كان للناقد الجميل مشعل الفوازي رؤية نقدية مطولة عن نص(جمر القصيد)الذي تواصلت به مع صفحة(ملامح صبح)كاتبة الصفحة الشاعرة/عوسج وكنا قد أحتفينا به العدد الماضي في(منصة التتويج) وتم اختصارها إلى ماسبق نشره مع النص ولأهميتها ندعوكم لمشاركتنا قراءة ماجاء فيها حيث كتب الفوازي قائلاً:
لأن الصديق هليل المزيني مرر لي النص بدون اسم كاتبه،وهو توجه صحفي/أدبي–احترافي، احترمه وأؤيده بقوة،لأن التعامل مع النص–أي نص أدبي –وفق سياسة موت المؤلف،يمنح القارئ مساحات شاسعة من الحرية والتحليق بعيدا عن أي مؤثر خارجي..لذلك كان مفتاح النص بالنسبة لي هو البيت الأخير(هذي نهاية قصتي عمري قضى بين الكتب-اكتب رواية اسمها طفلة بريئة مهملة) ليكون طرف الخيط:النص لشاعرة! وإن كان جنس المبدع لايهم نظريا،لكن لي رؤية حول هذه الجزئية سأرجئها لنهاية هذه الكتابة.
عموما:يبتدئ النص بفعل أمر هو(هات) ومن الواضح أن المخاطب هوالآخر في الذات الشاعرة ومن بعد(هات) تأتي الكثير من المتواليات الحقيقية والمجازية،التي تشكل التفاصيل الصغيرة/الكبيرة والمكاشفات الموجعة مع الآخر في الداخل،ومثيله في الخارج، وهي متواليات صيغت بجمل شعرية متفرقة متدفقة بعذوبة بالغة،وعلى هامش هذا التدفق الجميل أحاول أن التمس بعض جوانب الجمال والملاحظات..فمن الجماليات:شب دمعك:تركيب سريالي مدهش..فالدمع ليس مجرد قطرات ماء– الذي هو في النهاية من يطفئ النار بل أنه في حقيقته نار لاتكتفئ بالاشتعال،لكنها تشعل كل ما حولها. ضرير الدرب:والتعبير هنا في منتهى الجمال، باسقاطاته المعتمدة على لغة الشعر التي هي لغة الإشارة،أو ما يسميه الجرجاني بالمعنى ومعنى المعنى، باعتبار أن(المعنى)هو(المفهوم من ظاهر اللفظ،والذي تصل إليه بغير واسطة) في حين أن(معنى المعنى)هو(أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلي معنى آخر).و(ضرير الدرب)هنا تأتي في هذا السياق الشعري الشفيف الجميل.ومن الملاحظات العابرة على النص :(تعبت أنا–اشتقت أنا) تكرار الضمير في بيت واحد أعتقد أنه كان لمجرد الحفاظ على الوزن.وعلى ذات النسق هناك الكثير من الأبيات ذات الدلالات الجميلة،التي تحتاج إلى إعادة صياغة،ليس لسوئها،ولكن لتواكب جمال النص مثل(الصمت علمني التعب-علم المكحلة-الرحيل لمن رحل)،التغير المفاجئ للمخاطب،فبعد أن كانت الشاعرة تخاطب نفسها،فيما يشبه جرد حسابات الحياة،انتقل الخطاب بدون تهيئة للآخر: عبر:(تدري علامه خاطري ما مل طاريك وعتب) لكن النص إجمالا في منتهى الشاعرية والعذوبة .وعودة لما أشرت إليه في البداية من التفريق بين القصيدة الذكورية والنسائية،أعيد ما نردده دائما من أن الشعر شعر بصرف النظر عن أي شيء آخر،ولكن من باب الإنصاف أن نحفظ للمرأة الشاعرة تميزها وإبداعها،وهي تتحرك في دوائر ضيقة،عن طريق أرباع وأنصاف الفرص،وتلجأ للمجاز الموغل في الرمزية من أجل السلامة وتنافس شقيقها الرجل بقوة،وهو الذي كل الفضاءات والفرص متاحة له وتحت تصرف ملكته الشعرية،فالمرأة الشاعرة مراقبة،ومتهمة، والكثيرون يتبرعون بتفسير قصائدها بما ينسجم مع هذه المراقبة والتوجس،فهي لا تستطيع التعبير عن نفسها كما يفعل أخوها الشاعر..فالشاعر/الرجل الذي يمنحه المجتمع أحقية قول كل ما يريد،ويتسامح معه حتى لو تجاوز الخطوط الحمراء على اعتبار أنه رجل،ويبرر له بأن أعذب الشعر أكذبه،هذه المرونة تتحول لسوط قاس فيما يتعلق بالمرأة الشاعرة التي من العيب أن تتحدث عن مشاعرها ولو كانت هذه المشاعر متخيلة ومن باب التجريب الشعري..الشاعر الذي لا توجد لديه أدنى مشكلة في التنقل بين المناطق لإثراء تجربته،وحضور الأمسيات والمناشط الشعرية،والاحتكاك بزملائه الشعراء.. الشاعر الذي تخضع قصيدته للرقيب الذاتي فقط،بينما يتحكم بقصيدة الشاعرة رقباء لاعد ولا حصر ولا فكاك منهم مما ينعكس على نتاجها الشعري،ولذلك أظن أنه من الخطأ أن ننظر للقصيدتين بذات المعايير النقدية،ونتجاهل كل هذه الفروق التي ستلقي بالضرورة بظلالها على المستوى الإبداعي لما يكتب.هذا حديث عام،ولا علاقة له بهذا النص الجميل القادر على القفز على كل الحواجز الوهمية والحقيقية.
تفاصيل صغيرة / كبيرة ومكاشفات موجعة !
