شعرت بكثير من السعادة والسرور عندما رأيت عدداً من شباب قريتي كغيرهم من شباب بعض قرى منطقة الباحة يستصلحون أراضي آبائهم وأجدادهم ويعودون مجددا لزراعتها ، والاستفادة منها ، ويعيدون لها وهجها ونضارتها بعد أن هجرت ردحا من الزمن ، لاتجاه الناس للوظائف الحكومية والأعمال الأخرى التي تدر عليهم دخولا أعلى .

ومع هذا التخلي تحولت تلك المزارع الخضراء ذات العطاء إلى أراضٍ مقفرة غبراء تشكو حالها وتندب حظها ,بعد أن تهدمت ( معارقها ) جدرانها, وانجرف كثيرا من تربتها,وانهارت ( وسايفها ), وامتلأت ( ساندتها ) جنباتها بأكوام الرمل والأحجار ,وعاشت فيها أشجار الطلح وعاثت بها الأشواك وكأنها تعلن احتجاجها على هذا الهجران القاسي والترك المؤسف بعد أن كانت مصدرا هاما لمعيشتهم طوال الأزمان ،

عندما كانت تفيض بسنابل الحنطة وأكواز الذرة وقرون ( البلسن والدجر ) الملأى بالخير تتمايل مع النسمات المنعشة تشنف بحفيفها ووشوشتها أسماع المزارعين فتشكل مع صوت السواني قيثارة جذلى تحرك فيهم المشاعر الجميلة فيطربون ويغنون دائما بألحان عذبة، فرادى وجماعات، وهم (( يحرثون ويدمسون ويقصبون ويسوقون ويحرفون ويحمون ويصرمون وينقلون ويديسون ويذرون ))

وهذه الكلمات يعرفها الذي عاشوا تلك المرحلة حينما كانوا يتلذذون ( بالفريكة والشويطة ) كنوع من الوجبات الشهية السريعة في الوادي قبل أن يصل المحصول إلى مرحلة الحصاد .حيث تجد الكثيرين في حقولهم وهم في تمام الصحة وغاية السعادة سواء الرجال أو النساء على حد سواء.

الزراعة كما يعلم الجميع من أهم المتطلبات الأساسية والاحتياجات الحياتية لسكان أي بلد من البلدان ، ومن الواجب الاهتمام بها على النحو الذي يجعلنا لا نعتمد كليا على ما يصلنا من الخارج .

إن عودة أولئك الشباب لزراعة البلاد أمر يستحق الإشادة والثناء ونتمنى لو نرى جميع القرى بتلك الصورة الرائعة التي لا زالت في المخيلة لمدرجات جبلية بديعة من القمم حتى السفوح وأودية جميلة بمناظرها الخلابة وخمائلها الساحرة وجداولها المنسابة وحقولها المغدقة وطلعها النضيد وثمارها اليانعة .

والمعروف أن الدين الحنيف يحث على الزراعة وفِي الحديث الشريف ( إن قامت القيامة وفِي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ) ,وفي ذلك دلالة على تلك الأهمية . وفِي حديث آخر ( ما يغرس مسلم غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو دابة إلا كان له صدقة ) أو كما قال عليه السلام . وهذا أيضا تأكيد على خيرية العمل الزراعي وفائدته للمزارع في الدنيا والآخرة .

وأتصور أن الظروف الحالية مناسبة خاصة مع وجود وسائل الري الحديثة بواسطة التقطير ونحوه وتوفر الأدوات والتي يمكن من خلالها زراعة كافة الأصناف الملائمة لظروف المناخ .. لا سيما وأن التربة في منطقة الباحة تحديدا تعد من أخصب أنواع التربة في العالم – طبقا للدكتور عبد العزيز بن صقر – وهي ثروة بحد ذاتها يحسن استثمارها والاستفادة منها بشكل أفضل .
وللمقال تتمة .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *