[COLOR=blue]الشاعر والأديب / إبراهيم الوافي [/COLOR]
أخذت مقعداً واستحالتْ على الرقصِ
ياشاعراً أطعمتهُ
المطارات ضوضاءَها
قم نغني لعصفور نافذة لاينام
الكتابة عن مدينة خارطة بلا ألوان ، وضبابٌ لاتفزعه الشمس المطلّة من وراء الليل نهارًا جديدًا بلا نبوءة ، إنها ورطة الشاعر حين تكون ضوء الرحالة والمكتشفين ..فــ ( ينبع ) مثلا مدينة الطفولة ، بشقيها ( ينبع النخل ) حيث السباق الرؤيوي فيها بين النخيل ومآذن القرى المسالمة ، حين غادرتُها أول الضوء خاويا إلا من ملامحي ، وهاربًا إلا من رؤيا أبي ومقارناته المتعبة جدا بيني وبين عمتي النخلة ..ثم ( ينبع البحر ) تلك المدينة النائمة في بركة الغروب ، برغم رطوبتها الشديدة ، لا أراها تستجمع الملح في جبين البحارة ، ولا تشي للنوارس بحفلات الأسماك الصغيرة ، فتركتها حيث الرياض بليلها الشتوي القصير الطويل الذي يمتد من أذان العشاء حتى صلاة الظهر بكل ما يعتريه من عبوس صباحات الاشارة وجفاف النظرات ، أو صيفها الذي يقدم الغداء عشاءً لا يغويني البرد بالدفء ولا ( الطعوس المقمرة ) بالحنين .. حتى جدة حيث ينبت البحر في رواشينها القديمة وحاراتها وجلجلات السقا حينما كنت في الرابعة من عمري ، أو حتى لعاب الطريق التي تلعق الايسكريم في (حمرائها) حين كنت فتى في مقتبل العشق لا تثير في فضول الاسهاب في التذكر..المدن مثل الوجوه ملامح مختلفة وكثيرة وسحنات من الجمال والقبح، ندوب هنا ومنعطفات هناك، مطاعم، حفلات، أمسيات، شعراء، أصدقاء حتى بيروت التي أنثها نزار وتزوجتُها زمنا في غفلة منه لم تغوني بالنزول في بحر العشق او التذكر المطلق..لكن مدينة هناك تجهل فمي حينما أجهل صوتها مدينة في أقاصي الشرق يسمونها في خارطتهم (جاكرتا) غامرت فيها بظلي ودخلت شوارعها الخاصة التي تعج بالملاجئ الصغيرة.. كان الجميع يحدثني دون ان أفهمه، الجميع يتسولني دون ان يبوح.. الفقر هناك خائف جدا من القتل حين لمح عربيا من أحفاد عمر بن الخطاب ، تلك الشوارع الصغيرة المليئة بالأحلام الضالة ، والطفولة المنتهكة ، والجوع الذي يأخذ كرسيّه في وسط الدهشة ممسكا (بشيشته) و من حوله أطفال عرايا يشعلون له جمر الاستجداء الصامت .. هناك فقدتُ ظلي وغامت السماء وعدت بذاكرةٍ حبلى بمدنٍ تأمر أهلها بالنوم المبكر فلا يأتيهم الصباح.