تخيل أن أحد الناس استوقفك في الشارع .. أو في السوق أو طلب منك الخروج من عملك أو بيتك ليحدثك بأمر يصفه أنه مهم لا ينبغي تأجيله ، ثم حينما تقف بين يديه لترى ما لديه يقول لك ..اسمع .. سأخبرك بأمر مهم .. هذه الأرض التي نعيش عليها تدور حول نفسها وهذا هو سبب تعاقب الليل والنهار!! ثم سكت ليقرأ علامات الذهول في وجهك من هذه المعلومة العظيمة ، ماذا ستكون ردة فعلك حينها ؟ .مؤكد أنك ستثور في وجهه مستهجناً هذا التصرف.. أتضيع عليّ وقتي وعملي وتعطلني عن مواعيدي لتخبرني بأمر يعرفه طفل صغير في الروضة ؟ هل أنت سكران !! أم هارب من مستشفى الأمراض العقلية ؟ وربما قد تشرع في تقييده بشماغك لتتصل على الشرطة معتقداً أن وراءه مصيبة ؟
طبعاً لردة فعلك هذه ما يبررها حتى وإن كان هناك مناسبة للتحدث عن هذه الظاهرة الكونية ، فأنت وأنا وكل البشر اليوم نشأنا وكبرنا على كثير من اليقينيات والحقائق العلمية المسلم بها ومنها هذه الحقيقة العلمية .. لذلك هي في وعينا تعد من المعلومات الساذجة التي لا تستحق منا التوقف عندها أصلاً فضلاً عن أن يستوقفنا أحدهم ليخبرنا بها.. لكن الذي لا يخطر على بال الكثير منا .. أن كثيراً مما نحن متيقنين منه من المعارف قد استغرقت من الإنسان آلاف السنين ليثبتها ، وهذه المعلومة الساذجة بالذات ( أي دوران الأرض حول نفسها ) لمعت بمئات السنين قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام في فكر الفلكي اليوناني أريستاركوس ( 310-230 ق م ) الذي عجز عن أن يجيب عن سؤال كان يجابه به .. سؤال هو الآخر معظمنا اليوم يراه تافهاً كذلك وهو ( لماذا لا تسقط الأشياء من على سطح الأرض ما دامت تدور ؟ ) . نعم نحن جميعاً اليوم لم نعد نفكر مجرد التفكير في مسألة دوران الأرض .. بل ونستغرب أنها كانت ذات يوم لعنة على بعض من كان يفترضها في أزمنة غابرة ، تماماً كما حدث للفلكي الهندي أريابهاتا ( 499 ق م ) الذي حاول أن يقنع معاصريه بدوران الأرض فقوبل بعاصفة من السخرية والتنكيت للحد الذي أجبره على ترك موطنه ( ولاية بيهار ) في شمال الهند ليعيش في ( ولاية كوجارت ) الغربية حيث لحقت به السخرية والمضايقات هناك مجدداً ،فغادرها كذلك مهاجراً إلي ( ولاية كيرالا ) في الجنوب ، وهناك لقي حتفه مقهوراً من عدم تقبل الناس لفكرته ، ولماذا نذهب بعيداً .. فمعظمنا سمع بغاليليو ( 1564-1642 م ) الذي خُير بين أمرين أحلاهما مر .. إما الموت شنقاً وإما أن يتوب عن سفسطاته وتجديفاته إزاء الأرض ودورانها ، فاختار مضطراً سلامة رأسه ، وقد ذكر أحد الحراس أنه عندما فرغ من توقيع عريضة التراجع والتوبة سمعه يتمتم بصوت خافت قائلاً ( ولكنها تدور فعلاً ) .
لقد أردت من هذا الحديث التأكيد على أن حقائق العلم المعاصرة اليوم ليست سوى بنات للمستحيلات والخرافات الماضية .. لم تكن إلا مجرد مثيرات للسخرية والتنكيت في أذهان معظم – إن لم يكن كل – مجتمعات القرون الأولى ، ليس لأنهم أغبياء ونحن أذكى منهم ، بل لأنهم عاصروا الولادة العسيرة لها حينما كانت لم تزل مجرد نظريات خجولة تداعب ذهن صاحبها ـ بينما نحن عاصرنا أمومتها وهي تلد من رحمها بكل جدارة العشرات من النظريات العلمية الأخرى ما يعني صدقها وأزلية صحتها ، لكن إذا أردنا أن نستشعر الأمر على حقيقته بالنسبة لمن سبقنا من الأمم علينا أولاً تأمل التحديات العلمية القائمة الآن .. أي في زمننا هذا كإمكانية الحياة على المريخ مثلاً .. كم شخص منا يرى أن هذه الفكرة بنت للممكن أكثر من كونها بنتاً للمستحيل ؟
[email protected]
twitter: @ad_alshihri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *