صنعاء ــ وكالات
واهم من يعتقد أن الاحتجاجات التي تهز إيران لليوم السابع على التوالي، مجرد نتاج لاحتقان وقتي ما يلبث أن يتلاشى بمروره الوقت، وإنما هي شرارة غضب تنذر بالتحول إلى ثورة تدك 4 عقود من الفقر والتهميش والفساد.
30 شخصا، وفق الحصيلة الرسمية، لقوا حتفهم جراء التدخل الأمني العنيف لقمع مظاهرات، ويقول مراقبون إنها غير مسبوقة، بل الأعنف بالبلاد منذ الاحتجاجات التي تلت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009.ووفق مسؤولين إيرانيين، فإنه تم اعتقال أكثر من ألف محتج في المظاهرات التي توسع نطاقها ليشمل حاليا أكثر من 70 مدينة إيرانية.
تحرك شعبي رفع توسع نطاقه سقف مطالب المحتجين، وتزايد استخدام نظام الملالي للعنف طمعا في إخماد نفس المظاهرات، وقمع المحتجين تمهيدا لمحاسبتهم في الدهاليز المظلمة.
مشهد يقف على كف عفريت في إيران حيث يقبع السواد الأعظم من الشعب تحت خط الفقر، وحيث اختنق الايرانيون من نظام ولاية الفقيه، وخصوصا المرشد علي خامنئي، وهي تقريبا المطالب التي ينادي بها المحتجون.
ومع أن النظام يحاول التعتيم على الاشتباكات بين المحتجين وقوات الشرطة، إلا أن فيديوهات المعارضة والناشطين عبر مواقع الانترنت، فضحت ما يجري على الأرض، وبثت للعالم حقيقة ما يحدث.
ففي معظم المدن الإيرانية، تخللت المظاهرات اشتباكات مع قوات الأمن، والأمر سيان في العاصمة طهران التي تشهد حاليا انتشارا عنيفا لوحدات الشرطة الخاصة، عقب اشتباكات الليلة الماضية، وفق مقاطع فيديو أظهرت عددا من السيارات وهي ترش المياه على المحتجين. ومع تواصل الاحتجاجات التي عمت مختلف المدن الإيرانية، ارتفع سقف المطالب، وتزايدت حصيلة القتلى الذين بلغ عددهم 30 قتيلاً بحسب أرقام رسمية، بينما تقول مصادر في المعارضة الإيرانية إن عدد القتلى أكبر من ذلك بكثير.
وحول المطالب، ركز المتظاهرون على ضرورة إسقاط نظام ولاية الفقيه بما في ذلك المرشد علي خامنئي، ورفعوا شعارات “لا غزة ولا لبنان ارواحنا فداء ايران ” .وفي مدينة الأهواز جنوب غرب إيران، تظاهر المئات وهتفوا برحيل المرشد الإيراني علي خامنئي، بقولهم “اسمح لنا يا سيد علي.. حان وقت رحيلك”.
كما استمرت احتجاجات مماثلة في خورام أباد ومعشور وإيذج وفي خميني شهر بمحافظة أصفهان، ومسجد سليمان شمال الأهواز، وتبريز مركز محافظة أذربيجان الغربية.
بالرغم من أن أحد مطالب الاحتجاجات الحالية في إيران هو وقف تدخلها في شؤون الدول الأخرى، إلا أن قادة إيران خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية أكدوا إصرارهم على استمرار وتوسيع عملياتهم في سوريا والعراق، واليمن ولبنان وغيرها من الدول المستهدفة.
فمن جانبه، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إن “إيران لن تتراجع خطوة عن استراتيجيتها في المنطقة “.
ويشير قادة الملالي بكلمة “المقاومة” إلى المليشيات الموالية لإيران وتثير العنف والإرهاب والتخريب في الدول المستهدفة مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان .ويغطي الإيرانيون أهدافهم الحقيقية من دعم المليشيات الإرهابية لإنهاك الدول المستهدفة واحتلالها بشعارات محاربة إسرائيل وتحرير فلسطين.
هذا وقد أعلنت لجنة تنسيق انتفاضة الشعب الإيراني عن مواعيد المظاهرات في مختلف المدن الإيرانية. وذلك في الوقت الذي أصبحت الانتفاضة في وضع يتزايد مع مرور الوقت، وذلك رغم تهديدات الملالي بقمعها واستدعاء عناصر من الحرس الثوري الذي يعمل في كل من سوريا والعراق.
تندد دولي :
الضغوط الدولية المكثفة لم تثن نظام الملالي عن إظهار وجهه القبيح أمام شعبه، دون الاعتبار لمعايير دولية أو أعراف قانونية تحمي الأفراد في التعبير عن رأيهم، وإبداء معارضتهم.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أبرز الداعمين لانتفاضة الإيرانيين، حيث قالت على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز إن بلادها تساند الشعب الإيراني، وعلى الأسرة الدولية أن تعبر عن دعمها للشعب الذي يعاني ظلم نظام الملالي.
وأضافت ساندرز، أن الشعب الإيراني ينتفض بعد سنين من فساد النظام، وتبديد مليشيا الحرس الثوري الإيراني لثروته على قوات عسكرية أجنبية، وعمليات خارجية مشبوهة.
وتابعت: “إيرانيون شجعان هم من نظّموا هذه المظاهرات، والمجتمع الدولي لا يجب أن يقف ساكنا كما فعل في 2009”.
وأشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض إلى أن الشعب الإيراني دفع الثمن الأغلى لعنف وتطرف نظام الملالي الذي يحكمه، لافتة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يغير سياسته الخارجية مع التطورات في إيران.
وأكدت ساندرز أن “ترامب يريد أن يشهد توقف دعم إيران للإرهاب، ويود أن تحترم إيران حقوق الإنسان وتتوقف عن كونها راعية للإرهاب”.
بدوره سارع اليمين الأمريكي إلى التعبير عن دعمه لحركة الاحتجاجات في إيران، واعتبرها المحافظون دليلا على فشل سياسة اليد الممدودة التي اعتمدها الرئيس السابق باراك أوباما بهدف دفع نظام الملالي إلى الاعتدال،ففي الكونجرس نددت الأكثرية الجمهورية بالاتفاق النووي في 2015، وكان الصقور المناهضون لإيران أول من رحب نهاية الأسبوع بالتظاهرات عبر بيانات وتغريدات.
وقال السناتور الجمهوري ليندسي جراهام، الأحد، عبر قناة (سي بي إس) إن “مقاربة أوباما القاضية بتخفيف العقوبات أملا في أن يصبح النظام أكثر اعتدالا فشلت”، مضيفا أن “السكان لا يستفيدون من تخفيف العقوبات، حيث إنهم أكثر غضبا إزاء مضطهديهم من أي وقت”.
وأشار إلى التأكيدات المتكررة لإدارة أوباما أن الأموال التي نص الاتفاق الدولي على إعادتها إلى إيران ستموّل اقتصادها بشكل أساسي، لا جيشها، بينما أدت في رأيه إلى “إعادة بناء الجيش الإيراني وزعزعة استقرار الشرق الأوسط”.
ويسعى مشروع القانون إلى تثبيت عدد من القيود التي يفرضها الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم، ويفترض رفعها تدريجيا اعتبارا من 2025.وفي كواليس الكونجرس، تدور مفاوضات حول مشروع القانون بين رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور الجمهوري بوب كوركر، والسناتور الديمقراطي بن كاردن والبيت الأبيض.
وكان يفترض إقرار القانون قبل حلول منتصف يناير الجاري، موعد تقديم الرئيس الأمريكي إفادته بشأن تطبيق إيران للاتفاق.
وفي السياق نفسه، وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صفعة فرنسية قاسية لنظام الملالي، حين أبلغ نظيره الإيراني حسن روحاني بضرورة احترام الحريات الأساسية، ردا على طلب روحاني له، بالضغط على المعارضة الإيرانية بباريس، واصفا إياهم بـ”الإرهابيين”، في إشارة إلى “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”، الذي تتزعمه مريم رجوي.
وأعرب ماكرون لروحاني- حسبما أعلن بيان للرئاسة الفرنسية- عن قلقه حيال التطورات في إيران، داعيا روحاني إلى “ضبط النفس”.
فيما أعلنت الرئاسة الفرنسية، أن وزير الخارجية لو دريان، أجّل زيارته إلى طهران بعد الاتصال مع الرئيس الإيراني، وهي الزيارة التي كان مزمعا إجراؤها نهاية الأسبوع الجاري.
وأعربت ألمانيا، عن قلقها إزاء التطورات التي تشهدها إيران ولاسيما تعامل قوات الأمن بعنف مع المتظاهرين.وقالت المتحدثة باسم الحكومة أولريكة ديمر: “إن بلادها تتابع بقلق التطورات في إيران” مؤكدة أن المتظاهرين الذين يحتجون على الصعوبات الاقتصادية يستحقون الاحترام.
وتابعت ديمر: “تعتبر الحكومة الاتحادية احتجاج الناس بشجاعة في الشوارع على ما يواجهونه من مصاعب اقتصادية وسياسية أمرا مشروعا كما يحدث في إيران حاليا ،ولهم منا كل الاحترام”.
وحثت ديمر الحكومة الإيرانية على بدء حوار مع المحتجين والتعامل بشكل ملائم، مضيفة أن برلين أقلقتها تقارير عن سقوط قتلى في الاحتجاجات المستمرة منذ الخميس الماضي.
واعربت الامم المتحدة عن أسفها لسقوط قتلى في التظاهرات في إيران، مطالبه بـ”احترام حقوق الشعب الإيراني في التجمع سلميا والتعبير عن رأيه”.فيما أكدت رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مريم رجوي، أن الانتفاضة في إيران ستستمر لإسقاط النظام وتحقيق الديمقراطية، مشيرة إلى أن العدالة والرفاهية والديمقراطية والانتخابات الحرة تتحقق فقط من خلال هذا المسار.
وقالت رجوي في تغريدات لها عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، إن الأرضيّة لإسقاط الملالي ممهدة أكثر من أي وقت آخر، وإن العالم سمع صوت الشعب الإيراني “البطل” وسيدعمه.
ودعت المتظاهرين لمواصلة انتفاضتهم “العادلة”، مؤكدة أن “ديكتاتورية الملالي الفاسدة والآيلة للزوال ستُهزم، مقابل الاتحاد والتضامن الوطني والمقاومة والصمود”.
فيما رأى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية محمد محدثين ان ” موت خامنئي لن يؤدي الى توسيع الصراعات الداخلية في النظام، انما يصب في تبديل الوضع الى صراع بين الشعب والنظام بحيث يمهد الارضية لاسقاط النظام ويعمل على تسريع هذا المشروع .
وقال في حديث الى السياسة ان: خامنئي والحرس الثوري يمثلان وجهان لعملة واحدة وهما وحدة لا تتجزأ، وأي منهما يسقط فان الآخر سيسقط تلقائيا . وأكد ان الحكم الذاتي للقوميات المختلفة أمر ضروري، فالحكم الذاتي ليس شيئا تم تقديمه كهدية من المجلس الوطني للمقاومة الايرانية ومنظمة مجاهدي خلق بمثابة أخ أكبر، الحكم الذاتي عبارة عن ضرورة للانسجام و التآلف .
وأوضح أن اسقاط هذا النظام ليس فقط رغبة للشعب الايراني، انما لحاجة المنطقة والعالم للسلام و الامن و الاستقرار
نتجنب الاخطاء السابقة :
لعل اكثر ما يشغل أغلبية المعلقين السياسيين إزاء الانتفاضة الإيرانية التي أكملت أسبوعها الأول، هو ما إن كانت الدول الغربية سترتكب “ذات الخطأ”، المتمثل في تساهلها إزاء قمع الملالي للحركة الخضراء في 2009.فرسميا، يقر مسؤولون غربيون، بمن فيهم دبلوماسيون أمريكيون كبار، بهذا الخطأ تجاه الهبة الشعبية التي فجرها تزوير الانتخابات التي منحت الرئيس المحافظ السابق أحمدي نجاد ولاية رئاسية جديدة.
ومعترفة بهذا الخطأ، قالت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، بعد أن دعت لعقد جلسة طارئة في مقر المنظمة الدولية بنيويورك، فضلا عن اجتماع مماثل لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، إن المجتمع الدولي تقاعس عن دعم تلك الاحتجاجات الإصلاحية.
ومشيرة للاحتجاجات الحالية التي امتدت إلى غالبية المدن الإيرانية، وراح ضحيتها حتى الآن 21 شخصا، أضافت هيلي، “يجب ألا نكرر ذلك الخطأ”.
وكان أوميد نوريبور، النائب في البرلمان الألماني عن عضو حزب الخضر، قد ذهب إلى ذات المنحى، عندما دعا الحكومات الأوروبية لموقف أكثر حزما مما كانت عليه في 2009.
ويعتقد نوريبور، المنحدر من أصول إيرانية، أن أوروبا التزمت الصمت حيال الاحتجاجات السابقة، نظرا للمفاوضات النووية آنذاك مع طهران.
ومستخدما ذات مفردات هيلي تقريبا، حذر البرلماني الألماني من “تكرار هذا الخطأ مرة أخرى”، خلال الانتفاضة الحالية.
وفي حال التسليم بالتقاعس الذي أشارت إليه الدبلوماسية الأمريكية، يمكن رد بعض جوانبه إلى الشكوك في جدوى احتجاجات 2009، حيث تزعمها بالأساس رجال يدينون بالولاء لنظام ولاية الفقيه، لكنهم يتبنون شعارات إصلاحية.
أما الاحتجاجات الحالية فهي عفوية إلى حد بعيد، تحركها المصاعب الاقتصادية، دون قيادة واضحة، وهو ما يدلل عليه أن المرشد الأعلى علي خامنئي لم يجد جهة بعينها ليتهمها بأنها تنفذ ما اعتبره مؤامرة خارجية.
كما تتسم المظاهرات الحالية بتحديها الجريء والصريح لنظام الملالي ممثلة في مرشد إيران علي خامنئي، وهو ما لم يحدث عندما حرك الإصلاحيون الشارع ضد تزوير الانتخابات في 2009.
ويتجلى ارتفاع سقف المحتجين من إصلاحات اقتصادية إلى إسقاط النظام برمته، ليس في إحراق متظاهرين لصور خامنئي فقط، بل حتى صور مؤسس نظام الملالي في إيران، آية الله الخميني.
والمفارقة أن هذه الاحتجاجات انطلقت من مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية في الأهمية الاقتصادية والثقافية، وثانيها أيضا في الأهمية الدينية بعد مدينة قم، إذ تضم مرقد الإمام الرضا، علاوة على إحراق متظاهرين مدارس مرتبطة عقائديا بالنظام.
وإن كانت احتجاجات 2009 تعبر عند أكثرية المحللين السياسين عن انقسام وسط الملالي أكثر من أي شئ آخر، فإن احتجاجات اليوم تعبر عن رفض غير مسبوق لهذا النظام، بمحافظيه وإصلاحييه.
والحال كذلك، تنتفي الشكوك والتردد الذي لازم المجتمع الدولي، الذي اعتقد أن نجاح الحركة الخضراء 2009 لو تحقق لن يكون سوى تغيير شكلي في النظام وليس جوهره.
بدورها قالت مجلة إيكونوميست البريطانية، إن الإيرانيين الذين يجبون الشوارع احتجاجا ينفثون غضبا مكبوتا من أوضاع اقتصادية وسياسية متدهورة.
ولفتت المجلة إلى أن الغضب متنوع الأسباب ظل يختمر على مدى شهور، فقد استاء سكان مناطق الشمال الغربي من عدم استجابة الحكومة بشكل مناسب للزلزال المدمر الذي ضربهم في نوفمبر الماضي، حيث يقضي الآلاف الشتاء في خيام مؤقتة.
وتضيف: “شهدت طهران احتجاجات على تدخلات من متعاملين مع مؤسسات مالية غير رسمية، العديد منها مرتبط بالحرس الثوري، حيث ضاعت مدخراتهم لدى إعلان تلك المؤسسات المالية إفلاسها؛ فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة في البلاد إلى نسبة 27%؛ وارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية؛ وتزايد التفاوت في الدخول”.
ورصدت إيكونوميست بعض الشعارات التي تدين ممارسات الحرس الثوري، وترفض سياسيات طهران إزاء التدخل في دول أخرى مثل سوريا والعراق واليمن وترك الشعب الإيراني يتضور جوعا.
وأضافت أن ملالي طهران يأملون في وقف غضب الجماهير؛ فيما أخفقت مساعي روحاني -الذي تعهد بالاستماع للناس- في احتواء غضب المحتجين، وها هي السلطات تلجأ بازدياد إلى القوة.