رؤية – ماجد الغامدي
لو أراد في معنى بليغ آخر أن يقول( أهديت صرح الأماني)بتجسيد لِعِظم وكِبَر الأماني وكثرتها ولكنه لا يريد أن يحرمها صفة الحياة فقال(جِيـد)!(عِقد من هم !) مع ما يحمله العقد من قيمة (فلا يُهدى إلاّ الثمين ) إلاّ أنه يبقى قطعةً من جماد فالشاعر يقول أن الحياةَ لا زالت تسري بجسد الأمنيات وأن شبحَ الهم رفاة حتى وإن أثقلتني.كلمة العقد ببريق حبّاته وإشعاع درره ربما تناسب الأماني أكثر بتحليقها وخيالاتها ولكنه اختار أن يؤكد على إبقاء الحياة وما تنبض به الأماني فقال جيد الأماني ولم يقل:أهديت عِقد الأماني جيد من هَم! فمال بإبداعه إلى تبديل الأدوار ليحافظ على حيوية الصورة مثلما قال المبدع الكبير فهد عافت (رفرف الغصن وأورق عندليبه !)الأماني..قد لا تكون أماني الشاعر فحسب بل أقرأ فيها أنها تتلاقى مع أمنيات أخرى ربما لغائب أو لحبيب يعلم الشاعر تعالق أمانيه معه ، لأن بإمكان الشاعر لو أراد اقتصارها على نفسه أن يقول أهديت جيد أمنياتي..ولكنه حتى في خضم شكواه أراد أن يشير إلى أن مثلما لم تكن الأماني أمنياته فقط فإن الشكوى كذلك هي شكوى روحين تلاقت أمانيهما .
*وقصيدة تهدم الشاعر وتبنيه !القصيدة هي روح الشاعر ومكمن الإحساس مثلما يقول أبو القاسم الشابّي رحمه الله :
أنتَ يا شعرُ فَلذةٌ من فؤادي
تتغنّى وقطعةٌ من وجودي !
وشاعرُنا هنا (يُهدي) الحياة المعنويّة المتمثلة في القصيدة التي تحملُ حرارةَ أنفاس المُتعب وزفرةَ المُنهك : الحيِّ بالآمال والميّت بجراح الزمن .
ولا جيت اعاقب غرور الجرح بالـذم/
من يلمس الجمر.. ما يجهل مباديـه !
ينتقل الشاعر من ضِرامِ الماضي إلى جذوة الحاضر لِيُحاسب نفسَهُ وينبش رُكامَ الأمنيات التي بَنَت القصيدةُ (كما قال) على أنقاضها أملاً وليدا واصطدم بجدار من صوّان الألم فيرى الغرور في جرحِه الغائر الذي لا زال (يستعر) وينزفُ حِمماً !
يامحمد اللي بـ/ صدر الحرف ملتـم
اقسى من اللي بوجه النـاس مبديـه
(وكأنهُ لم يعد يحتمل القبض على الجمر) إلى صديقه الذي حتى وإن أطلعهُ على نزرٍ من همِّه فهو قطرةٌ من بحرٍ متلاطم ! كما يقول البردوني رحمه الله :
بي من جِراحِ النفسِ ما أدري
وبي أضعافُ ما أدري وما أتوهّمُ !
القصـيدة مليئةٌ بمـنابع ضـوء الإبداع وتتناثرُ فيها كهوف الألم (يا كثر ما ماتت بعيني مشاريه !) ، (شفني تشربت موتي .. من معانيـه) وقد حبس همُّها أنفاسي أنا أيضاً وتجاوز شاعرها (ولايحبس الشعر غير انفاس راعيه !).