موافقة مجلس الوزراء في جلسته الماضية على نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ، خطوة مهمة لتنظيم العمل الأهلي وتطويره وحمايته وتعزيز مساهمة المواطنين في إدارة المجتمع، وتفعيل ثقافة العمل التطوعي وتجويدها ، لتحقيق التكافل الاجتماعي، حيث يؤسس النظام الجديد الإطار التشريعي الدقيق لأحكام التأسيس والإدارة والإشراف.
زمان قبل أن تداهمنا المدنية الحديثة كانت قيم كل حارة بمثابة كيان معنوي للتكافل ، وكأنها جمعية أهلية ترعى شؤون أبناء الحارة وأحوال واحتياجات بيوتها، باختصار كان الجميع أسرة واحدة كبيرة ، الأغنياء فيها يبذلون التكافل بروح المسؤولية لا مجرد العطف ، والبيوت بأغنيائها وفقرائها يشاركون بعضهم بعضا في السراء والضراء ، ومعايشة حياتية صافية في نبعها وجوهرها ومظهرها ،وتراحم يعكس إحساسا عميقا بالترابط الأصيل ، كما قال الحق تبارك وتعالى ( انما المؤمنون اخوة ) وقوله صلوات الله وسلامه عليه (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
مع التطور وطغيان المدنية الحديثة تلاشت سمات اجتماعية كثيرة وغلب على العمل الخيري المبادرات الفردية حتى انطلقت وتوسعت جمعيات ومؤسسات خيرية عظيمة ، وتحظى بدعم ولاة الأمر وتحمل أسماء الملوك البررة والأمراء والمحسنين من أهل الخير، لتؤدي رسالتها وتنجز مشاريع وخدمات جليلة في مجالات التعليم والصحة والإسكان ورعاية الأيتام والمسنين ، ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخ الناصع الحافل بالعطاء الإنساني وارتباطه حفظه الله ، بصروح العمل الخيري وشرايين متدفقة بالإنسانية في شتى المجالات.
في مملكة الانسانية والخير مئات الجمعيات القائمة تعمل تحت اشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، وإقرار نظام الجمعيات والمؤسسات الخيرية يؤكد حرص القيادة على النهوض بالعمل الخيري ، وتعزيز مشاركة المواطن في ادارة تنمية مجتمعه من خلال مؤسسات المجتمع المدني ، وتحقيق التطور النوعي لهذا القطاع بتحويله من مفهوم الإعالة والرعاية المعيشية ، إلى العمل التنموي الذي يسهم مع جهود الدولة في البناء الاجتماعي والاقتصادي للشرائح غير القادرة.
الجمعيات الأهلية معروفة في كل الدنيا حتى في أغنى دول العالم وأكثرها تقدما، لعدة أسباب ، أهمها أن الدولة وإن كانت هي الأساس في تحقيق الأمان المعيشي للمجتمع خاصة الشرائح الفقيرة ، لكن ليس عليها تلبية كل شيء ، ومن ثم فإن جمعيات ومؤسسات العمل المدني هي الأكثر قدرة وتنوعا في التفاعل مع مستجدات احتياجات المجتمع عامة ، كعمل مؤسسي منظم ومرخص وتحت اشراف ورقابة دقيقة لتقوية البناء الاجتماعي وضمان استقرار أفراده.
لذا مع النظام الجديد ستنتقل الأعمال الخيرية برؤية مستقبلية أشمل من مفهوم الرعاية المادية والعينية للمعيشة ، إلى خدمات حضارية وتنمية انتاجية للأسر والأفراد ، والتركيز على دعم مشاريع متناهية الصغر تكفيهم العوز والفاقة ، ومشاريع خيرية تطوعية في كل مجال منها التدريب والتأهيل لمن يحتاجه من المواطنين والمواطنات ، فتجعل من طاقاتهم وطموحاتهم قيمة اجتماعية واقتصادية مضافة للمجتمع ولا تكون عبئا عليه.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *