة تاليس الفرنسية باتريك كاين، وتطرقا خلال اللقاء إلى رؤية المملكة 2030، في جوانبها الصناعية خاصة توطين الصناعات العسكرية، وما تتطلع إليه الرؤية في مجالات الأنظمة التقنية والتدريبية والخدمات المساندة.
وفي أعقاب لقاء إيمانويل ماكرون، مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في أكتوبر الماضي، تلقى صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان دعوة من الرئيس الفرنسي لزيارة رسمية. وكان الهدف من الاجتماع الأول تمهيد الاتصال بينهما.
من شأن أول زيارة رسمية لسمو ولي العهد إلى فرنسا إطلاق المرحلة الجديدة من الشراكة الاستراتيجية الموسعة بين المملكة وفرنسا.
توافق حول مختلف القضايا :
ظل التوافق بين المملكة وفرنسا، بشأن معظم النزاعات الإقليمية الكبرى في الماضي جوهر العلاقة الثنائية بينهما، وهما متوافقتان اليوم في مواجهة القضايا الأكثر إلحاحًا في المنطقة، وهي: التهديد الذي يمثله الإرهاب في الشرق الأوسط وأفريقيا، والحرب في سوريا، وفي اليمن، وكذلك عدم الاستقرار في لبنان. حيث تعد المملكة دولة محورية في تحقيق واستدامة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، اللذين التزمت بهما فرنسا منذ عقود.
ولعل ما يدعم ذلك التقارب الطبيعي بين صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ اذ يتمثل فيما لديهما من رؤية إيجابية حديثة لمستقبل بلديهما، فهما يعملان باستمرار على إجراء إصلاحات مهمة بفضل ما يتصفان به من قيادة قوية.
ولدى كل من الزعيمين اهتمام مشترك في تطوير القطاعات المهمة؛ مثل التكنولوجيا والابتكار والفن والثقافة، مع العزم على إطلاق العنان لإمكانات المجتمع المدني، باعتماد النهج القائم على التمكين.
هذا بخلاف أن المملكة وفرنسا عضوان في مجموعة العشرين، وزعيمتان في منطقتيهما. ويشترك البلدان في أولويات متشابهة في الأمن والاقتصاد، فالقضايا التي تؤثر على فرنسا من المرجح أنها تؤثر أيضا على المملكة بطريقة مماثلة.
مكافحة الإرهاب :
كانت المملكة العربية السعودية في طليعة الدول التي حاربت انتشار الإرهاب، والتطرف في الداخل والخارج.
وعايشت المملكة تحديات الإرهاب، وحاربته على مدى عقود، وساعدت الشراكة بين البلدين في تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب.
وأدت العلاقة القوية القائمة بن المملكة وفرنسا، إلى تعاون أمني مكثف، يضيف إلى أمن كلا الدولتين. وتلتزم الدولتان بالعمل سويًا لتعزيز السلام والاستقرار والأمن على مستوى العالم
إيران:
يشكل التدخل والعدوان الإيراني بالمنطقة عنصرًا أساسيًا في زعزعة استقرارها. فما تسعى إليه إيران هو بسط نفوذها على المنطقة، عبر وكلائها المتطرفين الذين يعملون على إضعاف مؤسسات الدولة ومساعدة الجماعات الإرهابية على النمو والازدهار.
وتستمر إيران في دعم الجماعات المسلحة كالحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، لعرقلة جهود التسوية السلمية وإعادة إعمار الدول التي مزقتها الحروب في مختلف أنحاء المنطقة.
وكان فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، قد أكد أن الصواريخ الباليستية التي أطلقت من الأراضي اليمنية لاستهداف مواقع داخل المملكة، كانت إيرانية الصنع. حيث تم إطلاق أكثر من 90 صاروخًا إيرانيًا على الأراضي السعودية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المملكة واعتداءً عليها، فضلاً عن توفيرها ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية بما في ذلك تنظيم القاعدة، بل وشاركت في زراعة العديد من الخلايا الإرهابية في دول عربية أخرى. كما عكفت إيران على تجنيد العناصر المسلحة في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن في اعتداء صارخ من جانبها على أمن وسيادة الدول الأخرى.
إن ما تسعى إليه المملكة، هو أن يعم السلام والرخاء والاستقرار جميع أنحاء المنطقة عبر دعم المؤسسات الشرعية بالدول واستئصال التطرف. وهو بلا شك هدف لا تشاطرها إيران فيه.
اليمن:
تماشياً مع سياسية المملكة الملتزمة باستئصال التطرف على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويتمثل هدف المملكة في ترسيخ الأمن والاستقرار في اليمن.
وتؤكد المملكة على الدوام الاستمرار في التعاون مع حلفائها – ومن ضمنهم فرنسا – لحل النزاع في اليمن وتأمن الاحتياجات الإنسانية للأبرياء من المدنيين، وقد جاء تدخل التحالف الذي تقوده المملكة في الشأن اليمني؛ بناءً على طلب من الرئيس الشرعي لليمن. والهدف من الجهود التي يقوم بها هذا التحالف هو تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي.
وقد تقدمت المملكة بالعديد من مبادرات التسوية الدبلوماسية والسلمية، لدعم الحكومة الشرعية المنتخبة ديمقراطيًا لمواجهة جماعة الحوثي المُسلحة.
وتواصل المملكة جهودها لإيصال المعونات إلى شعب اليمن، فقد تجاوز حجم المعونات المقدمة إلى اليمن لأغراض إنسانية 8.2 مليار دولار منذ إبريل 2015 . وهذا يجعل المملكة أكبر متبرع يساهم في تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن.
وأعلنت المملكة عن التزامها بالتبرع بمبلغ 1.5 مليار دولار أمريكي أخرى، لخطة الأمم المتحدة لإغاثة اليمن لعام 2018 في مساهمة منها، لضمان نجاح تلك الخطة. حيث تهدف هذه العمليات إلى تحسن مستوى وصول الإعانات الإنسانية والمواد التجارية، بما في ذلك الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية والطعام إلى جميع اليمنيين.
كما تعاونت مع العديد من المنظمات غير الحكومية لضمان وصول المعونات الضرورية إلى من هم في حاجة إليها.
تطوير آثار المملكة :
تتشارك المملكة وفرنسا في الرغبة السياسية لحماية وتعزيز التراث العالمي والبيئة ودعم السياحة المستدامة والبرامج الثقافية والتعليمية والحوار المفتوح بن الثقافات.
وتلتزم المملكة على وجه الخصوص بحماية تراثها الأثري والمعماري والثقافي، وترغب في تطوير جواهرها التاريخية الفريدة في محافظة العلا والترويج لها، وهي تعتبر نقطة التقاء الحضارات ؛بفضل وقوعها في الجزء الشمالي الغربي من البلاد .
و تهدف السعودية إلى تعزيز الحوار بن الثقافات والانفتاح على الحضارات الأخرى من خال رؤية المملكة 2030 . ولهذه الغاية، ترغب المملكة في دعوة فرنسا للتعاون والمشاركة في الكشف عن الطبيعة والتراث والثقافة الفريدة التي تحتضنها مدينة العلا.
كما يرغب الطرفان في التعاون لحماية المواقع التاريخية العظيمة في محافظة العلا، وتطويرها والترويج لها – على سبيل المثال لا الحصر، موقع مدائن صالح الأثري.
الثقافة والإعلام :
تتمتع المملكة وفرنسا كلٌ بثقافته المتميزة، ويمكن لكل منهما الاستفادة من الأخرى من خلال التعاون المتبادل.
ودعت المملكة فرنسا للمشاركة في التغيرات الإيجابية التي تشهدها المملكة؛ بهدف بناء شراكات استراتيجية في مجالات الثقافة.
وستستثمر المملكة ما يقرب من 2.7 مليار دولار في توسيع المشروعات الثقافية والترفيهية، والتي ستساهم أيضًا في خلق فرص العمل وتحسن الاقتصاد.
شهدت العلاقات السعودية-الفرنسية، خلال السنوات الماضية، تعاونًا ملحوظًا في المجال العلمي والثقافي؛ حيث ارتفع عدد الطلاب السعوديين الدارسين في فرنسا من 100 طالب عام 2008، إلى 1400 طالب في عام 2013.
وتزامنًا مع زيارة ولي العهد إلى باريس؛ شهدت العلاقات بين البلدين مزيدًا من التقارب الثقافي والعلمي، تماشيًا مع رؤية السعودية (2030) التي تسعى من خلالها المملكة إلى أن تكون في مقدمة الدول.
ويتوقع الباحث مفيد الزيدي -في دراسة نشرت في مايو الماضي بعنوان: “السياسة الفرنسية تجاه الخليج العربي.. المملكة العربية السعودية (دراسة حالة)”- أن يرتفع عدد الطلاب السعوديين خلال السنتين القادمتين إلى 4 آلاف طالب.
وتوضح الدراسة أن التعاون العلمي يتمثل في التعليم الجامعي والمهني والصحي، وتحسين الحوكمة وسيادة القانون، مشيرةً إلى أن العديد من الطلبة السعوديين يدرسون في فرنسا، في إطار برنامج الملك عبدالله للمنح الدراسية، الذي يمول ابتعاث 130 ألف طالب سعودي إلى الخارج.
وتسعى فرنسا إلى أن يكون البعد الثقافي والمعرفي هو السائد في السنوات القادمة؛ حيث نظمت مجموعة الصداقة الفرنسية السعودية الخليجية ومعهد استراتيجيات التنمية الثقافية الفرنسي؛ ندوةً دعت إلى إنشاء مركز ثقافي فرنسي-سعودي، ورابطة عالمية تعنى بالقيم الإنسانية المشتركة.
وتؤكد تصريحات المسؤولين الفرنسيين، أهمية العلاقات العلمية مع المملكة؛ حيث إنها تؤكد وجود توجه رسمي لإثراء المحتوى الفكري والثقافي المتبادل بين البلدين.
ووصف مدير إدارة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية باتريس باولي -في تصريحات سابقة- له افتتاح معرض كبير في متحف اللوفر بعنوان (طرق المملكة وآثارها وتاريخها) في صيف عام 2010؛ بأنه من أهم القطاعات باللوفر.
وضمت المعروضات قطعًا أثرية وفنية نادرة عُثر عليها في المملكة من خلال التعاون المشترك الفرنسي-السعودي. وتبعتها زيارة وزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران إلى الرياض؛ للمشاركة في مهرجان الجنادرية؛ إذ كانت فرنسا ضيف الشرف فيه عام 2010.
وتم توقيع اتفاقية بين معهد الإدارة العامة في المملكة والمدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا في ديسمبر 2010 لتنظيم حلقة تدريس، لتدريب 10 قضاة إداريين في عام 2013.
تقوية الروابط الاقتصادية :
يسعى ولي العهد إلى تقوية الروابط الاقتصادية القوية والتاريخية بين البلدين، وستزيد رؤية المملكة 2030 من فرص التجارة والاستثمار، بما يفتح الأبواب لقطاعات أعمال جديدة بما في ذلك الترفيه والسياحة، والطاقة المتجددة.
ويطمح الجانبان السعودي والفرنسي إلى توسيع دائرة التعاون الاقتصادي خلال زيارة ولي العهد إلى فرنسا.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان إعلامي أن الزيارة تهدف إلى عقد شراكة استراتيجية فرنسية سعودية جديدة.
وقالت الرئاسة الفرنسية: “نأمل في حصول تعاون جديد، يتمحور بشكل أقل على عقود آنية وبشكل أكبر على استثمارات للمستقبل، ولا سيما في المجال الرقمي والطاقة المتجددة، مع قيام رؤية مشتركة”.
ويتوقع مراقبون أن تثمر الزيارة عن اتفاقيات جديدة في مجالات الطيران والتكنولوجيا والطاقة، خاصة بعد الزيارة الناجحة لولي العهد إلى فرنسا في يونيو عام 2015، والتي انتهت بتوقيع 10 اتفاقيات بقيمة 12 مليار دولار، أهمها عقد بيع مروحيات إيرباص، ودراسة جدوى حول بناء مفاعلين نوويين في المملكة.
وتنظم مؤسسة “ميديف الدولية” اليوم مجلسا لرجال أعمال فرنسيين وسعوديين، سيشارك فيه نحو 300 شخص، كما يعقد منتدى لرؤساء الشركات الثلاثاء في وزارة الخارجية الفرنسية بمبادرة من الطرف السعودي.
وشددت منظمة أرباب العمل، على أن “هناك كثيرا من الاهتمام والنقاش حول رؤية 2030 .
ويشير موقع الدبلوماسية الفرنسية إلى أن “رؤية المملكة 2030” ستوفر آفاقًا جديدة للمنشآت الفرنسية، لا سيّما في مجالات التنمية المستدامة، وإدارة الموارد، والصحة والتدريب، والطاقة، والسياحة، والاستثمار.
ووفقا، لتقارير فرنسية، بلغ حجم صادرات فرنسا إلى المملكة في عام 2016 ، 4.14 مليار يورو، مقابل 3.14 مليار يورو في عام 2015 أي زيادة بنسبة 31،8% من سنة لأخرى.
وفي خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2017، بلغت قيمة صادرات فرنسا إلى المملكة 2،55 مليار يورو محققة زيادة بنسبة 54% من سنة لأخرى، بينما ارتفعت قيمة صادرات المملكة إلى فرنسا إلى 2،56 مليار يورو، محققة زيادة بنسبة 23% من سنة لأخرى، مسجلةً توازنًا تقريبيًا، قد يتلاشى بفعل الارتفاع المرتقب لأسعار النفط.
ومن المتوقع أن تعلن شركتا “توتال” و”أرامكو” السعودية للنفط اللتان تملكان منذ 2014 مصفاة ضخمة في المملكة ، عن بروتوكول اتفاق لتطوير موقع بتروكيميائي معا، خلال هذه الزيارة.
كما تأمل شركة كهرباء فرنسا “أو دي إف” في بيع الرياض مفاعلات نووية من الجيل الجديد، وتم اختيارها لمشروع توليد كهرباء بالطاقة الشمسية.
وستكون العلاقات الاقتصادية المستقبلية بين السعودية وفرنسا أعمق بكثير من مجرد الدفاع والطاقة، فقد ساعدت رؤية المملكة 2030 بالفعل على إعادة تنشيط قطاع الموارد المعدنية وتطوير قدرات جديدة للطاقة المتجددة وصناعات الدفاع المحلية والاستثمار في تطوير وتثقيف القوى العاملة.
تعتبر الخصخصة والاستثمار الأجنبي المباشر عنصران أساسيان في استراتيجية التنويع والاستدامة في المملكة. كما يلقى الاستثمار الفرنسي في مجال الخدمات والأصول المملوكة للحكومة حاليًا القبول.
التجارة والاستثمار:
يخلق تحول الاقتصاد السعودي فرصًا لتحقيق النمو عبر الفرص التجارية والاستثمارية. فهناك العديد من الشركات الفرنسية العاملة في أسواق المملكة، إلا أن لمجموعة CAC 40 والشركات الناشئة قدرة على تحقيق مستوى أكبر من الانتشار، والمساهمة باستثماراتهم وخبراتهم في تطوير القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للملكة كالترفيه والتكنولوجيا والطاقة المتجددة وغيرها.
وتسعى المملكة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتوظيفها في تنمية قطاعات اقتصادية جديدة بالمملكة.
وتعد جمهورية فرنسا من الدول المستهدفة في الخطة الترويجية للهيئة العامة للاستثمار؛ حيث تأتي فرنسا في المرتبة الثالثة عالميا من حيث رصيد التدفقات الاستثمارية التي استقطبتها المملكة بإجمالي استثمارات تتجاوز 15 مليار دولار، موزعة على 70 شركة فرنسية تستثمر حاليا في المملكة. ويعد منتدى فرص الأعمال السعودي الفرنسي الأول أكبر تجمع اقتصادي سعودي – فرنسي يهتم بالشؤون الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين، ويشارك فيه مجموعة من كبار المسؤولين في البلدين، بالإضافة إلى عدد من المستثمرين ورجال الأعمال وكبار مسؤولي الشركات، ويتناول فيه الجانبان تعزيز التعاون في عدد من القطاعات المهمة من خلال جلسات عامة ومتخصصة تتناول الاقتصاد السعودي وقطاعات المال والصحة والطاقة المتجددة والتنمية المستدامة النفط ، والغاز ، والبتروكيماويات ، والنقل ، والتقنية ، والتنمية الحضرية ، والصحة ، والمياه والكهرباء، والصناعات الزراعية والبنية التحتية الصناعية.
الطاقة والصناعة :
يعد البلدان الحليفان، أن لديهما رغبة مشتركة للتعاون في مجال الطاقة والتنمية الصناعية؛ لذا تتوجه المملكة بدعوتها إلى فرنسا للمشاركة في جهودها للنهوض بقطاع الطاقة المتجددة، وتحقيق المزيد من التنوع الاقتصادي وبناء شراكات استراتيجية في المجالات الرئيسية.
وبناء علاقات تجارية جديدة تؤسِّس لتعاون أقوى، في إطار سعي المملكة للتوسع إلى قطاعات جديدة، تشمل الصناعات المتطورة والطاقة المتجددة. وتسعى المملكة في هذا الإطار إلى الاستعانة بأفضل الشركاء في مجالها، حيث ينتمي العديد من الشركات والمنظمات الفرنسية إلى هذه المجموعة.
وساهمت رؤية 2030 في النهوض بقطاع الثروة المعدنية والارتقاء بقدرات المملكة في مجال الطاقة المتجددة. ولا شك أن ما تتمتع به فرنسا من تميز في هذا المجال سيكون ذا قيمة ثمينة تساعد المملكة على المُضي قدمًا في تلك المجالات.
و يسهم تحول اقتصاد المملكة بعيدًا عن الاعتماد على النفط، في خلق فرص جديدة للشراكة بين البلدين، مع الاستفادة من خبرة فرنسا في مجالات الطاقة والمصادر المتجددة واستدامة الموارد وغيرها. كما يمكن أن تؤدي الإرادة السياسية للحكومة الفرنسية الرامية لاجتياز التحديات العسيرة، للتحول في مجال الطاقة، كما ظهر في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2015 في باريس، مع جهود المملكة العربية السعودية في تخفيف الاعتماد على النفط، إلى خلق قيمة مستدامة في كل من المملكة وفرنسا، مثل الاهتمام بأبحاث التميز في مجال الطاقة المتجددة؛ الرياح، والطاقة الشمسية(، وتطوير القدرات الهندسية وغيرها) .
وتساهم المؤسسات والشركات الفرنسية في تنفيذ كُبرى المشروعات الحالية في المملكة ، مثل مشروع نيوم، المدينة المُزمع تنفيذها لتعمل بالكامل على مصادر الطاقة المتجددة.
مسلمو فرنسا يرحبون :
الى ذلك وصف نائب رئيس مجلس مسلمي جنوب فرنسا رئيس الجمعية الإسلامية بمدينة إستير جمال بدرة الزيارة، التي يقوم بها ولي العهد لجمهورية فرنسا، بالمهمة والتاريخية التي يتطلع لنتائجها الشعب الفرنسي، بمن فيهم مسلمو فرنسا، الذين يمثلون أكبر جالية مسلمة في أوروبا.
وقال في تصريح له خلال مشاركته في المجموعة الثانية عشرة، من ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة، الذي تنفذه حالياً وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة: إن هذه الزيارة سوف تسهم في تعميق العلاقات التاريخية، التي يفتخر بها مسلمو فرنسا ويتطلعون لتناميها وتعميقها، سائلاً الله- تعالى- لسموه مزيداً من التوفيق في هذه الزيارة التاريخية، وتحقيق ما يصبو إليه .
ونوه بالجهود الكبيرة والمتواصلة، التي يقدمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – في خدمة الإسلام والمسلمين والعناية بالحرمين الشريفين ورعايتهما، بما يحقق لقاصديهما الراحة والطمأنينة في أداء الشعائر والأنساك، مشيراً إلى أن المملكة في كل عام تزيد من هذه الخدمات، بما يحقق التميز فيها ويلمس آثارها جميع من يزور الحرمين الشريفين .