التحديث والتمسك بما هو أصيل
يقول المهاتما غاندي القيادي البارز والزعيم الروحي للأمة الهندية : ” يجب أن افتح نوافذ بيتي .. لكي تهب عليه رياح جميع الثقافات ..بشرط ألا تقتلعني من جذوري “… حين نقرأ المشهد الحالي للأمم نرى التحول الكبير الذي طرأ على حالة المجتمعات من الناحية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية ، فبعضها انفتح على حضارات الشعوب الأخرى وأخذ منها ونهض من حالة التخلف والجهل وتقدم وبنى دولته الحديثة ، والبعض الآخر اقتلعته رياح التغيير وذهبت به بعيداً إلى بحر من الظلمات فأصبحوا في غيّهم يعمهون .. ولو رجعنا للتاريخ نرى أن أوروبا بدأت في النهوض مع سقوط مدينة القسطنطينية عام 1453م (عاصمة الامبراطورية البيزنطية) على يد الأتراك العثمانيين الذين فتحوها ، فهاجر حينها العديد من علمائها إلى إيطاليا حاملين معهم الكتب الاغريقية والتماثيل والمنحوتات والمخطوطات، وأسسوا فيها للثقافة اللاتينية. أما السبب الأهم في النهضة فيعود أولاً إلى امتزاجها بالحضارة الاسلامية التي تسربت إليها عن طريق الاندلس وصقلية والمغرب والحملات الصليبية ، وثانياً إلى قيام الثورة الفرنسية التي كان من نتائجها إقصاء الدين عن الحياة والتحرر من قيود الكنيسة وإعلان النفير العام ضد كل المفاهيم التي نشرتها ، فظهرت أثناءها الحركات الاصلاحية المناهضة لفساد وأخطاء القساوسة والرهبان ، التي كانت سبباً في تخلفهم لقرون من الزمن ،وصار الأوروبيون في حلّ من كل تعاليم الدين وما يرتبط به من مثل عليا تضبط أخلاق الفرد وتنظمه.. فانتشرت الأفكار الليبرالية للفيلسوف الإنجليزي (جون لوك) التي تنادي بحق الفرد الطبيعي في الحياة والحرية والملكية الخاصة. وصارت الجهود تبذل من قبل الرواد في تنوير المجتمع وإقامة المنهج العقلي واحترام الفكر الإنساني ، ولم يعد هناك عادات وتقاليد تٌقدس وليس هناك امتياز وراثي لأي كان ودخلت اوروبا عهد الحداثة وازدهرت على كافة الصعد وفي شتى الميادين .. ولكن هذه الحضارة اتصفت بأنها مادية تؤمن بفلسفة القوة وبمنطق النفعية كأسلوب حياة فكان من آثار ذلك أن عاش المواطن في الغرب ينتابه القلق ، فقد انقطعت الصلة بينه وبين القيم الخلقية، والآفاق الإيمانية ، فتحولت حياته إلى مادة يدور في فلكها، وإلى أرقام حسابية يلهث من أجل الحصول على أعلى رقم فيها ، فعاش في صراع مع نداءات الفطرة التي تدعوه في كثير من الأحيان للالتزام بالقيم والمثل العليا .ونحن كعرب يمكننا الانفتاح على حضارات الشعوب الأخرى والنهل من معارفها والاستزادة مما كان سبباً في قوتها الاقتصادية ونموها الاجتماعي وتقدمها العلمي ، وهذا يحتم علينا أن نحسن استخدامنا لمخترعاتهم وأن نجيد صيانتها وتفكيك رموزها ، ويتوجب علينا أن نوجه أبناءنا كيف يتعلمون وينجزون ، وأن يشبهون ذاك الانسان الحضاري بمدى التزامه واحترامه لقوانين بلاده وبمدى ما أعطاه للعمل من غاية كبرى ونأى بنفسه عن الثرثرة وتضييع الوقت لدرجة أنك تراه يتردد كثيراً في منحك رقم جواله بسبب انشغاله الدائم وبحجة أنه لا يرغب بأن يكون متاحاً في كل الأوقات (not to be reachable all the time )… ولكن من جهة ثانية ، ومن دواعي فخرنا واعتزازنا أن لدى العرب عادات أصيلة وموروث جميل ، نأمل المحافظة عليها كالمروءة والشهامة والكرم والترابط الأسري ، التي تقوي العلاقات الانسانية بين أفراد المجتمع الواحد ، وتنشر قيم الفضيلة بدل المنفعة والمصلحة الشخصية،وتزيد من المودة والتجاذب بدل التباعد والتفرقة.
Twitter:@bahirahalabi
التصنيف: