بنية الأفكار المجتمعية شأنها شأن كل شيء حي على وجه الأرض ، ينمو ويتجدد مع الزمن طالما كان حياً ، وأفكارنا في مجتمعنا السعودي الذي هو بلا شك جزء من مجتمعات بشرية شريكة لنا على هذا الكوكب تخضع لهذا المعيار الطبيعي الذي يستوجب بين حين وآخر المراجعة والتفكيك وإعادة التكوين حسب متغيرات الواقع والزمن ، فمستحيلات الماضي غدت في حاضرنا متوجة بتيجان التصديق والتسليم ، غير أن هذه المراجعة أو ما يمكن توصيفه (بالتطور) لا يحدث بين عشية وضحاها ، إنما ببطء شديد بالكاد الجيل الواحد يلحظه ، ولأن الأفراد الذين هم الوحدة الرئيسية في بنية المجتمع يختلفون عن بعضهم من حيث التنشئة والتعليم والاحتكاك والتجربة فمن البدهي أن ينجم عن ذلك تباين في التعاطي مع هذه السنة الإلهية للكون ، فهناك المندفع .. وهناك المتردد ..وهناك الرافض ، ومن الطبيعي طالما كانت هذه الأنواع في دائرة مكانية واحدة أن يكون كل معطى جديد للحياة بالنسبة لهم محل مد وجزر ..وخاضعاً لمبدأي القبول والرفض .. ومنصة ثقافية للبحث والنقاش والتساؤل ، لكن المؤسف ( وأنا أتحدث من خلال قراءتي للمشهد السعودي خلال العشر سنوات الأخيرة ) أن هذا التجاذب الفكري والتعاطي الثقافي تحول من منطلق اختبار المعطيات الطارئة إلي معترك لفظي لتصفية الحسابات والنيل من الذوات فقط ، ففي تويتر مثلاً باعتباره أبرز طاولة للتثاقف في زمننا الحاضر ؛ غدا واضحاً جداً هذا المعترك خاصة إذا ما كانت المسائل المطروحة تلامس المسكوت عنه ، فتجد على سبيل المثال فكرة ما مطروحة من أكثر من شخص .. تكتشف أنها مبجلة لدى واحد .. ووقحة وغير مقبولة لدى الآخر ، هذا التمايز في ظني انحراف فج عن مسار العرف الثقافي الذي اعتادت عليه الشعوب على مر التاريخ .. وهو العرف المُعلي لقيمة الفكرة بغض النظر عن كنه قائلها ، وهي في نفس الوقت مؤشر خطير لانحدار ممجوج لخطابنا نحو مزيد من الاستقطاب الذي تغيب عنه الحكمة وعقلانية القبول بالتعدد ، الأمر الذي يحتم علينا القلق من تنامي هذا النهج العاطفي المشحون في مواقع الإنترنت إلى أن يصبح أداة اجتماعية حادة تنتقل بكل قسوتها لحياتنا الواقعية والحكمة كل الحكمة تفترض بنا جميعاً أن نسعى لكبح جماح هذه الأداة الماحقة لكل شيء جميل في مجتمعنا .. والتي في طليعتها تعايشنا المسالم الذي أخشى أن يأتي يوم نتحسر فيه على تفريطنا به ، يجب أن يدرك الجميع أن ما نعيشه اليوم هو حراك ثقافي تمر به كل الشعوب ويحدث في جميع المجتمعات ، مرحلة مهمة في مسيرة تقدم التجمعات البشرية لها استحقاقاتها التي لا غنى عنها والتي من أبرزها فضيلة البحث والتحري والنقد الذاتي واستحضار الحجة وإعلاء قيمة البرهان والنزول لما تبين من الحق وغيرها من فضائل المجتمعات المتحضرة ، فنحن الآن – كما أسلفت – نعيش مرحلة قد سبقتها مراحل – وبالتأكيد – لن تعود أدراجها .. وستلحق بها مراحل كذلك ، غير أن أحدنا لا يملك قوة إيقافها والتحكم في مآلاتها ، لكننا جميعاً نمتلك القدرة على تشكيل أهم ملمح فيها ، وهو السلم الاجتماعي الذي له علينا واجب حمايته مهما تباينت آراؤنا وتعددت مذاهبنا وتقاطعت أفكارنا ووجهات نظرنا.

@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *