د. هاشم بن عبدالله النمر
ها نحن نطوي الشهر الأول من بداية رفع الدعم على أسعار الطاقة والمياه وتطبيق القيمة المضافة , والتي تعتبر خطوة أساسية من عملية الإصلاح الاقتصادي في إطار رؤية 2030, وبالرغم من ذلك فقد سارعت حكومتنا الرشيدة بتخفيف الآثار الناجمة عن تصحيح الأسعار على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط من خلال تطبيق برنامج حساب مواطن ثم سارع خادم الحرمين الشريفين حفظه لله ومن منظور أبوي بإصدار قرار ملكي بصرف بدل غلاء معيشة لموظفي الدولة بمقدار ألف ريال شهريا ولمدة عام.
يجب أن نعي بان الترشيد واجب وطني وأننا جميعا مطالبون بتنفيذ برامج الترشيد المختلفة دعما لبلادنا, فالمفهوم الحقيقي للترشيد هو ليس الانكماش في استخدام الطاقة بل هو استخدام كمية اقل لأداء نفس التأثير أو أداء نفس الوظيفة. ويجب أن نعي جيدا بان الترشيد في الاستهلاك سيدفع عجلة التنمية الاقتصادية، وسيزيد من فرص الاستثمار وزيادة المشاريع والانطلاق نحو التطور والنمو. يجب أن نسارع بالترشيد لان الأرقام والإحصاءات العالمية عن المملكة تثير القلق, ففي تقرير لمؤسسة النقد الدولي الذي حذر بنفاد الاحتياطيات المالية الضخمة للمملكة خلال أقل من خمس سنوات إذا لم تأخذ خطوات لتقليص الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات. وفي نفس التقرير فقد تم الإشارة بان السعودية تعد من الدول الأعلى على مستوى العالم في استهلاك الطاقة. فنسبة استهلاك النفط والغاز يقدر بحوالي 4.5 مليون برميل يوميا أي ما يعادل 40% من إنتاج وتصدير الملكة للنفط , فهناك 1,800 مليون برميل يومي يستخدم في الإنتاج الصناعي ومثلها يستخدم في إنتاج الكهرباء. إن مستوى معدل استهلاك الكهرباء للبترول في نمو و ازدياد مخيف حيث يقدر بحوالي 8% سنويا ويعتبر من أعلى مستويات الاستهلاك عالميا مقارنة بحوالي 4% في أمريكا و 3 % في أوروبا, في عبارة أخرى لو تم الركود إلى هذا المعدل الاستهلاكي لأصبحنا نستهلك جميع ما ننتجه خلال 25 عاما تقريبا ويكون من الصعب تصدير النفط للخارج. هذا النمو غير المبرر في استهلاك الطاقة هو نتيجة لرخص الطاقة الناتجة من دعم الدولة, فالدولة تنفق بما مقداره 90 مليار سنويا لدعم المحروقات و240 مليار ريال سنويا لدعم المياه والكهرباء. ووفقا لأخر الإحصاءات فإن استهلاك الفرد للطاقة في السعودية يزيد 200% عن استهلاك الفرد الأمريكي ويزيد بحوالي 160% عن استهلاك الفرد في أوربا. وإذا تحدثنا عن استهلاك المياه, فتحتل المملكة المرتبة الثالثة عالميا بعد أمريكا وكندا في استهلاك الفرد الواحد من المياه بمعدل 300 لتر باليوم علما بأن معدل الاستهلاك العالمي هو 150 – 200 لتر يوميا, بينما نعتبر من أكثر بلدان العالم شحا للمياه لمحدودية المصادر. وتشير الإحصاءات بأنه يتم هدر ما مقداره 20% من المياه في السعودية بسبب التسربات و30% من المياه تستهلك في الحدائق المنزلية. الترشيد سيساعد على التوعية الضرورية للاستهلاك وعلى تغير هذه العادات والسلوكيات اليومية الخاطئة للأفراد في الاستهلاك الغير مقنع للطاقة. وسيساعد خفض الدعم على الطاقة بتوجيه مزيد من الأموال لمشاريع التنمية والمشاريع الصناعية وخفض عجز الموازنة ومعالجة الدين العام ورفع تنافسية السوق المحلية بما يساعد في جذب المزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة مما يزيد معدل الناتج المحلي ويقلل نسبة البطالة ومن المتوقع أن توفر خزانة الدولة بخطة الترشيد العام والإصلاحات المالية بما مقداره 59 مليار ريال لهذا العام وقد تصل إلى 209 مليارات ريال لعام 2020. الترشيد يجب أن يكون بالتوازي مع خطط ومبادرات تضمن تقليل الاعتماد على النفط ومنها على سبيل المثال العمل على خلق برنامج توعوي على المستوى القومي للترشيد من استهلاك الطاقة وإظهار الفوائد المرجوة من الترشيد و إيجاد آلية لتحفيز الأفراد والمشاريع الصناعية الذين يسجلون ترشيد كبير في استهلاك الطاقة, والعمل على إغلاق المدن الكبيرة بعد منتصف الليل وذلك لتوفير الطاقة والهدر ولرفع المستوى الأمني في البلاد. ومن الحلول أيضا التوسع في استخدام التقنيات الحديثة والطاقة المتجددة التي تساعد على التقليل من استهلاك النفط كاستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه. وفي خطوة موفقة لخلق توازن بين الترشيد والاستهلاك فقد تم تحويل وزارة البترول إلى وزارة الطاقة, وتم إنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة, و إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والطاقة المتجددة حيث تهدف جميع هذه المبادرات إلى المساعدة على الترشيد والاستخدام الأمثل لموارد الطاقة في المملكة ولتقليل الهدر, وإيجاد حلول جديدة للطاقة. ختاما, إن وجود وعي قومي بما تمر به بلادنا حفظها الله من نقله نوعيه من تقليص الإيرادات على عائدات النفط والتي تمثل 93% من إجمالي الدخل القومي بسبب تراجع أسعاره عالميا, وبسبب محاولة تنويع مصادر الدخل ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية, سوف يساعد على خلق بيئة تساهم في التقليل من الاستهلاك ورفع جاهزية المواطن لتقبل فكرة الترشيد الفعال.