الأرشيف دولية

كيف ساءت أحوال العولمة؟

إن شرور العولمة اليوم أكثر خطورة من أي وقت مضى، بدءاً من الإرهاب وصولاً إلى الاحترار العالمي .لماذا ساءت الأمور؟ لأن العالم أصبح خاضعا لقوة عظمى واحدة .لا يمكن للعالم أن يصبح مكانا أكثر أمانا إلا من خلال تصحيح هذا الاختلال في التوازن .
بقلم ستيفن ويبر، ونازنين بارما، وماثيو كرونيغ، وإلاي راتنر إن العالم اليوم أكثر خطورة وفوضى مما كان يفترض به أن يكون .قبل ١٠ أو ١٥ عاما، سادت توقعات ساذجة بأن \" نهاية التاريخ \" باتت وشيكة .لكن الحقيقة كانت مغايرة .فالعالم يعاني من الإرهاب العالمي وانتشار الأسلحة النووية اليوم أكثر مما كان عليه عام .١٩٩٠ والمؤسسات الدولية أضعف، كما أن خطر الأوبئة والتغيرات المناخية أكبر، والشقاقات ذات الطابع الإيديولوجي الديني والثقافي أكثر حدة، والنظام المالي العالمي أكثر اختلالا وتزعزعا .لم يكن من المتوقع أن تكون الأمور على هذه الحال .فقد كان يفترض بنهاية الحرب الباردة أن تجعل إدارة السياسة والاقتصاد العالميين أسهل، وليس أصعب .لماذا ساءت الأمور؟ الخبر السيئ في القرن الحادي والعشرين هو أن للعولمة مساوئ كثيرة .فسفن الشحن التي تنقل بضائع مصنوعة في الصين من وإلى الولايات المتحدة تحمل أيضا مخدرات .والطائرات التي تنقل الركاب من دون توقف من نيويورك إلى سنغافورة تنقل أيضا أمراضا معدية .وقد تبين أن شبكة الإنترنت أيضا قادرة على نشر الإيديولوجيات الفتاكة والمتطرفة بقدر ما يسعها نشر التجارة الإلكترونية .الاعتقاد السائد هو أن أكبر تحد في الجيوسياسة اليوم هو إدارة هذا الجانب السيئ من العولمة، والحد من المسافرين غير الشرعيين الذين يستغلون الانفتاح وسهولة التنقل والحرية، من دون عرقلة الأمور كثيرا .وتقضي الاستراتيجية الأمريكية الحالية بتشجيع التجارة والتواصل والانفتاح وتوسيع الأسواق .وتقوم أمريكا بذلك لسبب وجيه ـ إنها تستفيد من العولمة أكثر من أي بلد آخر في العالم .وهي تقر بالجانب السيئ للعولمة لكنها تعزوه فقط إلى
السلوك الاستغلالي للمجرمين والمتطرفين دينيا وعناصر شاذة أخرى يمكن التخلص منها .وتقول أمريكا بكل صراحة إنه يمكن الحد من الجانب السيئ للعولمة من خلال توسيع النفوذ الأمريكي، أحيانا من طرف واحد وأحيانا أخرى من خلال مؤسسات متعددة الأطراف، بحسب ما تفضله الولايات المتحدة .بعبارات أخرى، فإن أمريكا تهدف إلى عالم معولم \" مسطح \" تنسقه قوة عظمى واحدة .
هذه مهمة شيقة إن كان بالإمكان إنجازها .لكن من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع ذلك .ليس فقط لأن بلدانا أخرى لن تسمح بذلك، بل الأهم من ذلك، لأن نمط التفكير هذا مشوب .للهيمنة الأمريكية منافع كثيرة، لكن إدارة العولمة ليست واحدة منها .إن حرية تحرك الأفكار ورؤوس الأموال والتكنولوجيا والأشخاص ليست بالأمر الجديد، على عكس التقدم السريع لمساوئ العولمة .وقد بدأ معظم هذا التقدم منذ عام .١٩٩٠ لماذا؟ لأن النظام الدولي هو الذي تغير جذريا في تسعينات القرن الماضي .لأول مرة في التاريخ الحديث، تجري العولمة في عالم ذي قوة عظمى واحدة فقط .وقد اكتشفنا في السنوات الـ ١٥ الماضية أن هذا مزيج خطر .فالتأثيرات السلبية للعولمة منذ عام ١٩٩٠ ليست متأتية من العولمة نفسها .إنما هي من مساوئ الهيمنة الأمريكية .
مخاطر القطبية الأحادية
تفسر فكرة منطقية بسيطة في علم اقتصاد السوق لماذا لا يمكن التوفيق بين القطبية الأحادية والعولمة .فالاحتكار، بغض النظر عن المحتكر، سيئ دائما للسوق والمحتكر على حد سواء .لذا نقدم ثلاث مسلمات أساسية تظهر لما تنطوي \" العولمة في ظل القطبية الأحادية \" على مخاطر .المسلمة الأولى : إن تخطى النفوذ مستوى معينا، فإن معدل نشوء المشاكل العالمية الجديدة سيفوق معدل حل المشاكل القديمة .
للنفوذ تأثيران على السياسة الدولية : إنه يعزز قدرة الدولة على القيام بالأمور، لكنه يزيد أيضا عدد الأمور التي يجب أن تقلق الدولة بشأنها .في مرحلة ما، يبدأ القلق بالتفوق على قدرة الدولة على القيام بالأمور .إنه قانون العائدات المتناقصة المألوف .
لأن الدول القوية تتمتع بدائرة نفوذ كبيرة ولأن أمنها ومصالحها الاقتصادية تؤثر على كل منطقة في العالم، تواجه خطر أن تسوء الأمور ـ في أي مكان .وهذا ينطبق بالأخص على الولايات المتحدة، التي تعزز قدرتها على الذهاب إلى أي مكان والقيام بأي شيء من خلال الديون الهائلة .لا أحد يعرف تماما متى سيبدأ قانون العائدات المتناقصة بالتأثير على مجرى الأمور .لكن تاريخيا يبدأ ذلك بالحصول قبل أن تسيطر قوة عظمى واحدة على الكوكب بأسره بوقت طويل، ولهذا السبب لطالما بلغت الإمبراطوريات الكبيرة، بدءا من الإمبراطورية البيزنطية وصولا إلى الإمبراطورية الرومانية، نقطة يستحيل بعدها الاستمرار بالمنحى نفسه .
ربما يحصل ذلك للولايات المتحدة اليوم، في مسائل تتراوح بين التبعية النفطية وانتشار الأسلحة النووية والأوبئة والاحترار العالمي .ما تطلعنا عليه المسلّمة الأولى هو أن الحل لا يكمن في المزيد من النفوذ الأمريكي؛ إنما هو جزء من المشكلة .فمن شأن عالم متعدد الأقطاب أن يعالج المشاكل العالمية الملحة بشكل أكثر فعالية .كلما ازداد عدد القوى العظمى في النظام العالمي، ازدادت فرص سيطرة إحداها على الأقل على مساحات جغرافية ودول أخرى ومشاكل أخرى .هذا المنطق ليس قائما على مفاهيم تفاؤلية بأن القوى العظمى ستضافر جهودها .قد تفعل ذلك .لكن حتى لو لم يحدث ذلك، فإن النتيجة هي توزيع الأدوار القيادية، حيث تكون إحدى الدول العظمى مهتمة بمختلف أنحاء العالم من خلال التنافس البناء .المسلمة الثانية : في عالم تتشابك
فيه المصالح، تصبح الأماكن التي ليست ضمن أي من هذه المصالح مصدر خطر كبير ـ وتزداد الأماكن الخارجة عن نطاق السيطرة إن لم يكن هناك سوى شبكة مصالح واحدة يمكن الانضمام إليها .
تفيد المسلمة الثانية بأن شبكات المصالح يمكن أن تكون فعالة ومتينة ومرنة في مواجهة الأزمات .لكن في عالم تكثر فيه شبكات المصالح، فإن الأماكن التي لا تنتمي إلى أي من الشبكات تصبح أكثر انعزالا عن منافع تواصل الشبكات .هذه المشاكل تظهر بشكل دول فاشلة، وتتحول مثل البكتيريا المسببة للأمراض، وفي بعض الحالات، تكوّن شبكاتها الخاصة الخفية مثل تنظيم القاعدة .والأماكن الخطرة فعلا هي النقاط التي تتصل فيها هذه الشبكات السرية بالسياسات السائدة والاقتصاد العالمي .
ما جعل أفغانستان مكانا خطرا في ظل حكم الطالبان ليس كونها دولة فاشلة، فقد كانت دولة فاشلة جزئيا ومتصلة جزئيا بالعالم من خلال ثغرات العولمة المرتبطة بتجارة المخدرات والتزوير والإرهاب .
هل يمكن لقوة عظمى واحدة أن تراقب كل ثغرات العولمة وأزقتها الخلفية؟ هذا مستبعد .في الواقع، من غير المرجح أن تمعن قوة مهيمنة واحدة في النظر إلى هذه المشاكل، لأن مسائل أكثر إلحاحا تحدث في أماكن أخرى، حيث تنمو التجارة والتكنولوجيا .
في المقابل، فإن عالما مؤلفا من عدة قوى عظمى سيشكل بيئة تكثر فيها الاهتمامات حيث يجدر بالدول أن تبحث في أماكن أقل بديهية لإيجاد مصادر جديدة تمنحها الأفضلية .في نظام كهذا، يصعب على مثيري المتاعب البروز، لأنه يمكن السيطرة على ثغرات العولمة من خلال علاقات أكثر متانة .
المسلمة الثالثة : إن لم تتسن لأخصام القوة العظمى إمكانيات إيجاد حلفاء نافعين لمواجهتها، سيحاولون تقويض نفوذها من خلال العمل السري أو التسلح النووي أو تحولهم إلى \" أشرار \" .
تتمحور المسلمة الثالثة حول الاستراتيجيات المفضلة لدى الضعفاء .من بديهيات العلاقات الدولية أن تحاول الدول إحداث توازن في القوى .فتحمي نفسها من خلال الانضمام إلى مجموعات تستطيع التصدي لخطر استبدادي .لكن ماذا يحدث إن لم تكن هناك مجموعة موثوقة يمكن الالتحاق بها؟ في عالمنا أحادي القطبية الآن، تبحث كل الدول، بدءا من فنزويلا وصولا إلى كوريا الشمالية، عن طريقة لكبح النفوذ الأمريكي .لكن في عالم أحادي القطبية، من الأصعب على الدول أن تتضافر للقيام بذلك .لذا تلجأ إلى أساليب أخرى .وتلعب لعبة مختلفة .فحماس وإيران والصومال وكوريا الشمالية وفنزويلا لن تصبح حليفة في المستقبل القريب .ويستحسن بكل منها إيجاد طرق أخرى لتصعيب الأمور على واشنطن .التسلح النووي هو إحدى تلك الطرق .وتزوير العملة الأمريكية هو طريقة أخرى .ولعل إثارة الشكوك بشأن مخزون النفط هي الطريقة الأكثر بديهية .
إليكم أهم سيئة للعولمة أحادية القطبية .في عالم متعدد القوى العظمى، سيكون الكثير من هذه التهديدات أقل إثارة للمتاعب .فالدول الضعيفة نسبيا سيتوجب عليها اختيار حلفاء بين الشركاء المحتملين، معززة نفوذهم .من دون هذا الخيار الأكثر جاذبية، يصبح تسهيل الجانب السيئ من العولمة الوسيلة الأكثر فعالية لكبح النفوذ الأمريكي .
تشارك عبء العولمة
إن العالم يدفع ثمنا كبيرا لعدم الاستقرار الناتج عن تضافر العولمة والقطبية الأحادية، والولايات المتحدة تتحمل معظم العبء .لنأخذ على سبيل المثال انتشار الأسلحة النووية .ثمة سوق خاصة بالتسلح النووي، ذات عرض ( دول مستعدة لتشارك التكنولوجيا النووية ) وطلب ( دول تسعى جاهدة للحصول على الأسلحة النووية ) .وتداخل القطبية الأحادية والعولمة يزيد العرض والطلب على حد سواء، على حساب الأمن القومي الأمريكي .
لقد أصبح رائجا في أعقاب حرب العراق التعليق على محدودية القوة العسكرية التقليدية .لكن معظم هذه التحاليل مبالغ بها .قد لا تكون الولايات المتحدة قادرة على إرساء الاستقرار في العراق وإعادة بنائه .لكن هذا لا يهم كثيرا من منظور حكومة تظن أن البنتاغون يستهدفها .في طهران وبيونغ يانغ والكثير من العواصم الأخرى، بما فيها بكين، المسألة واضحة : بإمكان الولايات المتحدة القضاء على تلك الأنظمة إن أرادت ذلك، بالوسائل العسكرية التقليدية .ما من دولة في العالم تحلم بتحدي القوة العسكرية الأمريكية .لكن يمكنها أن تأمل ردع أمريكا عن استعمالها .وأفضل رادع حتى الآن هو التهديد برد نووي .قبل عام ١٩٨٩، كان بإمكان الدول التي تشعر بأن الولايات المتحدة تهددها اللجوء إلى مظلة الاتحاد السوفييتي النووية لحمايتها .والآن تلجأ
إلى أشخاص مثل عبد القدير خان .في الماضي، كان امتلاك الأسلحة النووية من الكماليات .واليوم بات ضرورة .
وكوريا الشمالية هي خير مثال على ذلك .قلة من البلدان كانت بحالة أسوأ خلال الحرب الباردة .فقد كانت كوريا الشمالية محاطة بالدول الشيوعية المسلحة نوويا والمتنازعة، وكانت في حرب مع جارتها الجنوبية، وكان عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين
منتشرين على حدودها .لكن طيلة ٤٠ عاما، لم تسعَ كوريا الشمالية للحصول على أسلحة نووية .لم تكن بحاجة إلى ذلك، لأنها كانت تعتمد على المظلة النووية السوفييتية .وبعد خمس سنوات من انهيار الاتحاد السوفييتي، راحت بيونغ يانغ تستثمر في مرافق لإعادة معالجة البلوتونيوم .وعندما أعدت إدارة الرئيس بيل كلنتون خططا لشن هجوم وقائي على المنشآت النووية لكوريا الشمالية، لم يرف لمؤسسها، كيم إيل سونغ، جفن .وقد أثمرت سياسة دفع الأمور إلى حافة الهاوية التي اتبعها .اليوم تعتبر كوريا الشمالية قوة نووية .كيف يمكن أن تكون الأمور مختلفة في عالم متعدد الأقطاب؟ أولا، يمكن للقوى العظمى أن تتقاسم عملية ضبط الانتشار النووي، وأن تتعاون حتى في بعض القضايا الصعبة .غالبا ما يُنتسى أنه، خلال الحرب الباردة،
كانت الدولة الوحيدة ذات سياسة الحد من الانتشار النووي الأكثر قساوة من سياسة الولايات المتحدة هي الاتحاد السوفييتي .ما من بلد أقام حلفا سابقا مع موسكو أصبح قوة نووية .فقد كانت أوروبا الشرقية مليئة بالبلدان ذات القدرات التكنولوجية المتقدمة في كل المجالات ما عدا واحد ـ وهو التسلح النووي .ما كانت موسكو لتسمح بذلك بكل بساطة .لكننا اليوم نرى مستوى الجهود غير المتكافئ وغير الكافي الذي تكرسه القوى غير العظمى لوقف الانتشار النووي .فالأوروبيون يحاولون إغراء إيران،
لكنهم غير مستعدين لاستعمال القوة .والصينيون يرفضون الإقرار بأن هناك مشكلة .والروس يساعدون إيران لتحقيق مطامحها النووية .عندما يجد الجد، فإن مسؤولية الحد من انتشار الأسلحة النووية تقع كليا على كاهل أمريكا .وينطبق الأمر نفسه على الصحة العامة العالمية .فالعولمة تحول العالم إلى مرتع لتكاثر الجراثيم المعدية .والبشر لا يستطيعون التحايل على الأمراض لأنها تتطور بسرعة كبيرة .فالبكتيريا تستطيع توليد جيل جديد في أقل من ٣٠ دقيقة، في حين يستغرقنا إيجاد جيل جديد من المضادات الحيوية عقودا .ولا تتوفر الحلول إلا عندما وحيثما نكون في موقع السيطرة .فالبلدان الفقيرة حيث يعيش الناس بالقرب من الحيوانات الداجنة هي الأماكن التي يسهل فيها نشوء أمراض حيوانية المصدر عالية الخطورة .وغالبا ما تكون هذه البلدان بالتحديد هي التي تشعر بأن النفوذ الأمريكي يهددها، وليس هذا من قبيل الصدفة .إن إنشاء نظام للإنذار المبكر من هذه الأمراض ـ وهو تماما ما كنا نفتقر إليه عند تفشي مرض السارس قبل بضع سنوات وتماما ما نفتقر إليه في مواجهة إنفلونزا الطيور اليوم ـ سيتطلب تدخلا كبيرا في الأماكن نفسها التي تعترض على ذلك .وهذا سيبقى قائما طالما أن التدخل الدولي يعني تدخلا أمريكيا .
إن المصادر الأكثر احتمالا لنشوء الوباء التالي الشبيه بإيبولا أو فيروس الإيدز هي البلدان التي لن تسمح للولايات المتحدة أو غيرها من الوكالات الغربية، بما فيها منظمة الصحة العالمية، بدخولها .لكن الخطر لا يزال غير واضح وبعيدا جدا لحث الغرب على ممارسة الضغوط عليها .ما نحتاج إليه هو أن تتحمل قوة عظمى أخرى جزءا من العبء، قوة ذات مصالح أكثر إلحاحا في البلدان التي تنشأ فيها هذه الأوبئة، وقوة ينظر إليها على أنها أقل تهديدا .طالما أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة، من غير المحتمل أن نحظى بأية مساعدة .حتى بعد فيروس الإيدز والسارس وعدة سنوات من الهلع المتزايد بشأن إنفلونزا الطيور، ما زال العالم غير مستعد لوباء فيروسي في جنوب شرق آسيا أو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى .ولا يمكن لأمريكا أن تغير ذلك
بمفردها .
يسود إجماع اليوم في الأوساط المعنية بالسياسة الخارجية الأمريكية بأنه كلما ازدادت قوة أمريكا، كان الوضع أفضل؛ في جميع الحالات؛ سواء بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو بقية العالم .فوثائق \" استراتيجية الأمن القومي \" التي أعدت عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٦ ترسخ هذا الإجماع بعبارات مثل \" توازن قوى لصالح الحرية \" .التعريف الواضح لكلمة \" توازن \" بحسب هذه الاستراتيجية هو عدم توازن متواصل، فيما تستمر الولايات المتحدة \" بإثناء المتنافسين المحتملين …عن تحدي الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها \" .
إن القوة الأمريكية ليست أمرا سيئا بحد ذاتها .وليس صحيحا أيضا أن لا شيء جيد يمكن أن يتأتى عن الأحادية القطبية .لكن مساوئ عدم توازن القوى كثيرة .هذه النظرة ليست جديدة .فهي عريقة في تاريخ الفكر السياسي الخارجي الأمريكي .إنها
وجهة النظر التي قدمها جورج كينان في أواخر أربعينات القرن الماضي عندما تكلم عن حسنات نشوء قوة عظمى أوروبية لكبح الولايات المتحدة .مع أن المسائل اليوم مختلفة عما كانت عليه في أيام كينان، لا يزال صحيحا أن النفوذ المفرط قد يؤدي إلى التطاول، كما كان كينان يعتقد، وقد يؤدي أيضا إلى الغطرسة واللامبالاة بهموم الآخرين .مع أن كينان كان متبصرا عندما عبر عن هذه المخاوف، ما كان بإمكانه التنبؤ بمدى الاختلال وعدم الاستقرار الذي ستؤدي إليه الأحادية القطبية الأمريكية عند اقترانها بالعولمة في عصرنا اليوم .
لقد تحملت أمريكا هذا العبء الخطير طوال السنوات الـ ١٥ الماضية لكنها لا تزال ترفض رؤية الأمور على حقيقتها .إن المشاعر المناهضة للعولمة تأتي اليوم من الجناحين اليميني واليساري .لكن من خلال لوم العولمة على مآسي العالم، تتجاهل الأوساط المعنية بالسياسة الخارجية جزءا كبيرا جدا مما يقوض إحدى النزعات الأكثر تفاؤلا في التاريخ الحديث ـ وهي إعادة ربط المجتمعات والاقتصادات والأدمغة التي فرقتها الحدود السياسية لمدة طالت أكثر مما يجب .
لا يمكن لأمريكا منع نشوء قوة عظمى أخرى إلى ما لا نهاية .لكن، في عالمنا المتشابك الذي يعتمد بعضه على بعض، فإن حدثا كهذا ليس بالأمر السيئ كليا .ومن شأن تغيير موازين القوى العالمية أن يساعد الولايات المتحدة على إدارة بعض العواقب الأكثر خطورة وكلفة بالنسبة إلى العولمة .مع تكافؤ الفرقاء على الساحة العالمية، فإن نطاق هذه المشاكل، والخطر الذي تشكله على أمريكا سيتضاءلان حتما .عندما يحدث ذلك، ستجد الولايات المتحدة أن حمل عبء العولمة بات أسهل بكثير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *