جدة – البلاد
في قراءة للفكر والعقل مع الأستاذ والمستشار الإعلامي محمد العصيمي المنتمي لمذهب المحبة والكاتب في صحيفة عكاظ المهتم بالحقوق والحريات ووضع المرأة السعودية لذلك كان له مؤلف كتاب “المرأة السعودية.. الحب الحرام والفتنة.. والحضور الوطني” وهو نائب لرئيس الجمعية الدولية للعلاقات العامة. فكان معه الحوار التالي:
• كيف تقدم نفسك؟
ليس هناك الكثير لتقديم نفسي. أنا مواطن سعودي ولدت في مرحلة تقع بين مطبين: مطب الفاقة ومطب النفط. كافحت كثيرا لأعيش وأتعلم وأتفقه في حياتنا ومفارقاتها وما زلت أتعلم. بلغت الخمسين من عمري وتراكمت خبراتي الحياتية والثقافية والصحافية وأظن أنه حان الوقت لصب هذه الخبرات في كتب لعلها تفيد أحدا. وإذا أردت معلومات شخصية فأنا من أهل مدينة الزلفي ودرست الإبتدائية في مدرسة المثنى بن حارثة في الرياض والمتوسطة والثانوية في المعهد العلمي في الرياض وتخرجت في العام 1986 من كلية الإعلام بجامعة الإمام. ولا أنسى أنني بدأت عملي الصحفي المتقطع مبكرا من المرحلة الثانوية وبالتحديد في عام 1982 في صحيفة الرياض. وكانت، بالمناسبة، أول مادة صحافية مهنية لي في ذلك الوقت تقرير عن مركز صيفي لتحفيظ القرآن الكريم في حي الشميسي بالرياض.
• ماذا يتراءى في ذهنك من أيام الطفولة؟
كانت طفولة بائسة وطامحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ ولدت لأسرة شديدة الفقر فاضطررت لبيع (الشرابات) في كرتون على الأرصفة وبيع العصير المثلج في عربة أدفعها بصعوبة في شوارع البطحاء. وفي أواخر سنوات المراهقة ترقيت إلى (كداد) تاكسي. وفي الجانب المضيء الطموح من سنوات الطفولة كانت المدرسة حاضنا رائعا لطموحاتي وكنت متفوقا في دراستي الابتدائية إلى درجة أنهم كلفوني بإدارة الإذاعة المدرسية الحديثة آنذاك. ثم كان لدي في سنوات المراهقة شعور فطري بضرورة الاطلاع والتعلم فقرأت في تلك السنوات وفي شرخ الشباب كثيرا من الكتب التراثية وأمهات الكتب المعاصرة وروايات عديدة وكل ما يمكن أن تعتبره واقع تحت باب فكر التنوير.
• صاحب البصمة الأكثر وضوحا في حياتك؟
بصمات الآخرين على حياتي كثيرة لكنها متفرقة ولم تكن بذلك الوضوح الذي قد يوجد لدى البعض. البصمة الأكبر والأوفر حظا كانت لجهادي الشخصي البحت وما منحني الله من قدرة على أن أطور حياتي وأفكاري وأن أفتح عيني على مكتسبات الآخرين وأتعلم منها. وقد تحقق ذلك بحمد الله.
• ماذا تعني لك العولمة؟
هذا سؤال واسع، لكن العولمة بالنسبة لي هي أن أصبح مواطنا عالميا صالحا أنصر الحق وأرفض الباطل أيا كان مكان هذا الحق وهذا الباطل. وهي على وجه العموم لا مهرب منها، إن كان هناك من يزمع الهرب أو التنصل من استحقاقاتها الآنية التي تفرض على فرد وكل شعب أن يمارس حياته دون إنفصام عن الآخرين من البشر سواء أكانوا على مرمى حجر أو على مرمى آلاف الكيلومترات. وما يعنيني شخصيا من (العولمة) جانبها الفكري الإنساني وما قد تمثله من خطر على الهويات المحلية إن أوغلت في ممارسة التحكم والسيطرة من القوى المتنفذة إقتصاديا وعسكريا على الدول الأقل تنمية ومكتسبات حضارية. أتماهى مع العولمة في كل جوانبها الأخلاقية الجيدة وما تضيفهه من تشارك البشر في المصالح والفوائد، وأشجبها إن كانت تستهدف نزع الهويات الخاصة لحساب هوية عالمية يفرض شكلها ومقاييسها الأقوى سياسيا واقتصاديا.
• وكيف نحافظ على هويتنا العربية في ظل العولمة؟
أعتقد أننا قبل أن نسأل عن كيف نحافظ على هويتنا العربية في ظل تسيد العولمة، لا بد أن نسأل هل بقي من الهوية العربية شيء في أيامنا هذه.؟! أقصد ذلك الشيء الذي يتمتع بقيمة وحضور ويعطي للهوية وهجها واحترامها لدى الآخرين. نحن الآن من وجهة نظري نعيش مرحلة التباس الهوية، ما بين التنكر لقوميتنا من جانب أو تجييرها لصالح أممية الانتماء من جانب آخر، كما تطرح بعض الجماعات الدينية التي لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا تعترف بهوية عربية مستقلة لها ملامح ومحددات. الهوية التي يمكن أن تتعامل بفهم صحيح مع العولمة تتمثل، في رأيي، في دين واسع الأفق وثقافة معاصرة تستوعب الاختلاف والتنوع وقوة سياسية واقتصادية وعسكرية تعطيك قيمة واضحة بين المجتمعات والأمم.
• كيف نجسر الهوة التي تحجب البعض عن فهم القرن القادم؟
أفترض أن يكون هذا السؤال كيف نجسر الهوة التي تحجبنا عن فهم السنة القادمة وليس القرن القادم، فنحن جميعا وليس البعض نعيش ضبابية في كل شيء سواء من جانب التخطيط لحياتنا ومستقبلنا أو التواؤم مع متطلبات عصرنا وشروطه أو ما يتعلق بتفاصيل التنمية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لكن يمكن القول بأن التعليم المتطور هو الوصفة السحرية لخلق هذا الفهم للحاضر والمستقبل. ومتى تقدم التعليم ووسائله وحواضنه فإن بالإمكان أن تجسر الهوة التي تفصل الناس عن الرؤية الصحيحة والواضحة للمستقبل.
• فكرة في رأسك تتمنى تحقيقها على حيز الوجود.
ليس لدي سوى فكرة واحدة تضم آلاف الأفكار وهي أن يكتب لنا كأمة الاعتراف بقصورنا وتخلفنا، ومتى حدث ذلك فإنه يمكن الحديث عن باقي الأفكار وتفاصيلها.
• يعتقد البعض أن مصير الكلمة المكتوبة إلى إنقراض ! ما رأيك؟
الكلمة لا يمكن أن تكون إلا مكتوبة سواء كتبتها على صخرة أو في كتاب أوفي صحيفة أو في صفحة أو منصة إليكترونية. ما سوف ينقرض هو وعاء الكلمة التقليدي المتمثل في المطبوع من الكلمات بالصورة التقليدية للطباعة. هذا الإنقراض سيحصل لا محالة لكنه ليس قريبا. ربما يحتاج الأمر إلى نصف قرن من الآن.
• كيف تتشكل المرأة في حياتك؟
بدون المرأة أنا لا شيء على أي وضع كانت هذه المرأة. ولذلك تجدني أضعها في مقام رفيع تستحقه لطبيعتها وأهمية وجودها في حياتي وحياة المجتمع بشكل عام. ولك فقط أن تتخيل الحياة بدون المرأة. هل تستحق أن تعاش.؟ وهذا الرأي ضمنته في كثير من مقالات كتابي (المرأة السعودية.. الحب الحرام والفتنة والحضور الوطني).
• كيف تنظر للرجل وللمرأة في الواقع المعاصر؟
إذا كنا نتحدث عن رجل وامرأة في المجتمعات المتقدمة فهما يعيشان حياة متكافئة يتحمل فيها كل منهما مسؤولياته وحضوره في حياة الآخر. أما إذا كنا نتحدث عن رجل وامرأة في مجتمع متخلف فهما يعيشان حياة مضطربة، وأحيانا بائسة، لا يزال الرجل فيها هو صاحب السطوة على حياة المرأة التي يُخضعها لمشيئته ورغباته وأوامره ونواهيه. وبالتالي ليس هناك نظرة واحدة حتمية لكل رجل وامرأة. الأمر يعود في هذه النظرة لاعتبارات مكانية وحضارية وثقافية ومجتمعية.
• هل هناك أمل لأن ينفض الاشتباك بين الرجل والمرأة خلال العام القادم؟
إذا كنت تقصد فض الاشتباك بين الرجل والمرأة في المجتمع السعودي فلن يحدث لا العام القادم ولا خلال عشر سنوات. إستقلالية المرأة التي هي محل هذا الاشتباك تحتاج إلى وقت طويل لتتحقق وليعترف بها الرجل الذي ما زال يقاوم مطالبات المرأة والتنويريين بوجه عام في إعطائها حقوقها واعتبارها كائن بشري طبيعي له حق التصرف بملء إرادته فيما يريد وما لا يريد.
• الزوجة والأبناء، عبء يضاف إلى هموم العمل، كيف توفق بين هذين الهمين؟
زوجتي شريك كامل لي في حياتي وليست عبئا على الإطلاق، وأي زوجة لا يمكن أن تكون عبئا على زوجها إلا إذا هو جردها من حق المشاركة في حياتهما وجردها من الاختيار واتخاذ القرار. أما الأبناء فأنا أرعاهم وأعتني بهم وبدراستهم قدر المستطاع وإن كنت أعترف أن زوجتي تتحمل عبئا أكثر في رعايتهم ومتابعتهم.
• متى قلت (لا) ثم ندمت؟
لا أندم في الحقيقة إذا قلت لا أو قلت نعم لأي شيء، فقد تعلمت أنني لا أقول شيئا من غير أن أكون مستعدا لدفع ثمن ما أقول أو أفعل. وما دمت تعرف الثمن مسبقا ثم تقول (لا) لتسجل موقفا فلا أعتقد أنك ستندم.
• رأيك في الانترنت، وكيف ترى جيله؟
جيل الإنترنت وجيل كل وسائل الاتصال الحديثة لديه مكتسباته التي لا تعرفها الأجيال التي سبقته. وهو يتجاوب مع عصره بالشكل الذي تفرضه هذه الوسائل. وكل ما ألاحظه على هذا الجيل، وقد يكون له أسباب لا أعرفها، أنه يطالع بسرعة ويقرر بسرعة، اي أنه فيما يبدو فقد فضيلة التأمل والحكم المتأني على الأشياء.
• هل كنت ممن راودهم خوف ولو يسير من مشكلة الصفرين؟
لا أعرف إلى الآن ما هي مشكلة الصفرين.!!
• موقف لا يزال بالذاكرة.
حين تقدمت لخطبة زوجتي أول مرة ورفضني أهلها.
• قرار ندمت على اتخاذه.
التمسك بالوظيفة وفقدان فرصة وخبرة العمل الحر.
• كاتب تحرص على متابعته.
عبدالرحمن الراشد من السعودية ومكرم محمد أحمد من مصر.
• شاعر لا تمل من قراءة شعره.
محمد الثبيتي يرحمه الله.
• كلمة جميلة، لحن، يتردد في ذهنك.
لحن أغنية مقادير للراحل طلال مداح يرحمه الله.
• لاعب كرة تحرص على مشاهدته.
لا أحد.
• هل أنت من أصحاب القرارات السريعة أم العكس؟
لا أتردد في قراراتي بعد شيء من التفكير
• شخص يصنع حول نفسه هالة، أو حواجز، من يكون؟
شخص لا يثق بنفسه فيوحي للآخرين بأنه لا يثق بهم.
• في وجه من تغلق بابك؟
في وجه (الصحوة)
• لو وقفت على بئر، فما هو السر الذي تبوح به له وحدك؟
حين أقف على البئر سأبوح له بهذا السر
• كتاب الأعمدة الصحفية يتهمون بالإفلاس، خاصة أن الكتابة اليومية تتحول بالنسبة لهم إلى استهلاك كتابي يهدف من ورائه إلى تعبئة الفراغ والحرص على التواجد دون أن يكون هناك هم او قضية تستحق النقاش، ما هو رأيكم في ذلك؟
حسب الكاتب واحترافيته ومتابعته الجيدة للشأن العام وهموم الناس، فليس كل شخص قادر على كتابة عامود صحفي يومي، بل إن القادرين على ذلك قلة.
• قبل الوداع ماذا تود أن تقول؟
أقول شكرا لكم على هذا الجهد وهذا الحوار المتنوع وآمل أن يكون فيما تحدثنا فيه فائدة للقراء الكرام وأن تكتب لنا خطوات التقدم بعد أن طالت بنا حفر التخلف.