صدرت الميزانية العامة للسنة المالية الجديدة بحجم إنفاق متقارب من ميزانية العام المنتهي، مع ارتفاع العجز إلى 326 مليار ريال لأسباب انخفاض أسعار البترول وتراجع النمو في الاقتصاد العالمي ، كذلك تأثير الاحداث الاقليمية ، ورغم تلك الظروف فإن حجم الإنفاق يعكس قوة الاقتصاد الوطني بدرجة آمنة ، مع حتمية توفر الامكانات البديلة لمواجهة تراجع المداخيل، والحرص على استمرار اولويات المشاريع التنموية والخدمية الحيوية ، وهي كثيرة في قطاعات مختلفة أهمها النقل والصحة والتعليم وشبكات تصريف الأمطار والمياه والصرف الصحي وغيرها .
الأوضاع الاقتصادية والسياسية وكل شيء في العالم أصبح تحت المجهر الاعلامي على مدار الساعة ، لذلك تكون توقعات المحللين الاقتصاديين عند أقرب نقطة دون مفاجآت حتى لدى المواطن العادي في مؤشرات الميزانية. وعموما عندما تتحقق وفرة المداخيل حتى على مستوى الأفراد تتسع القدرة لأهداف أكبر ، والعكس يستلزم دقة الأولويات والبدائل والترشيد ، ولذلك جاءت الميزانية واقعية وهادفة نحو اصلاحات اقتصادية تعزز سبل تنويع مصادر الدخل ، وإعادة النظر في اسعار بعض السلع والخدمات المدعومة بمبالغ طائلة من الدولة كالمياه والكهرباء والوقود، مع ضمان استمرار الدعم لمستحقيه وإعادة الهيكلة لخدمات مسؤولي وموظفي الدولة كتذاكر الاركاب، وكذا فرص زيادة الرسوم على واردات التبغ.
إن برنامج الاصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية التي أشار إليها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، للتنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة ، ويقوم عليه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ، يستهدف بناء اقتصاد قوي تتعدد فيه مصادر الدخل ، وتقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتطوير الخدمات الحكومية ورفع كفاءة الإنفاق العام، وكفاءة استخدام الموارد والحد من الهدر، كما جاءت التوجيهات الكريمة واضحة للمسؤولين بتنفيذ مهامهم على أكمل وجه وخدمة المواطن دون تهاون ، وتعزيز اختصاصات وأداء أنظمة وجهات المراقبة بما يحفظ المال العام ويضمن محاسبة المقصرين.
وتظل المسؤولية كبيرة على الأجهزة الحكومية في التفاعل الجاد مع روح الترشيد ورفع كفاءة الانفاق بضبط بنوده ومجالاته وهي واسعة ، والسيطرة قدر الامكان على الهدر مثل استهلاك الكهرباء دون ضرورة ليلا في بعض المباني سهوا أو اهمالا ، وكذلك سوء استخدام السيارات الحكومية، وضبط مصروفات مثل بدلات اللجان والسفريات التي يمكن التقليل منها ، والاعتماد أكثر على برامج الكترونية صوت وصورة للتواصل والتفاعل المباشر مطبقة في دول متقدمة ، وحتى لدى الشركات عابرة القارات التي تستثمر عشرات ومئات المليارات لتقليل الإنفاق وكسب الوقت ، وضمان أداء أفضل مع المراقبة والمحاسبة ، ولدينا مجالات كثيرة تبدو فيها مظاهر الهدر ، ناهيك عن مستوى الأداء ونسبة الغياب في كثير من الأجهزة الحكومية أشارت إليها أجهزة الرقابة في أكثر من تقرير. فالتحدي الأهم هو تطبيق الميزانية بمقاصد التنمية والشفافية والنزاهة.
الترشيد الحكومي ضرورة نفتقدها لسد ثغرات الهدر الذي ارتبط بثقافة الطفرة ، وقد حان وقت تطبيقه في المجتمع ، وهو في الأساس من تعاليم الاسلام الحنيف ، فكم من مشتروات ضرورية كالأطعمة ، وكماليات مترفة تكلف الأسر مبالغ كثيرة ثم سرعان ما نتخلص منها تلفا أو بطرا، ناهيك عن الاسراف في استهلاك الماء والكهرباء. قال تعالى ((وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)).

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *