م.محمد بن عبدالله النمر
يعتبر صيد البحر من أفضل الوجبات التي أعتمد عليها سكان مدينة جدة قديماً و قد ذكرها المولى عز وجل في كتابه الكريم ووصفه بالمتاع , ولذلك كانت البنقلة من أهم الأسواق قديما في مدينة جدة لما فيه اعتماد الأهالي على الثروة السمكية والخير القادم من البحر . و قد اشتهر أهل جدة بعدد من المأكولات البجرية حتى اصبحت من الوجبات التقليدية المتوارثة من الآباء و الأجداد , فتجد بعض الأصناف مثل السيجان و الناجل بالأضافه الى الرز الصياديه من أشهر الأطباق التي اكتسبت شهرة واسعة في جميع أرجاء الوطن العربي.
كان الاهالي في السابق يطلقون اسم بنقلة على سوق السمك رغم عدم وقوعها على البحر مباشرة , مع العلم ان كلمة بنقلة تعني المبنى المصنوع من جذوع النخل على شاطئ البحر , ولكن سادت هذه الكلمة بين الأهالي في السابق واصبحت معروفة لسوق السمك في مجتمعنا الجداوي. وقد تنقلت البنقلة في جدة القديمة وتغيرت مواقعها عدة مرات سواء داخل السور أم خارجه مطله على البحر , ومن اقدم مواقع البنقلة قديما هوا موقع عمارة البوقري الحالي في سوق الخاسكيه , وكانت مساحتها حوالي أربعين مترا وتأخذ واجهه شماليه غربية وكان يقع بجانبها دكان التاجر السوري احمد بابا الذي كان يستورد المكسرات والفواكه المجففة والحلويات الرمضانية والمخللات وغيرها. ثم انتقلت بعد ذلك بالقرب من سوق النورية في موقع شارع الذهب حاليا ثم تنقلت بعد ذلك في عدة اماكن الى أن استقرت في موقعها الحالي منذ فترة طويلة جداً , وقد تطرقت الى البنقله بتفاصيل و صور أدق في كتابي حارة البحر- موطن الآباء و الأجداد.
أما بالنسبة لأشهر أنواع الأسماك التي تُصطاد وتباع في البنقلة: الهامور , الناجل , الشعور , البهار , الحريد , السيجان , قاص , عربي , حريد , ماشي و غيرها الكثير. و حيث أن مدينة جدة اعتمدت في السابق أعتماد كلي على البحر وما يأتي منه من خير فكانت مهنة الصيد من اهم المهن في مدينة جدة و شاقه جدا لما فيها من مواجهة البحر و أهواله ,فهذه المهنة تحتاج الى الصبر وطولة البال وتحمل أجواء البحر المتقلبه. وكان اغلب الصيادين هم ملاك القوارب الشراعيه الصغيرة اللتي تصغر السنبوك في الحجم , وللصيادين قديما عدة طرق للصيد مثل:
1- الصيد بالصخاوي : وهي اقفاص حديدية (مصيده) توضع في باطن البحر وفي داخله لعف الأسماك.
2- الصيد بالشوار: عباره عن شبك تختلف أحجامه كان يوضع في البحر لوقت معين ثم يتم أستخراجه بعد ان تم اصطياد الاسماك.
3- الصيد بالجلب: وهوا أشبه بالصناره في وقتنا الحالي , عباره عن خيط صيد به مشك يعلق عليه الطعم للإمساك بالسمك.
حالياُ, انتشرت العديد من الأسواق والمطاعم اللتي تبيع المأكولات البحريه و تعتبر البنقله المصدر المورد لهم جميعاً. ففي السابق كان يتوجب على من يريد الشراء التوجه الى البنقله مباشرةً , فكانت البنقله قريبة من أحياء جدة القديمة. أما الان وبعد التوسع العمراني للمدينة أصبحت البنقله صعبة الوصول وخصوصاً لأحياء جدة الشماليه , فتجد البعض يعتمد على الاقتناء من المتاجر القريبة منهم. وفي نظري أن أفضل وجبات السمك هوا السمك الطازج اليومي , أما المثلج فمن الصعب اكتشاف عدم صلاحيته للبعض. ومما هوا معروف في اوساط المجتمع الجداوي قديماً اكلة المعدوس بالسمك مع سلطة الحمر وخصوصاً في الأيام اللتي ينزل بها المطر , فيقوم بعض الأهالي بتجميع ماء المطر واستعماله في طبخ المعدوس وتقديمه مع السمك المقلي. اما حالياً اخذ بعض الأهالي بتناول وجبه السمك المقلي مع رز الصياديه او الرز الأبيض شبه اسبوعي في كل يوم جمعه. و في جدة تعتبر وجبة السمك أحدى الوجبات الرئيسية اللتي يمكن أن تقدم للضيوف , وذلك بسبب العلاقة الوطيدة اللتي نشأت قديماً بين أبناء جدة وخير البحر. وعن طريقة طهو السمك , فيعرف ثلاث أنواع لطهيه: اما مقلي , مشوي أو فُرني (يطبخ في الفرن) يضاف اليه بعض الخضروات مثل الثوم والطماطم والبهارات لتعطيه طعماً لايقاوم.
ونتيجةً لأقبال الناس على المأكولات البحرية في جدة بشكل هائل , أنتشرت المطاعم في جميع أرجاء المدينة بشكل ملحوظ , وتعتبر قهاوي السمك الشمالية الواقعة على طريق المدينة بين مدينة جدة و ذهبان من أهم الاستراحات اللتي تقدم المأكولات البحرية بطريقة ممتازه و شهيه. فتجدها ممتلئةً بالعوائل و الأصدقاء على مدار ايام الأسبوع ولا تكاد أن تخلو قهوة من الازدحام رغم ارتفاع اسعار البعض منهم. وجميع مصادر هذه الأسماك هوا البنقله ايضاً في جنوب مدينة جدة. و الجدير ذكره أن هناك حراج يومي على السمك في اوقات مبكره جداً على ماتم اصطياده ليلاً , فتجد صيادي الأسماك يسهرون طوال الليل في عرض البحر لصيد السمك وبمجرد الاقتراب من وقت الفجر يعاودوا ادراجهم الى المدينة كي يتمكنوا من بيع ما اصطادوه. وفي حالة تأخرهم في العودة قبيل أنتهاء وقت الحراج , يتم بيع الصيد وفقاً لأسعار السوق.