جانية أم مظلومة ؟
في مرتبة الضحية أم الجناة تقع تلك المرأة ..؟
جريمتها الوحيدة أنها تمردت على حياتها الزوجية ، وقررت الانفصال عن ذلك الزوج ، دون ذكر أسباب.
ربما تكون أسبابها مقنعة وكافية لطلب الانفصال ، وللعيش بحرية وسلام ، دون ذلك الزوج الظالم.
لكن ، من يرحمها ؟ ويمنحها حقها في الحياة بحرية وسلام دون إصدار الآراء المضادة لها ، والمصادرة لحريتها وانفصالها ؟.حتى وإن كانت كل الحقوق معها ، حتى وإن كانت غرف الطوارئ في المستشفيات قد ملت كثرة دخولها إليها مضرجة بدمائها ودموعها السخية..فلن يرحمها المجتمع من حولها ، لن ترحمها ألسنة النساء العاملات معها ومن وراء ظهرها ، لن يرحمها حتى المقربون منها ، من رجال ونساء.
لقد ارتكبت تلك المرأة جريمة شنعاء بحق زوجها وبيتها ، وأطفالها ، حين سعت لطلب الطلاق الرسمي ، بكل ما أوتيت من قوة.ودافعت قدر ما تستطيع عن نفسها ، وحياتها ، ومصيرها ، ضد زوج ظالم لم يرحم ضعفها ، ولم يحفظ قدرها ، ولم يحمها من ظلم الأقدار وألسنة الثرثارين ، وتهكم الشامتين ، وسخرية الأعداء والمقربين.امرأة خرجت من بيت أبيها مصونة مكرمة ، معززة ، لتقع بين يدي وحش لا يرحم ولا يسمع أنينا ، ولا يطاله خدش ولا كلمة جارحة ، وليلقي بها بين أيدي المهانة والذل ، دون اعتبار لكينونتها ، ومكانتها لدى أبنائها وعائلتها ، أو حتى لدى من يعرفونها في هذا المجتمع.فمن الذي يقبل بذلك العذاب ..؟ من الذي يمكنه الصبر والبكاء بصمت ، وتقبل كل أنواع الضنى والويل ، دون شكوى أو أنين..؟.وحينما تحاول الانفكاك من عنق الزوجية ، ومن رباطها الخانق ، تحاك الألسنة من حولها بقصص ومغامرات لا تخطر على بال ، وتصبح تلك الضحية المجني عليها سنوات طويلة ، هي الجانية ، هي الجالبة لذلك العذاب وذلك الضيم إلى حياتها ، هي السبب في كل ما حدث ويحدث لها.
الجميع يقف في صف الزوج ، مهما كان ظالما وغادرا وخائنا ، ووو…… ، فالرجل تتدارى عيوبه كلها خلف رجولته وبطشه ، أما هي ، المرأة ، الضعيفة ، فكل عيوب الرجل وأخطاؤه تقع على عاتقها ، وبسببها هي فقط.حين تنفصل برغبتها في الانفصال ، أو يتم الانفصال رغما عنها ، أو تقوم هي بالخلع ، فهي الظالمة والجانية في كل الأحوال ، وكل الظروف.
لا عجب إذا أن تحتفل النساء بالطلاق والانفصال كما تحتفل بالزواج !فالخروج من القفص ( أيا كان نوعه ، ذهبي أم فضي أم برونزي ) في النهاية هو قفص ، بمثابة خروج إلى الحرية والانتصار على قوة الاستعباد والتسلط.الربع الأول من القرن الجديد في الألفية الجديدة يكاد أن يكتمل ، ونحن لا نزال نهاجم تلك المرأة ، ونحاربها ، ونحملها كل ذنوب العالم وكل هزائمه ، ونعاقبها دون أي ذنب ..
فمتى نعي حقيقة هذه الإنسانة المظلومة ، ونقف معها مساندين ومؤيدين ، ومحاولين درء كل الأخطار التي يسببها الرجال لها ، والتي تحاول مداراتها ومعاناتها وحدها بصمت ، حاملة معها كل أمراض القهر والضيم ، والتوتر والانتهاكات البدنية والنفسية .. والتي لا تنتهي أبدا…..؟.
التصنيف: