الحج .. جدارة في التنظيم وتعامل يأسر القلوب

• سيف المعولي

سيف المعولي
لم أكن أتوقع أن أخرج بعد زيارتي للمملكة العربية السعودية لتغطية مناسك حج 1437 هـ بكم كبير من المعرفة والتواصل وتصحيح الأفكار، فقد ظننت بعد ترشيحي من قبل سعادة عيد الثقفي سفير المملكة في سلطنة عمان بأن الأمر لن يكون سوى تغطية خبرية أو رسائل إعلامية يومية عن ما يحدث في هذا النسك العظيم، لكن ما رأيته ولمسته فاق توقعاتي.
إن الحقيقة الماثلة على أرض المشاعر المقدسة يصعب رسمها للقارئ والمشاهد، وإن حاول البعض ذلك، كما أن القلوب التي أسرتنا بتعاملها الراقي في الميدان أو المركز الإعلامي يستحيل على الحروف أن توفيها حقها، وقد قلت لأحد المذيعين السعوديين عندما سألني في لقاء تليفزيوني عن كيفية الرد على المزاعم التي تتهم المملكة بالتقصير، قلت له بأن الرد عليهم يكون من الواقع فهو الوحيد القادر على إظهار الحقيقة وتجليها بأبهى صورها.
لقد سخر الله لي أن أؤدي حجي الأول في عام 2000 أي قبل 16 عاما، وهي مدة لم تُنسِن بعض المشاهد على صعوبة الحج حينها، لكن الفارق الآن كبير جدا، على مختلف الأصعدة والخدمات ولا يتسع المجال لذكرها، وهي تؤكد جدارة المملكة بهذا الشرف الرباني الذي اختصها الله به باحتضانها أشرف البقاع المقدسة وأطهرها.
وعَودًا على بدء فقد كان الحج هذا العام بالنسبة لي لقاءً روحيا، وكسبا معرفيا من خلال الضيوف الذين اختارتهم وزارة الثقافة والإعلام السعودية من كل بقاع العالم، والذين تشاركنا معهم الأحاديث والحوارات طوال فترة الحج، وهذا الأمر أعده مهمًا ومتطلبا كي يقوم هؤلاء الضيوف من صحفيين وإعلاميين بدورهم بنقل الحقيقة التي تجلت أمامهم لمواطنيهم، فهم سيكونون رُسل سلام ومحبة بفضل ما تشبعوا به من معلومات وأفكار، وما شاهدوه من إنجازات كثيرة خلال وجودهم في المملكة.
ولإن كان الحج فرصةً لجمع هؤلاء النخبة الثقافية والإعلامية في مكان واحد وإتاحة الفرصة لهم للنقاش والحوار وترسيخ وشائج الأخوة فإن استمرار مثل هذه اللقاءات سواء في موسم الحج أو غيره سيُعزز المقاصد، وسيحقق المأمول، وهذا الدور ينبغي أن تتكفل به المؤسسات المختصة في دولنا الإسلامية وبخاصة العربية، مستلهمةً ذلك من تجربة المملكة العربية السعودية الناجحة في هذا الجانب.
إن المملكة – وفق ما رأيناه ولمسناه- سخرت إمكاناتها كافةً لخدمة ضيوف الرحمن، فأفراد الأمن العام يقفون في الشمس ينظمون حركة الحجيج، والمتطوعون يرشون الماء على رؤوسهم لتخفيف الحرارة عنهم، والطاقم الطبي يستقبلون الحالات المرضية منهم ويقدمون الرعاية، والإداريون في متابعة مباشرة ومتواصلة لكل ما يحدث، والمركز الإعلامي في تواصل لمعرفة الملحوظات والنواقص التي نلحظها أو نمر عليها، واستقبال أفكار التطوير بشأنها، ولا شك بأن هناك أدوارا كبيرة أخرى لم أذكرها، فكل ما ذكرته هو “غيض من فيض”.
لقد كانت الاستفادة الكبرى لي بعد حج بيت الله الحرام هي الجلوس مع الأخوة السعوديين، والنقاش حول العلاقات بيننا كشعبين متجاورين، التي هي أصدق ما يُقال عنها بأنها “متينة” رغم ما يُثار أحيانا على وسائل التواصل الاجتماعي من “مهاترات” ترمي إلى الفتنة، وهو الأمر الذي أكده كلُ من جلست معه. وهذه العلاقة دائما ما تُصدِم المرجفين الذين يحاولون زعزعة “الوشائج القوية” بيننا فتتحول من محنة إلى منحة، والشواهد على ذلك كثيرة.
ولا شك أن من سنة الحياة الاختلاف، وهو لا يفسد للود قضية خصوصا مع الذين يؤمنون به، لذلك رأيت من الأغلب “تفهما” لما يُسمى”خلافٌ” بين مواقف الدولتين الشقيقتين في بعض القضايا، والحقيقة التي يجب أن تُقال هي سعي قيادتي البلدين متمثلة في الملك سلمان والسلطان قابوس -حفظهما الله- إلى نبذ الفرقة والتعصب في الرأي، وهو أمر أتمنى من مثقفي البلدين استلهامه والعمل به تصديًا لكل ما يُراد به تقويض المحبة بين الدولتين أو حتى مع الدول الخليجية والعربية والإسلامية الأخرى.
إنني أودع المملكة وأعود للسلطنة وقد كسبت أصدقاء سعوديين كُثُر، عاهدنا بعضنا على مزيد من التواصل أقلها على الوسائل الاجتماعية، كما تيقنت بأن ما يربط بين العمانيين والسعوديين أكبر من مجرد حدود جغرافية فالقلوب بينهم هي دولة واحدة بنبض واحد. فشكرا لكل القلوب السعودية التي حملتنا على راحتها منذ وصولنا إلى رجوعنا، وحفظ الله المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا.
مدير تحرير صحيفة أثير الألكترونية العمانية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *