متابعات

قطر..نهج جدلي ونهاية مأساوية

د. زهير الحارثي

المتأمل في السياسة القطرية، يلحظ أنها غير قادرة على رؤية الاشياء وتحليلها ضمن المنطق والمعقول والممكن، ما يعني عدم توازنها لو ارتهنا الى المنهج العقلاني، حيث يتضح من الرسم البياني لهكذا سياسة، عدم الاخذ في الاعتبار الظروف والمعايير والمرجعية والمبادئ، وكأنها تكرس نهجا ديالكتيكيا (جدليا) يقوم على فكرة وفكرة مضادة لها.
التفرد بالرأي والمكابرة والاساءة إلى الآخرين، هو نوع من الأخطاء التي لا يمكن قبولها أو السكوت عنها، فالعقلانية في السياسة هي الحل، أما سياسة التمرد لأجل التمرد، فهذا قد ينجح لحظيا، أما على المدى الطويل فالنتيجة هي الصراع ومن ثم الانفصال أو الانهيار، وتلك نهاية مأساوية، لكنها طبيعية إذا حكمنا العقل. القرار السياسي تتضح فعاليته في أهدافه ومغزاه وتوقيته، وعندما تختلف هذه المعادلة أو يسقط أحد عناصرها، فإن الفشل هو مآلها. وقد جسدت السياسة القطرية هذه المعادلة في مراحل معينة.
من الواضح أن صدور قرارات جماعية لعدة دول بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر يعني ان هناك خللا واضحا في سياسة هذه الدولة وإلا لما اتفقت عدة دول على اتخاذ قرار ضخم بهذا المستوى وما له من تداعيات.
هذا القرار وبدون أدنى شك جاء لتبعات السياسة القطرية فهو نتيجة تراكمات كبيرة وليس ردة فعل آنية. ظلت سياسة التمرد وتضخم الانا والتغريد خارج السرب والمضي عكس التيار من أساليب السياسة القطرية التي أضرت كثيرا بمسار المنظومة الخليجية. الأدهى من ذلك أنها شكلت تهديدا للأمن الجماعي الخليجي بشهادة البيانات الصادرة عن السعودية والإمارات والبحرين. لم يعد سرا في ان الكيل قد طفح وإشكالية الدوحة أنها ترغب في لعب دور إقليمي أكبر من قدراتها الفعلية وحجمها الطبيعي وذلك عبر المساس بأمن واستقرار شقيقاتها دول الخليج. الدوحة ضربت بعرض الحائط كل الوشائج والروابط التاريخية والمصير الواحد الخليجي ونسفت كل الاتفاقات والآليات والسياسات التي تمت في إطار جماعي خليجي. لاحظ تعاطيها مع بيانات قمم الرياض حيث تهمس في قاعات الاجتماعات شيئا وتمارس في الخارج شيئا آخر.
السعودية وشقيقاتها خلافهم مع سياسة قطر الخارجية لا شعبها بل وأكدت الرياض في بيانها وقوفها ودعمها للشعب القطري الذي هو منا وامتداد لنا. قرار قطع العلاقات وغلق المنافذ الحدودية الهدف منه أن تستشعر الدوحة حجم وفداحة ما فعلته ولا زالت ترتكبه من أعمال يندى لها الجبين ومنافية لحسن الجوار وتتعارض مع مبادئ القانون الدولي.
قطر اليوم تدفع الثمن وهو مكلف بطبيعة الحال وهي تتحمل المسؤولية كاملة وقد اعتادت على بعثرة الأوراق وخلط المعادلات السياسية. قطر راهنت على مشاريع أثبتت فشلها وجازفت في قضايا اتضح لاحقا تسرع قراراتها.
يكفي ان تتأمل اسلوب قناة الجزيرة وتركيزها في فترات محددة على دول وقضايا وملفات معينة لتشعر بغرابة الطرح والمعالجة، بينما الشؤون القطرية غائبة تماما. أليس في قطر ما يستحق الاهتمام؟! جعلت من القناة الشهيرة أداة تحريض وتضليل وترويج للجماعات الإرهابية وإساءة لدول شقيقة. تُرى من هو الطرف الخفي، الذي بات يسيطر على قناة الجزيرة ويوجهها وفق رغبته وتوجهاته الايديولوجية، ضمن شبكة علاقات ومصالح متعددة. تساؤلات مشروعة، تقودنا بالتأكيد إلى استقراء الواقع واستخدام القراءة العقلية في سياسة هذه الدولة، من أجل فهم مغزى العلاقة والهدف الذي تصبو إليه.
الخليجيون ومنذ سنوات استنفدوا كل الطرق من أجل إعادة قطر لجادة الصواب ودفعت الدوحة على الجميع بأن تصل علاقاتهم بها إلى مرحلة “اللا عودة”. يبدو أن الكرة الآن في الملعب القطري لكن ما نشعر به أن دول الخليج لن تقبل المصالحة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه ولا بأي حلول لا تحقق الالتزام الدقيق بالشروط التي طرحتها على الدوحة من قبل. لم يعد للمجاملات مكان بقدر ما أن الأمر بات يتعلق بأمن واستقرار دول ومستقبل شعوب وأجيال.
• رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *