بلوتو ومستقبلنا التعليمي
في زاوية صغيرة لا تكاد ترى من إحدى صحفنا المحلية قرأت خبرا أراه من الأخبار المهمة , ويفترض أن ينشر على صدر الصفحة الأولى لأهميته وقيمته العلمية للبشرية جمعاء , إذ يشير الخبر إلى اقتراب مركبة فضائية من كوكب بلوتو الأبعد في مجموعتنا الشمسية .. بعد أن قطعت مسافة ثلاثة مليارات ميل – حسب سكاي نيوز – بعد رحلة طويلة استمرت تسع سنوات وهي تسبح في الفضاء الخارجي لالتقاط الصور التي ترسلها للأرض خلال هذه الرحلة بعيدة المدى . ويأمل العلماء أن تتمكن مركبة الفضاء (نيو هورايزنز) من الحصول على صور جديدة وقريبة لكوكب بلوتو غير تلك الصور التي التقطها المرصد الفلكي (هابل) ولقد تعززت تلك الآمال باقتراب المركبة من الكوكب الغامض كما يصفه علماء الفلك والذي يبعد عن الشمس بمسافة 3,67مليار ميل .
وكنت أفكر أثناء قراءتي للخبر فيما وصل إليه العالم من اكتشافات عظيمة واختراعات هائلة تخدم البشرية بل الأحياء على الكرة الأرضية , ونحن لا نحسن استخدام أبسط الأجهزة بين إيدينا والتي غالبا ما تتعرض للتلف السريع لسوء الاستعمال . والفرق بيننا وبينهم كبير جدا ! فهم يفكرون ويعملون وينتجون ونحن لا نعرف سوى الاستهلاك وبطريقة غير سليمة في كثير من الأحيان . عالم لهم في كل يوم منجز جديد واختراع حديث أو تطوير لاختراعات سابقة في كل المجالات التي يحتاجها سكان الأرض . ونحن ليس لدينا ما نقدمه سوى الخطب العصماء , وحتى لا أظلم بني قومي فإني اعترف بأننا أنتجنا أكبر الصحون في العالم لتقديم أكبر الولائم ليتسع أحدها لعدد خمسة جمال وعشرين خروفا لتكون أكبر كبسة في العالم كما ظهر في أحد مقاطع اليوتيوب المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي تأكيد بأننا نهتم بالبطون في الوقت الذي يهتم فيه العالم الأول بالعقول , وشتان بين أهل العقول وأهل البطون !!
ولا زلت أتساءل كغيري هل منحهم الله العقول وحرمنا منها أم أنهم يحسنون استخدامها فيما ينفع ويفيد ونحن لا نحسن استخدامها كما يجب ؟. وأعتقد بأنهم أوتوا الحكمة ( ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا )
والمدهش أن بعض أبنائنا وبناتنا المبتعثين والمبتعثات يبدعون في الخارج ويتفوقون على غيرهم من الطلاب الأجانب ويقدمون الجديد من الابتكارات في بعض الجوانب , لكن بعد عودتهم لا نرى أثرا لهم والعيب في الواقع ليس في عقولهم ولا اهتمامهم ولكن في بيئة العمل . فهناك البيئة محفزة للإنتاج تماما بينما تكاد تنعدم تلك البيئة في بلادنا أو قد تكون غير موجودة أصلا في الأوطان العربية مما أدى إلى هجرة العقول كما يعرف الجميع . والاعتقاد بأن الوضع التعليمي في الأقطار العربية بحاجة إلى مزيد من التصحيح لتخرج من الإطار النظري الجامد إلى النطاق العملي الجاد , وأن تتحول المؤسسات التربوية من واقعها التقليدي إلى الواقع العملي من خلال المعامل والمختبرات والمراسم والمكتبات والمراصد والملاعب والاستديوهات … وغيرها من المتطلبات المزودة بأفضل التجهيزات لاكتشاف المواهب والقدرات مبكرا وتشجيعها وتحديد الاتجاهات وتطويرها لتصبح مواقع جاذبة بالفعل عندما يجد الطلاب المكان المناسب لميولهم ومواهبهم وكشف إبداعاتهم تحت إدارة تربوية واعية وإشراف نابه وتوجيه ناضج .. لخلق بيئة تعليمية وتعلمية تحفز على العلم والعمل والإنتاج . فعلماء الغد هم طلاب اليوم على مقاعد الدراسة والذين يجب أن يحظوا بكامل العناية والرعاية والاهتمام . ولعل الاعتمادات الضخمة للتعليم في موازنة الدولة والتي تزيد عن ربعها كفيلة بتحقيق بعض الآمال والتطلعات المنشودة في الأجيال القادمة بتوفير البيئة المناسبة للدخول في معترك المنافسة العالمية فيما لو تم رسم الخطط ووضع الاستراتيجيات المدروسة بعناية فائقة لذات الغرض .
التصنيف: