طـارق الديــب – القاهرة خاص بـ «البلاد السعودية»
لم يُسدل الستار عن الأزمة «المصرية القطرية» بمساعي التصالح التي يقوم بها مجلس التعاون الخليجي ولا بتقريب وجهات النظر التي قام بها خادم الحرمين الشريفين وإن كان قد ساعدهما على اجتياز الخطوة الأهم والأصعب.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه.. كيف ستسير العلاقات المصرية القطرية خلال الفترة القادمة في ظل العديد من المعوقات والأجندات المعدة خصيصًا لافتعال الأزمات وزيادة الهوة وافتعال الفرقة وعوامل أخرى ينظر إليها البعض على أنها صغيرة ولكنها في حقيقة الأمر قد تؤثر على العلاقات العربية إنه الإعلام الذي أدرك خادم الحرمين الشريفين أهميته في إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكلها الطبيعي أو يجعل من جهود المصالحة أبواق فارغة في ظل السياسة التحريضية والشحن الإعلامي في المنطقة.
وكانت مصر قد استقبلت بترحيب كبير البيان الصادر من الديوان الملكي السعودي، وأكدت علي تجاوبها الكامل مع هذه الدعوة الصادقة والتي تمثل خطوة كبيرة على صعيد مسيرة التضامن العرب.
وأصبح المشهد العام في مصر يسوده حالة من الارتياح، بعد بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، والذي أكد فيه «حرص المملكة علي إتمام المصالحة بين الدول الخليجية وقطر بعد محاولات حثيثة من قوي خارجية مدفوعة بأجندات إخوانية، للوقيعة بين الدول العربية وبعضها»، فكان خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على دراية كبيرة بالأمر وكان بالمرصاد لتلك المخططات.
وقطع خادم الحرمين الشريفين أواصل الإرهاب والتطرف عن الدول العربية، حينما دعا كلاً من «مصر وقطر» إلي الاتفاق وترك الخلاف ليقوم بدور الأب الذي يُعطي دروساً لأولاده في الوحدة ونبذ الخلاف والتعصب، ومؤكداً في الوقت نفسه علي ضرورة إجتثات الإرهاب من جذوره، وعدم إعطائه الفرصة للنمو في أي بلد عربي.
البيان التاريخي:
ووصف محللون سياسيون، إتفاق الرياض التكميلي بـ «التاريخي»، وأكدوا أنه جاء في وقته تمامًا، حيث يحاول الإرهاب أن يرقص علي أنغام الشقاق والصراع والوقيعة بين الدول العربية، فحاول أن يجد ملاذا آمنا له في قطر، إلا أن خادم الحرمين أدرك ذلك مبكراً وأعلن «الوحدة» بين الشعوب الخليجية، فبدأ الإرهاب في البحث عن دول أخرى لينمو ويزدهر.
وقرأ «خبراء سياسيون» اتفاق الرياض التكميلي على أنه «خطوة جيدة نحو لم الشمل بين الدول العربية بعضها ببعض خاصة التقارب المصري القطري»، مؤكدين على أن «سياسة قطر عقب هذه الاتفاقيات ستتغير جملة وتفصيلًا، ودعا بعضهم إلى عقد لجنة من أجل تصفية الخلافات بشكل جدي وبدء العلاقات في ثوب جديد».
وأعتبر الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن «مجلس التعاون الخليجي تأزم وضعه خلال الفترة السابقة بسبب العلاقات المتقطعة بين مصر وقطر، مؤكداً أن مجلس التعاون الخليجي عمل خلال الفترة الماضية على إنهاء الأزمة من خلال أخذ تعهدات قطرية بإنهاء سياساتها السابقة والتي تؤدي إلي أتساع الهوة بين الشعوب الخليجية، خاصة فيما يتعلق بالشأن المصري، لذلك ناشد خادم الحرمين الشريفين دولة مصر وصناع الرأي العام والإعلاميين أن يساعدوا فيما تم الإتفاق عليه.وأكد»نافعة» أن العلاقات بين مصر وقطر ستحتاج إلى حديث وتشاور وهو ما سيتم فى المرحلة القادمة، قائلاً «:هناك بداية إيجابية ومبشرة بالخير قائلا نأمل أن تسير الأوضاع على نحو مطلوب».
لجنة قطرية مصرية مشتركة:
يقول عمرو هاشم ربيع الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أنه لابد من تشكيل لجنة قطرية مصرية لتصفية الخلافات فيما بين الدولتين، قائلاً «هذه اللجنة ينبغي أن يتطرق الحديث فيها إلى الخلافات القائمة.
وأكد»ربيع» أن أتفاق الرياض التكميلي الذي قام به خادم الحرمين الشريفين ليس كافيًا من أجل تصفية الخلافات القائمة بين البلدين، مثنيًا علي الدور السعودي في تنقية الهواء بين البلدين، ومشدداً في الوقت نفسه على أن عقد هذه الاتفاقيات ليست بالكافية لعمل إطار تفعيلي على أرض الواقع».
وقف الردح الإعلامي:
ويضيف، يسرى العزباوى، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن «مصر وافقت على المصالحة التي ناشدها إياها خادم الحرمين الشريفين في اتفاق الرياض التكميلي اقتناعا منها بضرورة وضع إطار شامل لوحدة الصف مؤكدا أن مصر تعلم حجم المشاكل التى تمر بها المنطقة وضرورة رأب الصدع وحل الخلافات وإنهاء الأزمات».
ولفت»العزباوى» إلى أهمية التصالح من أجل دفع الاستثمارات القطرية إلى مصر مرة أخرى فى ظل الأوضاع الإقتصادية الراهنة، مشيرا أن «القيادة المصرية لم يكن لها بديل غير المصالحة لأن مصر ليست بالتي تستغني عن شقيقاتها العربية ولا التي تتعالى على من يبغى معها المصالحة».
واعتبر الخبير السياسي أن البيان المصري جاء به الكثير من الكرامة والترفع حينما خلا البيان من ذكر كلمة قطر أو الإشارة إليها لأنه كان بمثابة رد علي خادم الحرمين الشريفين الذي ناشد المصالحة.
ورأى «العزباوى» أن الإعلام قد يعمل كثيرا على إفشال مساعي الصلح برسائله التحريضية خاصة بعض الإعلاميين المصريين الذين صرحوا بأن العلاقات مع قطر أخذت منحى الثأر الذي لا تهاون فيه إلا بعد أخذه.
ودعا، وسائل الإعلام المصرية أن تكف عن رسائلها التحريضية والشحن مطالبا إياها بأن تلعب دورا إيجابيا حتى تسير العلاقات بين الدول على المنحى المنشود.
من جانبه، أكد مختار غباشى، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن «التضييق على الوجود الإخوانى في الأراضي القطرية بات قاب قوسين أو أدنى من الانقراض بعد اتفاق الرياض التكميلي».
وأضاف، أن سياسة قطر ستتغير عقب هذه الاتفاقيات بما فيها مواقفها مع الإخوان، بما لايؤثر على الأمن القومي المصري ولا يؤثر على الإرادة السياسية المصرية.
وتابع: الأمن الوطني العربي في خطر ولا يُستثنى من ذلك مصر ولا الدول الخليجية، لذلك فالتعالي على الخلافات يمكن أمتنا العربية من المسك بتلابيب أي مشكلة وحلها بما يعمل على لم الشمل مرة أخرى.
تغيير إعلامي تدريجي:
وتوقع الدكتور محمود خليل، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن يحدث نوع من التأثير النقدي علي سياسة قناة الجزيرة القطرية، مؤكداً أن «رسالة خادم الحرمين الشريفين موجهة إلي قطر في الأساس وليس مصر، وذلك بهدف التقليل من حجم التراشق الإعلامي الذي تقوم به قناة الجزيرة القطرية».
وأشار «خليل» الذي يعمل كمستشار إعلامي لإحدي الصحف الخاصة المصرية التي شنت خلال الفترة الماضية حربًا عنيفة ضّد «قطر والجزيرة»، إلي أن «الإعلام المصري خلال الفترة القادمة سيعمل جديًا علي رأب الصدع بين مصر وقطر وسيظهر ذلك تدريجيًا في المضمون الإعلامي المقدم من الجانب المصري والقطري».
وأكد رئيس قسم الصحافة، أن الخطاب الإعلامي في قناة الجزيرة لن ينقلب بشكل 180 درجة ، بحيث يؤيد النظام المصري الحالي، ولكن سيحدث ذلك بشكل تدريجي، قائلاً: «ليس من المعقول أن تُغير الجزيرة من وجهتها الإعلامية بين ليلة وضحاها سيظهر هذا واضحًا وجلياً ومن المعلوم أن القناة القطرية تمارس الإعلام بشكل مهني، فلن تُغير وجهتها مرة واحدة».
من جانبها، قالت الدكتورة ماجي الحلواني، الخبير الإعلامي وعميد إعلام القاهرة الأسبق، أن «التلاسن المصري القطري كان لا بد له من وقفه، وهو ماقام به خادم الحرمين الشريفين»، مؤكدة أن «الإعلام المصري هو الآخر يتحمل جزء كبيرا من المسئولية عما وصلت إليه الأمور من تدهور في العلاقات السياسية بين البلدين.
وأثنت الحلواني، علي «إتفاق الرياض» التكميلي، معتبرة أن «هذا الاتفاق جاء في سياق حفاظ البلدين علي الوحدة العربية والنسيج والترابط العربي»، وأكدت أن «المملكة العربية السعودية تلعب دوراً فعالاً في تقريب وجهات النظر السياسية بين البلدين «مصر وقطر»، والذي ينعكس بدوره علي السياسة الإعلامية.
وأوضحت أن الإعلام المصري والقطري كلاهما سخر أدواته للهجوم علي الطرف الآخر، الأمر الذي وصل إلى حد التراشق اللفظي بين الجانبين،
متوقعة أن «يحاول الإعلام المصري والقطري خلال الأيام القادمة تحقيق نوعًا ما من التوازن».
ورأى خبراء إعلاميون، أن وسائل الإعلام المصرية ستعمل لإنجاح المصالحة بين مصر وقطر وكافة دول الخليج ، مؤكدين أن «موافقة الرئاسة المصرية على خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وإبداء رغبتها في التجاوب مع دعوته للم الشمل ستوجب على الإعلام السير في هذا الاتجاه نظرا للمصالح المشتركة بين السعودية مصر خاصة في مواقفها الداعمة للنظام بعد الثورة المصرية المكملة في 30 يونيه 2013.
وقال ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي، إن «الإعلام المصري بشقيه العام والخاص يتوجب عليه أن يقابل دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للم الشمل العربي والتصالح مع دول قطر» بالمزيد من الترحيب والتقبل.
وأشار إلى دور المملكة العربية السعودية في مساندة مصر بعد ثورة 30 يونيو، مؤكداً أن «مصر لن ترفض دعوة وجهت إليها من السعودية، لإعادة اللحمة الوطنية بين كافة الدول العربية والخليجية بما فيها دولة قطر».
وأكد «عبد العزيز»، أن الحالة القطرية المصرية الإعلامية ستتبع قواعد معينة في التعامل الإعلامي تجاه كل منهما، لافتًا إلى أن «الإعلام المصري ينتظر الإشارة الايجابية من الإعلام القطري، ويتوجب على قطر أن تظهر حسن النوايا في تعاملها مع الشأن المصري بعد ترحيب الرئاسة المصرية بخطاب ملك السعودية».
وأوضح أن «المصالحة مع قطر وكافة الدول العربية ستعود بالنفع على الجميع نظرًا للظروف والتطورات التي تمر بها المنطقة في هذه الأثناء»، وتوترت العلاقات بين دول الإمارات والبحرين والسعودية من جانب وقطر من جانب آخر، في مارس الماضي، على خلفية اتهام الدول الثلاثة لـ»قطر» بعدم تنفيذ اتفاق وقع في الرياض في نوفمبر الماضي.
من جانبه، أثني مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق على مبادرة خادم الحرمين الشريفين، وقال إنها «ليست مصالحة خليجية فقط بل مصالحة عربية شاملة جمعت بين دول الخليج ومصر، مقابل إلزام قطر بعدم التدخل في شئون مصر الداخلية وتحسين أداء «الجزيرة» بما لا يضر بالدول العربية.
وأضاف: «الإعلام المصري عليه المساعدة في نجاح اتفاق الرياض»، مطالبًا قطر بأن تلتزم بالمصالحة وأن تكف عن أن تصبح ملاذًا آمنًا لجماعة «الإخوان المسلمين».
وأوضح أن «مصر ليست ضد قطر ولكن الأخيرة هي التي تدخلت في شئون مصر الداخلية وتتدخل في ليبيا بشكل يهدد «أمن مصر»، مضيفًا إن «قطر أصابت أمن مصر الوطني دون مبرر وعليها أن تكف عن تلك التصرفات».
تغير الخطاب الإعلامي المصري:
وفي داخل مصر، توقع إعلاميون، أن يتغير الإعلام المصري في تناوله لقطر وقناة الجزيرة، فيقول بشير العدل مقرر لجنة الدفاع عن «استقلال الصحافة»، إن «رؤية الإعلام المصري ستتباين تجاه قطر بعد الاتفاق التكميلي في الرياض، إذ أنه من المتوقع أن يحدث تغير في خطاب الإعلام المصري بعد مخاطبة خادم الحرمين الشريفين للسلطات المصرية بمباركة هذا الاتفاق وموافقة مصر عليه».
وأعرب هشام قاسم الكاتب الصحفي عن بالغ سعادته بمناشدة خادم الحرمين الشريفين لمصر، قائلا»أنه أعطى لدولة مصر حجمها الحقيقي « وذلك لأن مصر لم تخطئ بحق قطر ولم تبدأ بقطع العلاقات الدبلوماسية فيما بينهما ولكن الجانب الآخر هو من قام بسحب سفراءه.
وأكد «قاسم» أن المصالحة المطروحة ليست مع مصر فقط ولكنها شاملة بماتحمله من قرارات وتعهدات لكافة الدول العربية مشددا على أن المنطقة لا تتحمل احتقانا أكثر من ذلك فهي بحاجه إلى التوافق والعمل في إطار منظومة متكاملة ومتناغمة.
وأشار»الكاتب الصحفي « إلى أهمية الإعلام وما افتعله من مشاحنات وزيادة التوترات بين الدولتين لذلك لم يغفلها الملك عبد الله في بيانه حيث طالب الإعلاميين بأن يكونوا معينا لتحقيق الخير ودفع الشر .
وقال «قاسم» إن بعض الإعلاميين الذين مازالوا يتطاولوا على الدول التي أصبحت صديقة مثل الدوحة ستتحرك دعاوى ضدهم من جانب الدولة وذلك وفقا للقوانين القائمة وليس من خلال سن قوانين خاصة كما أعطى لدولة قطر الحق فى ملاحقة الإعلام المصري وإعلامييه قضائيًا إذا استمروا على النهج الذي اتبعوه قبل المصالحة.
وحمّل «قاسم» بعض الإعلاميين تبعات كلامهم، مؤكدا على أن الدولة لن تقمع آرائهم ولكنها ستلاحقهم قضائيًا.
تجاوب قطر مع البيان:
وكانت المبادرة التى طرحها خادم الحرمين الشريفين قد لاقت قبولا مرضيا لدى وسائل الإعلام القطرية خاصة المقروءة منها في الصحف والمواقع الإلكترونية وأبرزها جريدة الراية والوطن والعرب القطرية والجزيرة نت ، حيث رحبت هذه الوسائل بالمبادرة ورأتها جهودا مشكورة لتوحيد الصف الخليجي حكومات، مؤسسات، وشعوبًا أيضًا في هذا الوقت الدقيق والمرحلة الحرجة التي يمر بها الشرق الأوسط كما رأتها ضرورة حتمية لمواجهة المستجدات الطارئة على الساحة السياسية والاقتصادية.
ولا ينكر أحد استجابة الصحف القطرية للمبادرة السعودية بعدد من الأخبار ومقالات الرأي التي تثني على جهود خادم الحرمين الشريفين ومساعي الدول العربية لتقريب وجهات النظر بين دول التعاون الخليجي.