دولية

تفجر الأوضاع في إيران .. هل يلقى الملالي مصير الشاه؟

جدة ــ وكالات

في الوقت الذي تسعى فيه إيران لبسط نفوذها الإقليمي في المنطقة بتمويل الجماعات الإرهابية، لزعزعة استقرارها، تشهد المدن الإيرانية مظاهرات حاشدة بسبب ما يعانيه الشعب الإيراني من فقر وعوز، جراء ممارسات واستبداد نظام الملالي، فيبدو أن نيران الغضب الشعبي التي اندلعت في شوارع البلاد لم تكتفِ بتعرية الواقع المُزري فقط، لتلتهم ألسنة اللهب كذلك صور الرئيس الإيراني حسين روحاني، والمرشد الأعلى لنظام الملالي علي خامنئي، وغيرهما من رموز “ولاية الفقيه” في إيران. ومع صعود غضب المواطنين الإيرانيين في وجه نظام الملالي في 14 مدينة ، تعود إلى الأذهان شرارة الثورة الإيرانية التي أطاحت بشاه إيران عام 1979، فهل سيشهد العالم نهاية نظام الملالي في 2018؟

تواصل الاحتجاجات :
فيما تواصلت المظاهرات في العديد من المدن الإيرانية، امس “السبت” لليوم الثالث على التوالي تحت شعار “لا للغلاء”، وهم يرددون هتافات مناهضة لنظام الملالي.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن التظاهرات نظمها المواطنون في كثير من المدن منها: كرمانشاه، وقم، والأهواز، وأصفهان، وقوجان، وساري، وقائمشهر، وقزوين، ورشت، وزاهدان، وهمدان وخرم آباد، وسبزوار وبجنورد.

ففي مدينة قم، هتف الشباب: “الموت لحزب الله”، “استحْيِ يا سيد علي واترك الحكم”، و”أيها الإيراني الغيور، التحق بشعبك”، و”لا نريد جمهورية إسلامية، لا نريد لا نريد”، و”الشباب عاطل عن العمل، والملا جالس خلف طاولته”

وواصل المتظاهرون تظاهراتهم الاحتجاجية غير آبهين بتهديدات قائد قوى الأمن الذي قال إن “هذا التجمع غير قانوني، تفرقوا وإلا سنتعامل معكم كمُخلين بالنظام العام” والتحق المواطنون في الأهواز بانتفاضة “لا للغلاء” مرددين شعارات “غادروا سوريا – فكروا فينا”، و”لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران” و”الموت للديكتاتور”، و”الشعب يستجدي والحكومة تتألّه”.

وأغلقت عناصر القمع الجسر الرئيسي للمدينة منعا لتوسع نطاق التظاهرة، غير أن عددا من المواطنين عبروا النهر عبر الزوارق للانضمام إلى التظاهرة.

وأما في مدينة أصفهان، فاحتشد المواطنون في ساحة “انقلاب” والساحة المسماة “خميني” و”سي وسه بل”. وهتف المتظاهرون في ساحة انقلاب شعار “الموت للديكتاتور”، وداهمت وحدة مكافحة الشغب صفوف المواطنين واعتقلت عددا منهم. المواطنون المحرومون في مدينة زاهدان هم الآخرون تظاهروا تحت شعار “غادروا سوريا – فكروا فينا”، كما رفع أهالي مدينة قزوين هم الآخرون شعار “أيها الإيراني الغيور، ادعمنا ادعمنا”.ونظم مئات من المواطنين في مدينة ساري تجمعا احتجاجيا أمام مبنى المحافظة. وفي سبزوار احتج المواطنون في تقاطع العدلية، ضد ما وصفوه بـ”الظلم والجور في نظام الإرهاب الحاكم باسم الدين في إيران”.

تحدي التهديد:
وتحدى المحتجون التهديدات التي أطلقها مسؤولون إيرانيون اعتبروا التظاهرات “تجمعات غير قانونية”.

وبخلاف ما حاولت الأوساط الرسمية إظهاره بأن التظاهرات لا تعدو كونها فئوية، لكن خروج مسؤولين كبار بتصريحات وتهديدات للمحتجين وصلت إلى حد اتهام ما وصفوه بأطراف خارجية، يظهر مدى الخوف الذي يدب في الطبقة السياسية الحاكمة من تحوله هذه التظاهرات إلى انتفاضة على غرار ما عرف بالثورة الخضراء عام 2009.

واعترف نائب الرئيس الإيراني، إسحق جهانغيري، بامتداد التظاهرات إلى العاصمة بقوله إن “متشددين معارضين للحكومة قد يكونون مسؤولين عن التظاهرات التي امتدت إلى العاصمة طهران”.

وبينما أصدرت قيادة الحرس الثوري بيانا بمناسبة ذكرى إخماد انتفاضة 2009 عبر عمليات قمع دموية، إلا أن الاحتجاجات الحالية ألقت بظلالها على البيان ليصبح منصة لتوزيع الاتهامات الداخلية والخارجية.

وعبر مستشار الرئيس الإيراني عن مخاوفه من التعامل الأمني مع التظاهرات، قائلا، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا)، إن على الشرطة التعامل بما وصفه بـ”رحابة صدر”، وهو اعتراف ضمني بأن القمع الأمني المعتاد قد يزيد من الغليان.

مخاوف:
وحذر عضو الهیئة الرئاسیة بمجلس الشوري أكبر رنجبر زادة، من أن التظاهرات الاحتجاجية الحالية قد تحيي انتفاضة عام 2009.

وقال إن “الأحداث الأخیرة التي شهدتها بعض مناطق البلاد ستستغل من قبل المناهضين للنظام”.

وكانت إيران قد شهدت أوسع احتجاجات في تاريخها منذ الثورة التي جاءت بالملالي عام 1979، عندما خرج مئات الآلاف من الإيرانيين في 13 يونيو 2009 في مختلف أنحاء البلاد ضد تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وفي مواجهة ذلك، استعان النظام الإيراني بعشرات الآلاف من عناصر الباسيج وهي ميليشيات خاصة لقمع “الثورة الخضراء”، التي كادت أن تعصف بالنظام لولا القمع الأمني وحملة الاعتقالات التي طالت الآلاف.

وفي 30 ديسمبر من نفس العام، نظمت السلطات تظاهرات مؤيدة تحت رعايتها، خصصت لها عطلة رسمية وحافلات لنقل حشود سيقوا جبرا من أجل إظهار وجود تأييد شعبي للنظام، واعتبرته يوما للانتصار على ما وصفته بالفتنة.

ومن جانبها، حيت زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي المتظاهرين، وقالت إن “الانتفاضة العارمة اليوم تمثل ناقوس إسقاط ديكتاتورية الملالي الفاسدة تماما وبزوغ الديمقراطية والعدالة والسلطة الشعبية”.وأضافت أنه: “لا مستقبل لنظام الملالي. الرهان عليه محكوم عليه بالفشل، وحان الوقت لكي لا يربط المجتمع الدولي مصيره بهذا النظام، وأن يعترف بمقاومة الشعب الإيراني التي تعمل على إسقاطه”.

العالم يترقب:
بدوره أكد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب أن الاحتجاجات السلمية للمواطنين الإيرانيين جاءت رفضا لفساد النظام الحاكم في طهران.

وقال ترمب في تغريدة إن تقاريرعدة أكدت أن الاحتجاجات السلمية للمواطنين الإيرانيين ثارت بعد أن “فاض الكيل بهم من فساد النظام، وإهدار ثروات البلاد على تمويل الإرهاب في الخارج”.

وطالب الرئيس الأميركي، الحكومة الإيرانية “باحترام حقوق الشعب، بما فيها حقه في التعبير عن نفسه”. وختم أول تغريدة له عن الاحتجاجات في إيران قائلا إن “العالم يراقبها”.

وأصدرت الخارجية الأميركية، بيانا دانت فيه اعتقال متظاهرين سلميين في إيران عقب الاحتجاجات ضد النظام، والتي تدخل يومها الرابع على التوالي وتتسع لمختلف أنحاء البلاد.

وأكدت الخارجية الأميركية في بيان بأنها “تتابع تقارير عن الاحتجاجات العديدة والسلمية للمواطنين الإيرانيين في المدن في جميع أنحاء البلاد”.وأضافت: لقد تحول زعماء إيران كدولة غنية إلى بلد شرير وضعيف، أهم صادراته هو العنف وإراقة الدماء والفوضى. وكما قال الرئيس ترمب، فإن أكبر ضحايا القادة الإيرانيين الشعب الإيراني نفسه”. ودانت الولايات المتحدة اعتقال الحكومة الإيرانية للمتظاهرين السلميين ودعت جميع البلدان إلى دعم الشعب الإيراني علنا ومطالبه بالحقوق الأساسية وإنهاء الفساد”، بحسب نص البيان.

تجاهل بالداخل:
وتجاهلت بعض وسائل الإعلام الإيرانية، المظاهرات الحاشدة التي خرجت في عدة مدن خلال اليومين الماضيين؛ احتجاجا على حكم الملالي، فيما سلّطت أخرى عليها ضوءًا خافتًا ونقلت عن مسؤولين تحذيرات من “الفوضى”.

وكان أكثر ما سلطت الضوء عليه تلك الوسائل كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الداعية إلى اليقظة إضافة لعدد من تحذيرات قادة مليشيا الحرس الثوري الإيراني والجيش للمتظاهرين.

وأخفت الكثير من الصحف الإيرانية صور المتظاهرين من صفحاتها الرئيسية، واستبدلتها بصور لروحاني وقادة الحكم أو صدّرت صورا لأخبار من خارج إيران.
وبدوره التزم الإعلام القطري الصمت حيال خروج الإيرانيين ليفضح ولاء نظام الحمدين لملالي طهران.

للصحافة الفرنسية راي :
فيما راي محللون ومراقبون فرنسيون أن تلك المظاهرات ستلقي بظلالها على تغيير استراتيجية إيران تجاه الشرق الأوسط، بوقف تمويل الإرهاب والالتفات إلى الداخل. وسلطت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية الضوء على المظاهرات التي اندلعت في الشوارع الإيرانية، ضد نظام الملالي، مشيرة إلى أنه في ظل ارتفاع الأسعار والبطالة، انتفض الشعب الإيراني مطالباً بحقوقه، من نظام روحاني.ولفتت الصحيفة إلى أن الشعب الإيراني يعاني من البطالة، بنسبة 12% وزيادة معدلات التضخم، وفقا للأرقام الرسمية.

إلى ذلك، أشار مركز “فولتير” الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية، إلى أن تلك المظاهرات الحاشدة بمدينة مشهد، في إقليم خراسان، على الحدود الأفغانية، تنذر بتغيرات واسعة، للنظام الإيراني، إما بتغيير استراتيجيته في المنطقة بتوفير الأموال للمواطنين، أو بمزيد من التمادي في تمويل الجماعات الإرهابية.

ولفت المركز الفرنسي إلى أن أكثر المناطق اشتعالاً بيرجند، وكاشمر، ونيسابور. وندد المتظاهرون، بالتوغل الإيراني في المنطقة على حساب الشعب هاتفين: “لا للوجود الإيراني في غزة، ولا لبنان، نحن الإيرانيين من ضحينا من أجل إيران”.

وأكد المركز أن حقيقة المظاهرات، تخالف ما يشير إليه الإعلام الغربي، حيث إن هذه الأحداث لا علاقة لها بـ”الثورة الخضراء” التي وقعت أحداثها عام 2009، ضد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، إنما اندلعت تلك المظاهرات تحديداً ضد حسن روحاني، الذي وعد شعبه برفع العقوبات بمجرد التوقيع على اتفاق 5 + 1، ومع ذلك فقد تم توقيع الاتفاق ولم ينعم الشعب الإيراني، بل بالعكس، عانى مزيدا من القمع، وزادت الطبقات الثرية ثراءً، وعاش الغالبية العظمى من الشعب في الفقر المدقع. وتابع المركز الفرنسي في تحليله، أنه دليل على ذلك، صب المتضاهرون جانبا من غضبهم على مرشد إيران على خامنئي، لإعادة انتخاب الرئيس الذي كرس جهوده لتمويل حزب الله والنظام السوري على حساب شعبه.

وندد المركز بحملة الاعتقالات الواسعة، التي شنتها قوات الأمن الإيرانية، مشيراً إلى أنه على الرغم من ذلك، فإن أعداد المتظاهرين في تزايد.

الحرب على داعش :
الحرب التي شنتها دول العالم لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، استغلتها إيران للتسلل تدريجياً لبسط نفوذها في سوريا والعراق، بحجة دحر التنظيم الإرهابي، وظلت تنفق الملايين لتقود حرباً بالوكالة لإثارة القلاقل في المنطقة، بتمويل الجماعات الإرهابية، في تلك البلدان، تاركة شعبها يعاني من الفقر والبطالة.

وتحت هذا العنوان أشارت صحيفة “لوموند” إلى توسع الدور الإيراني، لاسيما العسكري، في منطقة الشرق الأوسط، على حساب أمن وسلامة شعبها. وأوضحت أن أداة إيران، لزرع نفوذها في الشرق الأوسط، كان الحرس الثوري الإيراني، ومليشياته، وأبرزهم رموزه زعيم فيلق القدس قاسم سليماني، عراب زعزعة الاستقرار في المنطقة. وقد جاءت سيطرة المليشيات الطائفية على مدينة “البوكمال”، من قبضة “داعش” لتتوج انتهاكات إيران في المنطقة، وتحول سوريا عراقاً آخر، حيث أن هذه المدينة تحديداً لها مكانة استراتيجية، إذ تربط بين حدود 3 عواصم عربية، بغداد، ودمشق، وبيروت.

وفي تقرير آخر، أشارت الصحيفة إلى أنه من جراء النفوذ الإيراني بالعراق، يعاني النظام العراقي من صعوبة دمج المليشيات الشيعية بالقوات النظامية، بعد 3 سنوات من دعوة علي السيستاني، المرجعية الشيعية في العراق لإطلاق مليشيا الحشد الشعبي، وتحريض جميع مواطنيه على حمل السلاح ضد “داعش”. وأوضحت أنه في الوقت الراهن تزايدت الدعوات لتفكيك تلك المليشيات المسلحة حتى لا تنقلب على النظام الحاكم لصالح إيران، نظراً لأن ولاءها الأول والأخير لطهران.

وتجد السلطات العراقية صعوبة في إدماج تلك القوات مع القوات النظامية الوطنية، حيث أن بعض المليشيات التابعة الحشد الشعبي، تأسست في الأصل لمحاربة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، خلال الحرب الإيرانية- العراقية (1980-1988)، ومن أبرزها مليشيا “بدر”، لذا بات من الصعوبة بمكان إقناع تلك المليشيا، التي تأسست لمحاربة الجيش العراقي، أن تندمج في صفوفه.

أكد الدكتور سلطان النعيمي خبير الشؤون الإيرانية، أن المظاهرات التي انطلقت في مدن إيرانية منذ الخميس إلى الآن بسبب غلاء المعيشة، والبطالة، حيث إن 42% من خريجي الجامعات الإيرانية في بطالة، بالإضافة للعديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف النعيمي أن نهج النظام الإيراني وتدخلاته في المنطقة، والبرنامج الصاروخي، والالتفاف على البرنامج النووي حال دون الاستفادة من رفع العقوبات، وذلك بشهادة المرشد الإيراني، عندما قال إن: “جميع الاتفاقيات التي وقعتها حكومة روحاني مع الشركات الأخرى ما هي إلا حبر على ورق”.

وأوضح النعيمي أنه إذا استمرت المظاهرات بشكل عفوي من جانب الشعب، فلا بد من وجود تيار وقوى سياسية تطالب بتحويلها لمطالب سياسية، مشيرا إلى أن نظام الملالي يرى منذ عام 1979 أن القوى الخارجية تسعى لإسقاطه، وظهر ذلك أيضًا في عام 2009، عندما اعتبر المظاهرات ضد أحمدي نجاد مسيسة من الخارج، وواجهها بقوة كبيرة. وقال إن “تصريحات نظام الملالي عن المظاهرات بأنها مسيسة أيضًا، وأعداء الثورة هم من يقودون المظاهرات، لكي يأخذ النظام شرعية وتبريرا من أجل مواجهتها”.

وأضاف أن تلك المظاهرات تعطي رسالة، بأن إيران تواجه العديد من المشاكل نتيجة سلوك النظام سواء في الداخل أو الخارج، وأن من يسير خلف النظام ما هم إلا أدوات لتحقيق أهدافه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *