طهران ــ وكالات
لم يكن غضب المتظاهرين في إيران من تردي الأوضاع الاقتصادية، إلا نتيجة للسياسة الخارجية الخاطئة للنظام الإيراني، وتدخلاته في شؤون دول المنطقة، حقيقة أيقنها المحتجون، فهتفوا رفضا لهذه التدخلات، التي تلتهم جزءا كبيرا من ميزانية الدولة.
وتشير تقارير إلى أن الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى الدولية، تم بموجبه إلغاء تجميد عشرات المليارات من الدولارات التي وصلت إلى خزائن النظام، واستغلها في دعم الميليشيات.
لكن الخطط الإيرانية بهذا الشأن بدأت قبل ذلك، وتحديدا في أعقاب اندلاع ما يعرف بالربيع العربي عام 2011، حيث وضع النظام الإيراني كل إمكاناته لدعم الميليشيات الطائفية التي تم إنشاء بعضها عقب الثورات، وبعضها الآخر كان موجودا أصلا.
وتحاول إيران ترسيخ وجودها في العراق من خلال هذه الميليشيات، بادعاء المشاركة في الحرب على الإرهاب.
وفي سوريا تسعى طهران إلى تدشين وجود عسكري دائم، بالتخطيط لبناء قاعدة جوية مقيمة ومرفأ للسفن على ساحل البحر المتوسط.
هذا بالإضافة لتقديم إيران الدعم لميليشيات الحوثي في اليمن، مما تسبب في إذكاء التوتر الذي وصل ذروته باغتيال الرئيس السابق علي عبد اللة صالح، على يد الانقلابيين، فيما تتهم أوساط يمنية الحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء الجريمة.
وبحسب تقارير صحفية، فإن النظام الإيراني ينفق سنويا على ميليشيات حزب الله في لبنان من مليار إلى ملياري دولار، خاصة بعد توسيع عملياته العسكرية في سوريا.
وفي العراق وصل الإنفاق الإيراني على الميليشيات مئات الملايين من الدولارات، أما حجم الأموال الإيرانية التي أرسلت إلى الميليشيات الحوثية في اليمن فبلغت أكثر من 25 مليون دولار سنويا منذ عام 2010.
اعتراف بقتل المظاهرين :
واقرت السلطات الإيرانية رسميا، بسقوط 14 قتيل خلال الانتفاضة الشعبية التي رفعت شعار إسقاط نظام ولاية الفقيه في غالبية المدن الإيرانية.
وقال التلفزيون الرسمي إن 14 متظاهر قتلوا خلال الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها الخميس الماضي في مدينة مشهد شرق البلاد، قبل أن تمتد إلى باقي المدن الإيرانية.
وتدخل الانتفاضة الإيرانية يومها الخامس في وقت تواصل فيه السلطات الأمنية حشد عناصر الحرس الثوري وقوات الباسيج لمواجهة أوسع حركة احتجاج تشهدها إيران منذ عام 2009.
واستمرت المواجهات مع قوات مكافحة الشغب في مدينة أردبيل، ورفع المواطنون شعار “ليطلق السجين السياسي” واشتبكوا مع عناصر حرس مكافحة الشغب في مدينة سنندج.
كما أدى هجوم عناصر النظام في مدينة خرّم دره على المتظاهرين إلى مواجهات وألقت مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع على المواطنين، فيما اعتدت قوات الأمن على المتظاهرين بالضرب المبرح بالهراوات في مدينة بهشهر.
وأعلنت السلطات اعتقال 200 متظاهر في طهران، بينهم 40 من قادة التظاهرات خلال احتجاجات أمس.
وفرضت السلطات الإيرانية قيوداً على استخدام بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي، وذلك في محاولة لوقف الاحتجاجات ضد النظام خاصة في طهران
وطالب محتجون المرشد الأعلى علي خامنئي بالتنحي، ومزقوا صور قاسم سليماني، وصبوا جام غضبهم على المصاعب الاقتصادية والفساد.
وأظهرت لقطات محتجين يهتفون في وسط طهران “يسقط الدكتاتور” في إشارة إلى خامنئي.
وحسب رويترز، هتف محتجون في خرم أباد في غرب إيران “عار عيك يا خامنئي ..اترك البلاد وشأنها”.
وأظهر شريط مصور اعتقال الشرطة محتجا في مدينة خوي بشمال غرب إيران في الوقت الذي كان فيه
وندد المتظاهرون بارتفاع الأسعار والفساد وسوء الإدارة. وبلغت نسبة البطالة 12.4 في المئة في السنة المالية الجارية بارتفاع 1.4 نقطة عن العام الماضي. ويعاني نحو 3.2 مليون إيراني من البطالة في إيران التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة.
وتحدى المحتجون قوات الشرطة والحرس الثوري التي استخدمت العنف لدحر اضطرابات سابقة. وقد تثير هذه المظاهرات قلقا أكبر للسلطات لأنها تبدو عفوية وبلا قائد واضح.
واستخدمت الشرطة الإيرانية في طهران، مدافع المياه لتفريق متظاهرين تجمعوا في ميدان الفردوس بوسط المدينة، بحسب ما عرضته مشاهد مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويواصل الايرانيون التظاهرات في عدد من مدن البلاد بما فيها العاصمة طهران احتجاجا على الحكومة وعلى الظروف الاقتصادية الصعبة من بطالة وغلاء معيشة وفساد.
وكشفت انتفاضة الإيرانيين ضد ديكتاتورية نظام الملالي القمعي من جديد عن حجم الفساد المتفشي في البلاد وإخفاق السياسات الاقتصادية المروعة لحكومة طهران.
قمع التظاهرات :
واتجه النظام الإيراني إلى حيلة التكفير لضرب المظاهرات المناهضة له، وتفريغها من مضمونها المناهض لحكم ولايه الفقيه، ولتبرير وسائل العنف التي قد يلجأ إليها لإنهائها.
وبحسب مراقبين، فإن هذا الأسلوب عفا عليه الزمن، وأصبح ورقة مكشوفة، سواء بالتكفير أو القتل باسم الدين في ظل الغضب المتصاعد من الكادحين والجائعين، ومن فقدوا ذويهم في مقابر جماعية، لذلك فلا يهابون فتاوى التكفير.
وظهر ذلك في قيامهم بحرق صور الملالي كالخميني وخامنئي وغيرهما في وضح النهار في مدينة مشهد قبل يومين، رغم كونها معقلا لأنصار الملالي وثاني أقدس المدن في طهران بعد قم.
دعوات للمساندة :
تصدرت تظاهرات الشعب الإيراني ضد نظام الملالي العديد من صحف العالم، التي أجمعت على ضرورة مساندة حقوق الشعب الإيراني والتخوف من بطش وقمع من قبل قوات الأمن الإيرانية، وتوقعات بسقوط النظام الحاكم في طهران.
ووصفت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي الأحد ما يجري في إيران بأنه “اختبار” من الشعب للسلطات، وذلك بعد ثلاثة أيام من التظاهرات الاحتجاجية على الحكومة والأوضاع الاقتصادية.
وقالت نيكي هايلي في بيان “الشعب الإيراني المقموع منذ وقت طويل يرقع الآن صوته”، معربة عن أملها في أن “تُحترم الحرية وحقوق الإنسان” في هذا البلد.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب علّق على التظاهرات في تغريدة على موقع تويتر السبت، قال فيها إن “الانظمة القمعية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد”، ثم كتب الأحد “تظاهرات كبرى في إيران، الشعب فهم أخيرا كيف تُسرق ثرواته وتُهدر لتُنفَق على الإرهاب”.
وأضافت هايلي “نرفع الأماني والصلوات من أجل الملايين الذين يعانون من الحكومات القمعية في كوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وخصوصا في إيران”.
ورصدت افتتاحيات الصحف الأمريكية استمرار الاحتجاجات في إيران لليوم الخامس على التوالي، وسط إدانة لعمليات القمع التي تمارسها السلطات الإيرانية ضد المتظاهرين.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن قطع وسائل الاتصال على المتظاهرين في مختلف المدن الإيراني سيؤجج حالة الاحتقان، وسيدفع بالعديد من سكان المدن والأحياء الإيرانية للانضمام إلى المظاهرات، إضافة إلى أن الأحوال الاقتصادية داخل إيران دفعت آلاف المتظاهرين في عدة مدن، من ضمنها العاصمة الإيرانية طهران، للخروج للاعتراض على الأحوال المزرية التي يعيشها الإيرانيون كل يوم.
أما صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية فقالت إن النظام الإيراني قام بسرقة قوت الشعب الإيراني، وظهر ذلك جليا في الوعود الكاذبة التي أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني حول تحسن الاقتصاد المحلي في إيران، إضافة إلى احتكار العديد من المؤسسات التابعة للملالي، مثل الحرس الثوري الإيراني، للعديد من القطاعات الحيوية في الاقتصاد الإيراني.
شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية قامت بعمل تقرير مفصل حول الانتهاكات التي تقوم بها السلطات الإيرانية ضد المتظاهرين بشكل عام.
وركز التقرير على ممارسات الاعتقال التعسفي والعشوائي للمتظاهرين أو أي شخص يقف ضد رموز النظام في إيران، إضافة إلى الرقابة الممنهجة على جميع الإيرانيين بشكل ينتهك خصوصيتهم وحياتهم بشكل عام.
من جانبها أفادت شبكة “سي إن إن” نقلا عن محللها للشؤون الإيرانية أن الإيرانيين لا يخرجون للتظاهر إلا إذا كانت الأوضاع شديدة السوء، الأمر الذي انعكس في العديد من أوجه الحياة داخل إيران اقتصاديا واجتماعيا، وخصوصا مع احتكار ثروات البلاد بين المقربين في السلطة الإيرانية، الأمر الذي أدى لتفشي البطالة والفقر في العديد من المدن الإيرانية بما فيها العاصمة الإيرانية طهران.
أشارت العديد من التحليلات التي تناولت مظاهرات إيران إلى أن تلك المظاهرات قد تكون بداية النهاية للنظام الحالي في إيران، لافتة إلى احتمال زيادة وتيرة المظاهرات بسبب القمع الذي تمارسه السلطات الأمنية الإيرانية، إضافة إلى التجاهل التام لنداءات المتظاهرين بالتوقف عن خنق سكان إيران اقتصاديا.
موقع “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستراتيجية ذكر في تحليل له أن الأحداث في إيران جذبت إليها الأنظار لسببين، وهما: الرسالة المزمع إيصالها، وموقع الاحتجاجات التي حدثت في قلب إيران.
وأشار التحليل إلى أن ما يعزز من هذه الاحتجاجات هو عدم الرضا الشعبي عن الحكومة في طهران، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد، كما أن المحتجين انتقدوا الحكومة لتركيزها بشكل كبير على المشاكل خارج الوطن ومنها الحرب في سوريا بدلاً من التركيز على التحديات المهمة جداً التي تواجهها البلاد.
وأوضح أنه في حال اندلعت احتجاجات جديدة متعلقة بالموضوع نفسه، وانتشرت في أماكن جغرافية وسكانية أخرى في البلاد، مثلما حدث في عام 2009، فإن الأمر يمكن أن يتطور على نحو خطير
مجلس العلاقات الدولية الأمريكي قال إن التطورات في إيران تعكس تطورا جذريا في طريقة تفكير الشعب الإيراني، حيث ثبت أن السكوت الشعبي على ممارسات الملالي كانت نتيجتها تدهور الأوضاع بشكل مأساوي عانى منه الشعب الإيراني على جميع المستويات، إضافة إلى أن تجاهل مطالب الشعب الإيراني من قبل نظام خامنئي وتهميش فئات عديدة منهم أدى لحالة من السخط الشعبي لن تهدأ دون تحول جذري في سياسات الحكومة الإيرانية الداخلية، الأمر الذي يستبعده المجلس