كان شيخنا ومعلمنا الأستاذ عدنان السرميني رحمه الله يردد علينا بيتاً من الشعر حفظته عنه فأعانني في حياتي على تقدير الرجال والتعامل معهم. هذا البيت يقول:
ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ
أخذت أطبق هذا البيت في كل شؤون حياتي ولَم يخذلني مرة واحدة. فبمجرد أن أرى شخصاً مغروراً أو مزهواً بنفسه، أدرك على الفور أنه يخفي خلف هذا الستار نقصاً لا بد أن ينكشف يوماً ما.
في وقت مضى، كان يرأسني في العمل شخص متجهم متشدد، يجلس على رأس الطاولة منتشياً ويستعمل عصا السلطة ليعطي جميع القرارات والتعليمات ويصدر الإنذارات والتهديدات. واستمر الحال كذلك إلى أن أتت حالة طارئة تستلزم العقل والمنطق لا السلطة، لم يعد يعطي قرارات، فليس عنده ما يعطيه. أصبح يتشنج ويطالبنا بالحلول ويقول إنها مسؤوليتنا فتبسمتُ وتذكرت ذلك البيت.
شخص آخر، كتبت اسمه يوما ما -عفواً ودون قصد- كتبت الإسم مجرداً دون إضافة درجته العلمية. أرسل لي توبيخاً على تلك الفعلة الشنعاء التي لا تغتفر متسائلاً كيف تجرؤ على ذلك. إن ذلك يعتبر تنقيصاً واعتداءً لا أقبله البتة وأوقف التعامل معي. عندها تذكرت ذات بيت الشعر وعذرته، فهو دونها لاشيء.
سألت مرة أستاذاً من مدرسي عن مسألة تخصني فأحمرّ وجهه وقال لي كلاماً جعل الدنيا تسود في وجهي. بعدها بفترة زار مدرستنا الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله فطلبت منه الحديث على انفراد وهو يستعد للانصراف فرحب بي مبتسماً وإستمع إليّ بكل تواضع وذكرت له ذات المسألة التي سألت عنها سابقاً. تبسم الشيخ عندها ضاحكاً وقال لاتثريب عليك. ووجهني ببعض النصائح وإنتهى الأمر ببساطة ومضيت وأنا في غاية السرور أردد:

ملأى السنابل تنحني بتواضع
والفارغات رؤوسهن شوامخ

تظل الشهادة ورقة لا تعني شيئاً وإنجازك هو ما يحدد رتبتك وقيمتك عند الناس (( فأما الزبد فيذهب جفاءاً)).

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *