متابعات

تربويون ومستشارون لـ (البلاد): نتائج مستقبلية وخيمة للعقوق..والتسلط والقمع من الآباء معاول هدم

جدة- حماد العبدلي
حين نقف على ظاهرة ما من الناحية السلوكية في المجتمع يجب ألا نقف موقف المنظِر الذي يقول:” هذا واجب، وهذا حرام، وهذا حلال، وهذا خطأ، وهذا عيب”، بل نحن في حاجة إلى الغوص في حالات المجتمع حتى تتكون لنا صورة قريبة للصورة الشاملة لهذه الظاهرة..وهذا ما فعلناه ونحن نطرق باباً ربما في طرح جديد يخالف ما اعتدنا عليه من عقوق بعض الأبناء لآبائهم وأمهاتهم لنتناول الجانب الآخر وهو مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته”،

ظلم الآباء للأبناء:
بداية تطرق الأستاذ التربوي عبدالله حزام الشريف إلى التفرقة في المعاملة بقوله:”بعض الآباء والأمهات يجدون أن بعض الأبناء أقرب إلى قلوبهم، فيظهرون هذا في معاملتهم، وهو ما يولد حقداً وكرهاً من الولد للأم والأب والإخوة أيضاً، ولا يمكن لنا أن نحجر على الحب الزائد، فقد كان يعقوب عليه السلام يحب ولده يوسف -عليه السلام- أكثر من إخوته؛ وهو ما حدا بهم إلى محاولة قتله والتخلص منه، فرموه في البئر، غير أن يعقوب كان يدرك هذا تماماً، ولم يكن يظهره. وإن كنا لا نستطيع مصادرة القلوب، وأن نجعلها تقسم الحب بالتساوي، فيجب أن يظهر هذا في الأعمال المادية، بالمساواة بين الأبناء في العطية، والابتسامة والقبلات وغيرها قدر الإمكان، وهذا يعني أنه قد يكون في القلب حب زائد لولد دون آخر، بشرط أن يبقى شيئاً قلبياً (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) وبعض الآباء يشددون على أبنائهم في بعض الأمور فيتهمونهم في بعض السلوكيات بالأخطاء التي قد لاتكون مقننة وبالتالي تتأزم العلاقة بين الأبناء والآباء فهذا التضييق والتشدد يجعل الأبناء في حالة تشتت، لأن التشدد من الآباء يلقي بظلاله عليهم.ويؤثر سلباً على التحصيل العلمي إن كانوا في المراحل التعليمية.”
واستدرك الشريف قائلاً:”على الآباء أن يدركوا طبيعة المرحلة التي يعيشها أبناؤهم، وأن يدركوا أيضا أن الأجيال مختلفة، وأن التأثيرات في البيئة المحيطة تحدث نوعاً من التغيير. النمطي.”

فجوة كبيرة
ويوضح أحمد السعدي المستشار الأسري بقوله:” من صور التسلط والقسوة وغيرها أيضاً إظهار الآباء أنهم يملكون الحق الأوحد، وأن الأبناء دائماً على خطأ، فيشعر الأبناء أن آباءهم وأمهاتهم لا يملكون القدرة على خطابهم، وأنهم يسيئون إليهم دائماً؛ وهو ما يحدث فجوة كبيرة بين الآباء والأمهات”.
وبين السعدي أن احترام آراء الأبناء وسماعهم والتحاور معهم وإقناعهم هو السبيل للتربية الصالحة، أما أن يكون الآباء والأمهات لا يخطئون، فهذا هو الخطأ بعينه، ولا يظن الآباء أنهم باعترافهم أنهم كانوا خاطئين في موقف ما أن صورتهم تهتز أمام أولادهم، فإنها إن اهتزت لأول وهلة، ولكنها سرعان ما تعود لتثبت كالجبال الرواسي، كما أنه يولد في الأبناء الاعتراف بالخطأ، وما يتبع هذا من فوائد في حياة الأبناء.
ومن الناس من يستثمر في الأموال، ولكن هناك من العقلاء من يستثمر في أولاده، وكم تفوق أبناء الفقراء، بحسن رعايتهم واهتمامهم، فالتفوق وحسن التربية لا علاقة لها بفقر أو غنى، ولكن لها علاقة بالتربية والبذل.
أخيرا العقوق والتسلط والقسوة من أمراض المجتمع، والتي يجب الانتباه لها، وأن توظف لها الطاقات المتنوعة، من دور العلماء في الدعوة وخطب الجمعة ودروس العلم، ومن الإذاعة والتلفزيون، ولعله قد يكون نافعاً في ذلك.”

