جدة – فاطمة آل عمرو
ثمن عدد من الخبراء زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الرسمية والتاريخية للولايات المتحدة الأمريكية؛ نظراً لما حققته من نجاحات، وما تعطيه من إشارات على عمق العلاقات بين المملكة وأمريكا، مؤكدين أن الزيارة بمثابة امتداد للشراكة القائمة بين البلدين، لأكثر من سبعين عاما. ورأوا أن زيارة سموه بددت المخاوف التي كانت في أذهان بعض الشركات الكبرى، ورجال الأعمال المستثمرين بالقرارات، التي مثَّلت تحولاً كبيرًا في سياسات المملكة.
(البلاد) استطلعت رأي مجموعة من الخبراء في السياسة والاقتصاد.
بناء الثقة
بداية.. قال رئيس الأبحاث المالية في الراجحي كابيتال، مازن السديري: إن أهم ركيزة لجذب المستثمر هو بناء الثقة، والمملكة تحتاج إلى هذه الشراكات؛ لتغيير صورة الاستثمارات الأجنبية.
وأضاف السديري :” تعتبر المملكة دولة ثرية، ولكنها تملك نموذجا اقتصاديا يحمل مخاطرة وصعوبات، وهذه المخاطر تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل، التي نتج عنه صعوبات؛ إذ أصبحت الدولة المشغل الرئيسي في اقتصاد المملكة، وأصبح الاستثمار في التقنية من أقل دول العالم بالنسبة للناتج المحلي، فهو رقم متواضع؛ كونه يحمل 40 نقطة أساس، وبالتالي أرادت المملكة تغيير نموذجها الاقتصادي إلى دولة متنوعة اقتصاديا، لا تعتمد على النفط”.
وأوضح السديري، أن الاصلاحات بدأت في هذا المجال والتوجه نحوه منذ عام 2015، والزيارات التي كانت على مستوى خادم الحرمين الشريفين إلى أمريكا، وإصلاح الأنظمة التجارية في المملكة والقانونية والبنية التحتية، جميعها تحتاج إلى بناء ثقة مع المستثمر الأجنبي، وأـكبر مركز للثقة أن تحول نفسها إلى مستثمر وشريك.
زيارة تاريخية
وأكد مستشار المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي لدول الخليج العربي، ورئيس المبادرة الوطنية للتنمية المستدامة طلال بن مشعان المفلح ” أن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، للولايات المتحدة الأمريكية تعتبر بكل المقاييس؛ نظراً لما حققته حتى الآن من نجاحات، وما تعطيه من إشارات على عمق العلاقات التاريخية بين المملكة وأمريكا، بكل ما فيها من التزام ومصداقية، وهذا ما حاول الأمير محمد بن سلمان أن يؤكده للأمريكيين في خطابه في حفل الشراكة؛ إذ إن هذه العلاقة التي أسس لها الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت في عام 1933 أظهرت إلى أي مدى تلتزم فيها أمريكا، بما اتفقت عليه مع حلفائها، كما تظهر أن المملكة لا تفرط بأصدقائها، حتى وإن شاب علاقتها خلال فترة الرئيس أوباما ما شابها من سوء فهم من جانب الإدارة الأمريكية؛ لتعود إلى وضع أفضل في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، والرئيس ترامب من كل السنوات التي مضت”.
وأوضح المفلح ، “أن زيارة سمو ولي العهد بددت المخاوف، التي كانت في أذهان بعض الشركات الكبرى، ورجال الأعمال المستثمرين بالقرارات، التي مثَّلت تحولاً كبيرًا في سياسات المملكة، سواءً بالأنظمة والتشريعات التي صدرت مؤخرًا مستهدفة تسهيل فرص الاستثمار الأجنبية بمرونة لم تكن موجودة قبل هذه القرارات؛ ليتبعها الحملة الكبيرة ضد الفساد، وكذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة وحضور المباريات الرياضية، ومن ثم السماح بإحياء الحفلات الغنائية، ودور للسينما، ضمن مجموعة من الإصلاحات التي مست جسم الدولة، ومنعت أي تعثر لهذا التحول في سياسة المملكة”.
وأشار المفلح “إلى أن سمو ولي العهد رسم الصورة الذهنية الإيجابية التي جاءت انعكاسًا لهذه القرارات ما كان لها أن تكون بدون هذا التحول، الذي قاده الأمير الشاب محمد بن سلمان بدعم من الملك سلمان؛ ولهذا فإن ولي العهد لم يجد أي عناء لإقناع الإدارة الأمريكية بسياسة المملكة كشريك مع الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب والتطرف، والاتفاق معها على أن إيران عنصر فاعل في الإرهاب وداعم له، وأن طهران مصدر لعدم الاستقرار في المنطقة، كما أن الحل للوضع المتأزم في اليمن ينبغي أن يكون سياسيًّا؛ ما يعني أن على مليشيا الحوثي أن تتخلى عن سلاحها، وتستجيب لقرارات مجلس الأمن، وأن يعود النظام الشرعي لليمن، وينتهي الانقلاب، وتتوقف إيران عن دعم الإنقلابيين بالسلاح”.
وذكر المستشار المفلح أن الأمير محمد بن سلمان قد بدأ في إنجاز ملفات الاستثمار بتنوعاتها، وتعدد مواقعها، على غرار نجاحه في الجانب السياسي والأمني، وعقده اجتماعات عدة ناجحة مع الرؤساء والأعضاء في مجلس النواب والشيوخ، ومع الحزبَين الرئيسيَّين ( الجمهوري والديمقراطي)، فهو الآن على أعتاب إنجاز مهمته الاستثمارية، بما يتيح للبلدين الصديقين الفرصة للاستفادة والإفادة لكل منهما، خاصة مع إطلاق رؤية المملكة 2030، وما صاحبها من تنظيم لقواعد الاستثمار الأجنبي، ومن قرارات هيَّأت المناخ الاستثماري للأمريكيين في أسواق المملكة،
وشجَّعت السعوديين على الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث قضى سموه بضع ساعات في بوسطن قبل أن ينتقل إلى محطته الثالثة، وهي نيويورك، وهناك اجتمع برؤساء الجامعات، وكبرى الكليات والمعاهد؛ لبحث مجالات التعاون بين المملكة والمؤسسات التعليمية في الجانبين العلمي والبحثي، وتعميق الشراكة معهم عبر مبادرات عدة؛ وفق رؤية المملكة 2030، منوهاُ أنه كما هو معروف أن اهتمام ولي العهد بالجانب التعليمي، ونظرته إليه بوصفه بوابة العبور والانتقال الجديد للمملكة إلى الآفاق، التي لا تعتمد فيها فقط على النفط دون بدائل أخرى؛ ولهذا جاءت إعادة صياغة الكثير من الأنظمة، لتتماشى مع التجديد الذي تشهده المملكة.
وعلى صلة بالاستثمارات، قال المفلح”: طبقاً لوكالة “يوكتاد” فإن قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً للعام 2017 تجاوزت 1.5 ترليون دولار، منها 570 مليار ذهبت لمشاريع جديدة، ويلاحظ تراجع الحصيلة عن مستوى 1.8 ترليون دولار الذي تحقق في العام 2016، إلا أن التدفق على الدول النامية لم يشهد تغييراً ملحوظاً في العام2017، بل استقر عند نحو 650 مليار دولار. وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول المتلقية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ثم الصين، وحلت الهند في المرتبة العاشرة بحصيلة 45 مليار دولار.
الأمير محمد رجل المرحلة
ويرى الباحث السياسي ومدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية سابقا، عبد الحميد الحكيم ، “أن أهم رسالة موجهة إلى الشعب الأمريكي قبل صانع القرار السياسي الأمريكي من زيارة ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا، أنه هو من يملك مفاتيح أبواب السلام المغلقة في المنطقة، وإنقاذ المنطقة بخلق شرق أوسط جديد من التنمية والازدهار للشعوب، والحد من أطماع الغرباء؛ كإيران النازية، الذي أنتج طوفانا من الفوضى الدموية كاد أن يغرق المنطقة،
لقد آن الأوان أن يكون أصحاب خندق السلام بإرادة ولي العهد الشاب محمد بن سلمان الذي سينطلق من الرياض لمواجهة الإرهاب النازي الإيراني، وحلفائه في المنطقة، هو الأجدر بإدارة مصالح المنطقة وهذا يصب في تحقيق المصالح الأمريكية والغربية وجميع دول العالم من لهم مصالح في الشرق الأوسط، لذلك الرسالة الأقوى للمجتمع الأمريكي خاصة وللغرب عامة، أن محمد بن سلمان هو رجل المرحلة الذي يجب أن يدعمه الجميع للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة ومصالحهم فيها”.
امتداد للشراكة
وقال الكاتب والمحلل الاقتصادي جمال بنون:” إن زيارة ولي العهد هي امتداد للشراكة القائمة بين البلدين لأكثر من سبعين عاما، وكانت العلاقة قائمة في السابق على المنتجات البترولية، واليوم أصبح هناك نوع من الشراكة وامتداد للعلاقة القائمة، بحيث تتنوع مصادر التصدير للسعودية والاستيراد، لتدخل صناعات تقنية وترفيهية وتعليمية، وصحية”.
وأكد بنون أن المملكة ستدخل منتجات أخرى غير البتروكيماويات التي كانت موجودة في السابق، وأن حجم الاستثمار اليوم بين البلدين يصل لأكثر من577 مليار ريال، وهو حجم الصادرات السعودية إلى أمريكا، في 4 سنوات.
مشيراً أن الزيارة لها عمقها الاستراتيجي، خاصة أن الميزة التنافسية في الاقتصاد السعودي مرتفعة جدا، ودخلت العديد من الشركات الأمريكية بصفة مباشرة، التي لا تحتاج إلى شركاء سعوديين، أو تدخل في شراكة أو تدخل بطريقة أخرى، ويسمح للشركات الأجنبية التي لها قيمة اقتصادية، تستطيع من خلالها خلق فرص عمل وتولد الوظائف، وحدث أن دخلت أربع عشرة شركة للسوق السعودي، سواء في مجال الترفيه أو السينما وغيرها.