جدة

روما جدة روما

م.شاهر محمد رقام
الحياة في العاصمة الإيطالية تجربة غنية بالفن والثقافة والتاريخ. قضيت سنوات من حياتي كنت أعمل فيها في مدينة روما، تلك المدينة الساحرة الفاتنة، التي تضم بين جنباتها كل المتناقضات.
عشقتها بكل جنونها وجموحها، بين السهر والعمل، التاريخ والحاضر، الأصالة والحداثة، الرغبة في التقدم مع التمسك بالماضي. حينما تجلس مع إيطالي، يتحدث إليك باستفاضة وفخر عن التاريخ والمجد والعظمة وتجد المرارة في حديثه عن الحاضر. يشير إلى تلك القصور والقلاع والمتاحف ويقسم أن هذه هي روما، وماتراه الآن ليس سوى انتكاسة. ويضيف: إنها تقلبات الزمن ياصديقي.
كنت أستمع وأراقب بعناية فائقة وأقارن فوجدت أوجهاً كثيرة للشبه بين روما و جدة من حيث العادات والتقاليد ونمطية التفكير. نحن و روما نعيش في الماضي بوجداننا، نحن إليه بأرواحنا. حتى أننا نتشابه في بعض الحكم والأمثال. فعلى سبيل المثال:
• القناعة نصف السعادة.
• حين يعزف المال فالكل يرقص.
• من يتكلم يزرع و من يصمت يحصد.
• ما أسعد الأمة التي لا تاريخ لها.
• نعمل ونتعب لنأكل ونستمتع.
• تأتي كما تأتي (زي ما تجي تجي).
• تمهل تمهل فقد بنينا روما أولاً ثم ميلانو ثانياً.
وقد تكون أوجه الاختلاف بين جدة و روما، أن جدة وأهلها يحبون العمل التجاري والتوسع فيه، فيستحوذ عليهم لدرجة أن العمل يتقدم على ما سواه، أما في روما، فهناك بعض المحلات الشهيرة التي تعمل من أكثر من مئة عام ولازال أصحابها يرفضون فتح فرع آخر، والتوسع في العمل ولا تزال محلاتهم بنفس الديكور الذي بدأت به وأذكر أنني فاتحت بعضهم وعرضت الشراكة لفتح فرع آخر وبشروطهم فكان الجواب، لدينا ما يكفينا. ليسوا بالكسالى ولكن يحبون المتعة والحياة أكثر ويعشقون الفن ويطمحون للإتقان، ولكن لا يستعجلون النتائج فكل شيء يجب أن يأخذ وقته والدنيا ما طارت.
أما وجه الإختلاف الآخر، أن أهل روما تمكنوا من الحفاظ على آثارهم فبقيت كما بناها أجدادهم وبنفس الصورة و الألوان. حيث لا يمكن لمالك أن يحرك مسماراً أو حجراً من مكانه أو يضيف حتى قابساً (فيش) كهربائياً أو لمبة دون الحصول على تصاريح عديدة ويرفق بطلبه كل الدراسات اللازمة والخرائط من مكاتب متخصصة مؤهلة ومعتمدة وقد يرفض طلبه بعد كل ذلك. ولذلك عندما تغيب عن روما عشرين عاماً، تجدها كما تركتها بنفس الألوان وهذا ما فشلنا فيه ففقدنا الكثير من قيمة مبانينا الأثرية بالإزالة لفتح طريق أو بالحريق أو خلعنا روشاناً أثرياً كان تحفة يدوية لوضع واجهة محل تجاري مكانه.
لذلك ربما، لو قامت أمانة جدة بعمل توأمة مع بلدية روما، أقول ربما تعلمنا منهم كيف نحافظ على ماتبقى منا لنا ونعرف كيف نستغله سياحياً وتجارياً دون تشويه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *