عمرو عبد العاطي
مع تزايد تحديات الإخفاق الاقتصادي العالمي ،التي لها جل الأثر على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمواطني الدول الكبري ،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ،اهتم عدد كبير من الكتاب والمفكرين الاقتصاديين الأمريكيين والغربيين بمستقبل الاقتصاد الدولي ،واقتصاد الدول الكبري ،في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية التي تواجهها ،وهو ما حدا ببعض الكتاب إلى الذهاب بوصف الحالة الاقتصادية العالمية الآن بالخريف الحالي للاقتصاد الدولي .
ويعتقد بعض الاقتصاديين استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي ، بالإضافة إلى أن الاقتصادات الناشئة لا تزال تقود نسب النمو على مستوى العالم ،مثل الهند والصين ،اللتين حافظتا على نسب نمو تتراوح بين 9 % و10 % خلال السنوات الثلاث الأخيرة ،في حين تشارك الصين بنسبة 40 % من نمو الاقتصاد العالمي ،
دفع هذا الأمر معظم الاقتصاديين للبحث في كتب صدرت لهم خلال النصف الأول من العام الجاري عن أسباب هذا الإخفاق ،وتراجع القوة الأمريكية في مواجهة القوي الناشئة ،وعلى رأسها الصين والهند ،ليبدو الانقسام جليا بين المفكرين والكتاب ما بين فريق يري أنه بإمكان القوة الأمريكية استعادة مكانتها في مواجهة الاقتصادات الناشئة ،وفريق آخر يري أن العصر القادم هو عصر نهضة الاقتصادات الناشئة ،في إطار الحفاظ على ثلاثية النمو والنجاح المتمثلة في : تشجيع قيم الابتكار ،والتحفيز ،والمشاركة.
كيف تستعيد الولايات المتحدة قوتها الاقتصادية:قدمت القضايا الاقتصادية من أزمة الدين ،والبطالة ،والضرائب ،وخفض الميزانية ،والإنفاق الحكومي .. أجندة الانتخابات الرئاسية الأمريكية مما دفع عديدا من الكتاب والمفكرين الأمريكيين للبحث في كتبهم التي صدرت خلال هذا العام عن التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي ،ومحاولتهم تقديم حلول للتغلب عليها،ويأتي هذا تماشيا مع حالة القلق الأمريكية حول مستقبل الولايات المتحدة كقوة عالمية رائدة ،انطلاقا من قوة النموذج الاقتصادي الأمريكي ،
ويأتي على رأس هذه الكتابات كتاب بول كروجمان – الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد – الذي صدر أخيرا تحت عنوان \" انهوا هذا الكساد الآن \" ،طارحا فيه أهم الأفكار التي يمكن تبنيها في التعامل مع المشكلات الاقتصادية في الولايات المتحدة،وينطلق الكتاب من أن الاقتصاد الأمريكي يواجه حالة كساد واضح ،حتي وإن لم يصل إلى الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي،وقد أرجع الإخفاق الأمريكي في التعامل مع الأزمة الاقتصادية ،التي ضربت الاقتصاد الأمريكي منذ منتصف عام 2008، إلى الصراع والشد والجذب بين الجمهوريين والرئيس الأمريكي \" أوباما \" ،وهو الصراع الذي يقوض من الجهود الأمريكية للخروج من أزمتها الاقتصادية ،على الرغم من الجهود التي اتخذتها إدارة \" أوباما \" بضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي ،وهي خطوة يشيد بها الكاتب ،باعتبارها الدواء الناجع لأي أزمة اقتصادية،وأنهي كتابه بنصائح للإدارة الأمريكية الجديدة بخفض سعر الفائدة وأن تقدم الحكومة الفيدرالية الدعم إلى الحكومات المحلية التي تعاني من تداعيات الأزمة المالية ،وأخيرا مساعدة أصحاب الرهون العقارية على إعادة جدولة ديونهم ،وفقا لسعر الفائدة المنخفض حاليا.
وفي كتابه المعنون بـ \" الآن أو أبدا : إنقاذ أمريكا من الانهيار الاقتصادي \" ،يقدم \" جيم ديمينت \" تفسيرا لسبب التراجع الأمريكي على المستوى الاقتصادي ،والمتمثل في أن الولايات المتحدة لا تزال على حافة الانهيار المالي ،نتيجة للإنفاق الحكومي غير الرشيد ،والديون الأمريكية ،والأزمات المالية المتتابعة،وبالتالي ،فهي على شفا كارثة اقتصادية ،ما لم تحقق تغيرا جذريا للسياسات الحالية المتبعة،وأكد أن أسباب التراجع الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة ترجع بالأساس إلى السياسات التقدمية المتبعة ،والتي لا تقع أعباؤها على الديمقراطيين فقط ،فالجمهوريون أيضا مشتركون معهم في الخطأ ذاته ،والحل لا يكمن في الانتخابات بهزيمة ،أو تغيير حزب بعينه ،وإنما في تغيير السياسات المتبعة ، وقد اتفق معه \" جون تايلور \" بكتابه المعنون \" المبادئ الأولي : خمسة مفاتيح لاستعادة ازدهار أمريكا \" ،والذي يقدم من خلاله خطة واضحة لإعادة بناء مستقبل الولايات المتحدة الاقتصادي ،من خلال العودة إلى المبادئ الأساسية التي تأسست عليها الولايات المتحدة لضمان تخطي تحديات الركود الاقتصادي ،وعلى رأسها مناقشة مبادئ الحرية السياسية ،وسيادة القانون ،والاعتماد على الأسواق ،وتوفير حوافز قوية لتحقيق النهضة المنشودة ،
كذلك ،يتفق \" تايلور \" في كتابه مع معظم الكتابات الأمريكية التي تري أن السياسات التي تم اتباعها إبان الأزمة المالية بنهاية عام 2008 هي ما أدت إلى تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية في 2009، مؤكدا أن اتباع مبدأ الحرية الاقتصادية هو الكفيل بضمان النهضة الاقتصادية المنشودة ،ولكن لابد من توفير قدر من التنظيم ،وتوفير المهارات والتعليم اللازم للعمال لاكتساب المهارات المختلفة لتأمين القدرة على المنافسة،ودلل على ذلك بتجارب ريتشارد نيكسون في التدخل في الأجور والأسعار ،والتي وإن تم اتباعها الآن ،فقد تسهم في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي ،
ومن جانبه ،يري \" تشارلز جوايت \" ،من خلال كتابه \" تحطم الأحمر والأزرق : نحو استعادة الاقتصاد الأمريكي الحر \" ،أن الأنفاق الأمريكي غير الضروري هو ما أدى إلى تدمير ثروتها الاقتصادية ،وغرق الحكومة في المزيد من الديون ،وهو ما أدى في النهاية إلى الانخراط في حروب غير معلنة على حساب الشعب وازدهاره،ويخلص في كتابه إلى أن الحل يكمن في تخلي الحكومة عن الإنفاق الحكومي المفرط وغير الفعال ،والسماح للاقتصاد الحر بأداء وظيفته ،كما كان مقصودا منه في الأصل ،
عصر الاقتصادات الناشئة :
يؤكد فريق آخر من الكتاب الغربيين أن العصر القادم هو عصر نهضة الاقتصادات الناشئة بقيادة الصين ،والهند ،وكوريا الجنوبية في إطار حفاظ تلك الاقتصادات على ثلاثية النمو والنجاح ،المتمثلة في : \" تشجيع قيم الابتكار والتحفيز والمشاركة \". واهتمت تلك الكتابات بالإجابة على سؤالين مركزيين ،مفادهما : \" ما هي الآثار المترتبة على تغيير توزيع القوة العالمية من الغرب إلى الشرق ،وكيف تتأثر بالواقع الجديد سياسيا \" \" هل يمكن للصين أن تحتل مركزية دور الولايات المتحدة في إدارة شئون العالم \"
وقد أتي على رأس هذه الكتابات كتاب كل من \" دارون أسيموجلو ،وجيمس روبنسون\"
صول القوة ،الرخاء ،الفقر\" ،والذي يؤكدان من خلاله أنه بالاستناد إلى خمسة عشر عاما من البحوث ،وجمع ودراسة العديد من الأدلة التاريخية ، فقد توصلا إلى أن تشجيع قيم الابتكار والتحفيز والمشاركة،يعد ثلاثية النجاح لأي أمة للنهوض ،ومن ثم بناء نظرية جديدة في الاقتصاد السياسي ،مفادها أن المؤسسات السياسية وكذا الاقتصادية تكمنان معا وراء النجاح الاقتصادي ،ولا تعمل إحداهما بمعزل عن الأخرى.
واستمرارا للسياق البحثي نفسه بمحاولة رصد ودراسة أسباب صعود الاقتصادات الناشئة ،يأتي كتاب \" روشير شارما \" المعنون بـ \" اختراق الأمم : سعيا نحو المعجزات الاقتصادية القادمة \" ،محاولا من خلاله اكتشاف العوامل الكامنة وراء القوي الاقتصادية الناشئة ،مشيرا إلى أن الأسواق الناشئة تستعد للمنافسة بقوة ،خاصة دول البريكس BRICS (البرازيل ،روسيا ،الهند ،الصين ،جنوب إفريقيا ). ويقول إنه بعد مرور ما يقرب من عشرين عاما على هذه البلدان ،ودورها المتواضع في الاقتصاد العالمي ،فإنها في غضون عشرين عاما أخري من الآن ،سوف يتخطي اقتصاد الصين اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ليصبح الاقتصاد الأكبر في العالم ،وسوف يحتل الاقتصاد الهندي المرتبة الثالثة في الترتيب الاقتصادي العالمي،ويذكر في كتابه أن دولا عرفت بأنها من الاقتصادات ذات الدخل المتوسط ،مثل المكسيك وإندونيسيا وتركيا ونيجيريا ،في طريقها للمنافسة وبقوة اقتصاديا على المسرح الدولي ،وهو ما يجب دراسته من خلال نقاط محددة ،تتمثل في آفاقها وإنجازاتها والأخطاء الواردة في هذه التجارب والتهديدات التي يواجهونها.
خلاصة القول ،يتفق كافة الكتاب الغربيين، وعلى رأسهم الأمريكيون ،على أن النجاح الأمريكي في الخروج من أزمته المالية مرتبط بكبح جماح الحكومة الأمريكية في الإنفاق الخارجي ،ووضع نهاية للتدخلات الأمريكية في الدول الأخري ،قبل أن تلقي الولايات المتحدة نفس مصير الإمبراطورية الرومانية ،وفرنسا بقيادة نابليون، والاتحاد السوفيتي السابق،وأكدوا أن عدم الاستفادة من دروس الماضي والاستمرار في الإنفاق الحكومي المتهور على حروب لا طائل منها وغير حكيمة في الوقت ذاته ،أدى إلى وجود حالة من التلاعب المالي الذي أدى إلى خفض قيمة الدولار الحقيقية ،وهو ما سوف يقود الأمة الأمريكية نحو حافة الخطر الاقتصادي القادم.
وفي موازاة ذلك ،فإن الاتجاه نحو تحقيق ونشر قيم التحفيز والابتكار ،وضرورة جذب الاستثمارات للدول المختلفة ،هو السبيل لتحقيق النمو والازدهار بها ،والانتقال من وهدة الفقر إلى الرخاء والتقد.