أسلوب القمع:
وأضاف أحمد سعد الغامدي:” من السلوكيات التي توجب غضب الأبناء وكرههم لآبائهم الضرب المبرح والتعذيب دون أي ذنب، أو أن يفرضوا على الأبناء عقوبات مثل حرمانهم من الطعام أو تشريدهم أو طردهم من المنزل أو دعوة الأبناء لطرق الشر والرذيلة التي لا ترضي الله عز وجل. ومن مظاهر تسلط الآباء على أبنائهم الاستبداد وفرض الرأي على الأبناء، كإلزام فتاة بالزواج من شاب لا يخاف الله مجرد أن لديه مال وفير ومنفعة، أو أن يفرض الأب على ابنه دخول تخصص معين في الجامعة أو إلزامه بعمل معين أو مهنة معينة لا يرغب فيها، وقد ينطوي هذا النوع من التسلط على جوانب نفسية كأن يكره الأب ابنه لأنّه يشبه خاله أو عمه، أو تكره الأم ابنتها لأنّها تشبه عمتها، فهنالك العديد من الآباء والأمهات يمارسون أساليب تفرض سياسات معينة على أبنائهم ويرون أنها هي الأصلح ويفرض عليهم حب ما يحبه هو وبالتالي يسلب حقاً من حقوهم في التعبير وحرية الرأي وهذا الأسلوب قد يلحق الضرر بالأبناء.”
وقال الأستاذ التربوي أحمد ذاكر:” لم ينتبه الكثير لظاهرة أخطاء الآباء في حق أبنائهم على الرغم من أنها ظاهرة قديمة ، غير أنها تأخذ صوراً وأشكالاً شتى .. بينما يصرخ العديد من الأبناء شاكين منددين بتسلط وقسوة آبائهم عليهم فكما أن للوالد حقاً على ولده، فإن للولد حقاً على والده، ولو أن كليهما عرف حق صاحبه وأدّاه لازداد خيرهما وذهب عنهما ما يسوؤهما، وعمتهما رحمة الله في الدنيا والآخرة، وهذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف.
فسلوك الآباء وتسلطهم وقسوتهم على أبنائهم ظاهرة يتجاهلها كثير من الآباء رغم أنها خطيرة جداً .. فنجد أن بعضهم يكذب أمام ابنه الصغير وهو لا يبالي ، والبعض الآخر لا يهتم بابنه إلا في المأكل والمشرب ، ولا يسأل ابنه عن أصدقائه ، والبعض الآخر يتشاجر مع زوجته أمامهم، ومنهم من يسمي ابنه اسماً غير لائق يعايره به قرناؤه في الشارع .. وهذا كله عقوق للأبناء وقد يؤثر على الابن في مرحلة حياته خاصة اذا كان لايزال صغيرا في سن تكوين شخصية يفترض أن يمنح حرية التحاور معه بعقلانية والأخذ والعطاء في عدة جوانب وبالتالي تنمو ثقافة التفاهم السليم داخل الأسرة الصغيرة.”

التحولات الحياتية تغيرت
وقال في ذات السياق محمد الشمراني اخصائي اجتماعي:” لعل ديناميكية الحياة والتطورات المتلاحقة فاقمت المشكلة مثلا خروج المرأة للعمل أدى إلى تغير في توزيع الأدوار بين أفراد الأسرة فبعد أن كان الأب مسئولاً عن الإنفاق في الدور الأول والأم مسئولة عن التربية، أصبح دور التربية تقوم به مؤسسات وحضانات؛ فبالتالي فقد الابن لغة الحوار مع أهله..ورغم تلك الدوافع التي جعلت الأسرة تفقد جزءا كبيرا من وظيفتها، وهي التربية، مما نتج عنه تسلط وقسوة بعض الآباء للأبناء، فتبقى المشكلة كما هي، فهل يعي الآباء الخطر الذي يحيط بهم، أم يستسلموا لدوامة الحياة، وعواصف العولمة التي تجتاح مجتمعاتنا؟!، عليهم أن يختاروا.. إما المقاومة أو الاستسلام.. وبداية التصحيح ألا يبحث الناس عن حقوقهم قبل أداء واجباتهم ، فحين يقصر الإنسان في واجبه ، فليس من الحكمة أن يسأل عن حقه ، بل إننا نطالب الآباء أن يتعاملوا مع أبنائهم لا من باب الحقوق والواجبات ولكن معاملة الفضل ، التي وضعها الله تعالى في نفوسهم تجاه أبنائهم ، حتى تتم الصورة التي وضعها الله تعالى لهم في الإسلام ، فإن تكريم الله تعالى للآباء والأمهات ليس لذات الإنجاب ، ولكن لما يقومون به من تربية ، فإن تخلى الآباء عن التربية ، فقد أسقطوا حقهم عند الله فيما وهبهم من فضل ، وإن وجب على الأبناء برهم ..
وفى النهاية .. إن ظاهرة تسلط وقسوة الآباء للأبناء ظاهرة تحتاج لوقفات تلو وقفات لنعالجها .. ليتكلم علماؤنا .. وليخطب خطباؤنا .. وليكتب كتابنا .. وليتحرك كل حسب جهده لنغيير هذه المعتقدات حتى لاتؤثر مثل هذه الانماط على مسيرة ابنائنا وبناتنا في حياتهم.”

السخرية في النداء.
ويشير في هذا الجانب ابراهيم الشيخي قائلاً :”:بعض الآباء يسمي ولده اسماً طيباً ولكن لا يناديه به بل قد ينادي بعض الآباء أولادهم بما يؤلمهم نفسياً عند الخطأ أو التقصير كقوله : ” يا فاشل ” أو ” يا خائبة ” فهذه النداءات تضعف همتهم بل علينا تشجيعهم وتعزيزهم ومدحهم والثناء عليهم خاصة أمام أصحابهم ومن يقاربهم سناً من أقاربهم بل إثابتهم عند عمل سلوك حسن فإن ذلك يؤثر في نفوسهم إيجاباً ويدخل فيها الفرحة والسعي للمزيد من الأعمال الجيدة.”
واستطرد الشيخي:” قد نجد تسلطاً فكرياً من قبل الأب لأبنه وقد يوجد هذا الأمر عند طبقة من الآباء المثقفين فمثلاً يكون الأب طبيباً فيريد أن يكون ابنه طبيباً مثله فيجبر ابنه على خطوط محددة فليس الأمر كذلك بل عليه احترام قدراته حتى ولو كانت بسيطة فقد يكون الولد غير متفوق في طريقه التعليمي ولكنه ماهر في هواية ما لذلك لابد من ملاحظة مواهبه وتنميتها فقد نجد من خلالها نجاحا غير متوقع.
ومعاملة الأب السيئة لزوجته تعود على الأولاد بعواقب وخيمة كما نجد من أب ساخر من زوجته دائماً أمام الأولاد فمن الطبيعي أن تفقد الأم هيبتها أمام أولادها فلا يستمعون لحديثها ولا حتى نصيحة من قبلها فلابد على الزوج احترام زوجته وتقديرها أمام أولاده ليرى من ذلك ثمرة لطاعاتها” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *