رؤية : صالح النعاشي
مفهوم التجديد في الشعر من المفاهيم التي دائماً ما تكون مثاراً للجدل،وذلك يعود إلى أنه من الصعب أن يتفق الجميع على ما يمكن أن يخضع لهذا المفهوم وما لا يستحق أن يعتبر تجديداً. كذلك من ناحية الشعراء أنفسهم وخصوصاً الذين عاشوا في نفس الفترة الزمنية التي حدث فيها التجديد،فيكون هناك اختلاف حول الأسبقية،وكذلك ما يمكن اعتباره تجديداً حقيقياً أم مجرد محاكاة لتجديد حدث مسبقاً.في البدء لابد أن نلقي نظرة سريعة على مفهوم التجديد في اللغة العربية،(وهو من أصل الفعل تجدَّد،أي صار جديداً،
وكذلك أجده واستجده،وقد سمي كل شئ لم تأت عليه الأيام جديداً، ويرى النقد الحديث أن للتجديد تيارين:التيار الأول:الذي يبدأ أصولياً،ثم يثور من داخل الأصولية.التيار الثاني:هو التيار الذي يغير في الأصول تغييراً جدرياً.).هذه المقدمة كان لابد منها كمدخل مهم لمناقشة موضوع التجديد في الشعر الشعبي،والذي لايمكن عزله عن حركة التجديد في الشعر عموماً لأنه ليس بمعزل عن ذلك.
في الشعر الشعبي حدث ما يمكن أن يصنف تجديداً حقيقياً من نهاية فترة السبعينيات إلى وقتنا الحاضر عما كان عليه شكل ومضمون القصيدة الشعبية فيما قبل ذلك،وكان التجديد بتياريه الوارد شرحهما في تعريف التجديد الذي ذكر فيما سبق.وهذا التجديد قد نختلف في تحديد أسبقية من قاموا به لكننا (قد) نجمع على (بعض)أسماء من قادوا عملية التجديد.مشاركتي بهذه الرؤية تأتي بعد قراءتي لموضوعين قام بنشرهما تباعاً الأستاذ هليل المزيني في صفحة(ملامح صبح)تحت عنواني( الشعر وموضة التجديد للعربي نيتشه)و(التجديد والمجددون في الشعر الشعبي لسليمان الفايز) .
وفي قراءتنا للأسماء التي وردت في المقالين نجد أننا أمام شبه إتفاق على تلك الأسماء وهذا يختصر علينا أوعلي تحديداً إيصال فكرة المقال! دائماً ما يظهر لنا إسم بدر بن عبدالمحسن كرائد للتجديد في الشعر الشعبي وقياساً بتاريخ نصوصه التي يمكن أن تصنف بأنها تجديداً ونصوص شعراء آخرين لهم تجارب صُنفت كذلك بأنها تجديداً نجد أحقيته بذلك،وكذلك قياساً على منهجية التجديد عنده والتي تميزت بما حققه من تجديد في بناء النص ومواضيعه وصوره ومفرداته أيضا.
أشار القدير سليمان الفايز إلى نص (زمان الصمت) لبدر بن عمدالمحسن والصورة الشعرية(كتبت اسمك على صوتي) وهي التقاطة في محلها بوصف ذالك النص ثورة حقيقة على الصورة في الشعر الشعبي.تركيزي هنا على البدر لا يعني إهمالاً للتجارب العظيمة التي قدمت الشعر الشعبي بشكل متجدد أخاذ ولكني أتناول تجربته لسببين :السبب الأول : كوني مع الرأي الذي يمنح البدر أفضلية التجديد في الشعر الشعبي .
والسبب الثاني: للخروج من جدل الأسماء المجددة من عدمها لأن مبحثي يقود إلى منحى آخر.أعود إلى تجربة بدر بن عبدالمحسن التي لفتت الأنظار ليس فقط إلى البدر نفسه بل إلى الشعر الشعبي عموماً ، ولا ننسى في ذلك الدور المهم الذي قدمته الأغنية في التعريف بتجربة البدر ومنحها زخماً مستحقاً.بعد كل هذا أعود إلى لب هذه المداخلة وسؤالها الذي وضعته عنواناً لها ( مجددون أم مقلدون ؟ .. تجديد أم محاكاة !؟ ) !
وللإجابة على هذا السؤال سأتناول التجديد من خلال متغيرات منحت التجارب المذكورة وصف التجديد وهي:أولاً:التجديد في بناء النص ، وهذا التحول ظهر من خلال قصائد التفعيلة التي لم تكن موجودة سابقاً في الشعر الشعبي وهنا نتساءل هل بدأ هذا الفن الشعري من خلال الشعر الشعبي أو أنه فن منقول من تجارب الآخرين في الشعر الفصيح وهذا الموضوع(شبه) متفق عليه أن الريادة للعراق من خلال (نازك أو السياب) المهم أنه ليس تجديداً بمعنى الابتداع بالنسبة للشعر الشعبي .ثانياً : التجديد في الصور الشعرية والمفردة ،
وهنا نأتي إلى تجربة البدر والتي توصف من بعض النقاد بأنها محاكاة للتجربة الرحبانية في لبنان !إذا ما نتحدث عنه كونه تجديداً في الشعر الشعبي هو ما حدث داخل الشعر الشعبي من تجارب أسهمت في تغيير شكل وروح وبناء ومفردة القصيدة الشعبية عبر محاكاة التجارب الشعرية الأخرى في الفصيح وغيره،لكننا لم نلمس تجربة نستطيع وصفها بالمجددة على مستوى الشعر عموماً وخرجت من رحم الشعر الشعبي .أعرف أن هناك من سيدافع عن التجديد الذي حدث باعتبار الشعر الشعبي عالماً خاصاً له استقلاليته ولكن هذا الرأي سيقزم الشعر الشعبي(الخليجي) مقارنة بالشعر الشعبي (المحكي) في الدول العربية الأخرى والتي أفرزت تجديداً لا يمكن تجاهله كالذي حدث من خلال التجربة الرحبانية مثلاً .
في الختام أود القول إن إعطاء هالة غير مستحقة أو هالة غير مناسبة لعمل ما أو لإنسان ما لا يمنحه بريق تلك الهالة بل يسرق منه روحه الحقيقة ويحول المانحين لذلك في نظر المتابع والنقاد من خارج الإطار إلى صورة لا تليق بجمهور ونقاد ذلك العمل.