الحفاظ على الهوية العمرانية

• عمر آل عبد الله

هناك من ينظر للتراث العمراني على أنه ليس إلا كومة من الأحجار التي أكل الدهر عليها وشرب والتي حقها الإزالة وإتاحة الفرصة لمزيد من النمو العمراني والمنشآت الحديثة التي تقدم خدمة آنية .
إن كثيرا من أمم الأرض قد أولت التراث – وإن كان بسيطا – جل اهتمامها وعنايتها لأسباب عدة منها أنه نوع من الاحترام للأسلاف وفيه تخليد لمآثرهم وأمجادهم وهو كذلك نوع من الاستقراء لماض غابت شخوصه وقلت فيه أدوات التوثيق المكتوبة لحقب مهمة من التاريخ لم يتبق منها سوى هذه الأطلال والتي نستلهم منها العبر وندعو لمن خلفها بالرحمة والمغفرة .
إن الحفاظ على التراث نوع من الثقافة الراقية التي لا تزال في حاجة إلى تأصيل في تزامن مع اجتثاث ثقافة الهدم والإزالة لكل ما هو قديم بحجج واهية كامنة في عقول البعض .
فكرة الحفاظ على التراث ليست فقط من أجل ما قد يدر من عوائد مادية عند ترميمه ثم تشغيله ولكن – وهذا هو الأهم – إحياء لذكرى من سكنوا هذا المكان ووفاء لما قدموه واستلهاما للعبر والدروس من تجاربهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم .
إن في دراسة التراث مقصدا لكل طالب . فالمؤرخ يجد ضالته هناك والسائح والمعماري والشاعر .. الكل يرتوي من معين هذه الأطلال ويستنطق أحجارها ويتخيل شخوصها .
إن العناية بالإرث الثقافي الذي تمثل الآثار أحد شواهده يعتبر رمزا من رموز القوة التي تفاخر بها الأمم .فكما قيل : لا حاضر لمن لا ماضي له وبالتالي فهو يعد من أنواع الفن والذائقة الرفيعة والأصالة .
الملاحظ أن كثيرا من الدول بل وحتى الأفراد قد اتجهت نحو العناية بالماضي وتطويره واستثماره مما ساهم على الإبقاء على الهوية والوطنية وفي ذات الوقت خلق فرص عمل لكثير من المهتمين والباحثين عن عمل .
لقد بات من الضروري تكاتف مختلف الجهات الرسمية والشعبية والأفراد من أجل انقاذ ما تبقى من تراث جميل واستخلاصه من براثن المعتدين عليه وصونه وتحسينه ومن ثم تسليمه للأجيال اللاحقة بكل فخر حتى يعلموا أنهم امتداد طبيعي لأناس أسهموا في نماء وتطور المعمورة .
من العوائق التي تحد من قيمة التراث العمراني لدينا جهل الكثير بأهمية هذا التراث وأيضا هناك مفاهيم خاطئة يجب على الجهات المعنية بالتراث تصحيحها لدى كثير ممن يمتلكون شيئا من هذه الآثار ومنها الخوف من استيلاء هذه الجهات على ممتلكاتهم وحرمانهم منها مستقبلا وهنا يجب تصحيح هذا الفهم المغلوط . كذلك هناك تصور غير صحيح مفاده أن السياحة الآثارية سوف تسلب الأهالي راحتهم وتجلب لهم الازعاج والضوضاء ومالا يرتضى من سلوك . وإذا ما نجحت هيئة السياحة في تصحيح هذه المفاهيم فستقفز سريعا نحو تحقيق الأهداف .

omarweb1@

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *