سيب وأنا أسيب!
في صغرنا كنا أنا وأختي الحبيبة نمسك بشعر بعضنا البعض لوقت يصل أحيانا إلى ساعة كاملة ونكرر كل برهة وسط دموعنا “سيبي وأنا أسيب” في موقف يخسر فيه كلا الطرفين فلا هي تفلت شعري ولا أنا أتنازل أن أكون أول من يفلت. ويستمر بذلك الشد حتى الانهيار وبعدها يستمر الحقد بيننا ليوم أو يومين – ولا بأس فقد رفع عنَا القلم- ولكن ما تلبث أن تعود المياه لمجاريها فنحن في النهاية أخوة!.
مشهد مضحك مبكي أكاد أجزم أنه يتكرر في كل بيت فيه أخوات وأخوان. وبطبيعة الحال فإنه من السهل أن نتفهَم وجود صفتي العناد وقصر النظر عند الأطفال فهم في مرحلة لا يزالون يختبرون الصفات مرة ومرتين وعشر قبل أن يتمكنوا مع الوقت وبالحكم على نتائج التجارب من انتقاء ما يخدم مصالحهم من هذه الصفات ويحقق أقل الأضرار وبالتالي اكتسابها. ولكن ما هو أسهل رؤيته في زمننا هذا في حين أن تفهُمه ممتنع هي مشاهد لبالغين أشدَاء منهم من يحمل شهادات علمية عالية ومنهم من وصلت به المناصب والرتب أعلاها حتى أن منهم من حفظ كتاب الله، وقد ردُوا الصاع بالصاع أو صاعين! فهذا يبرر إيذاءه لجاره بأن الأخير هو الباديء وهذا يتقوَل ويكذب ويشتم ويسيء لطائفة بأكملها فقط لأن أفرادا منها فعلوا المثل وأحزاب تبيد أخرى ودول تغتصب شعوبا وأراض منطلقين من نفس المبدأ “هم بدأوا، وهم يكرهوننا، وهم قالوا عنَا، وهم سرقوا منَا..” في واقع سوقي همجي غوغائي دموي لا يستمر لساعة أو ساعتين فحسب ولا تمتد عواقبه ليوم أو يومين بل عقود يتغلغل بين أجيالها الكره والحقد كالطاعون لا يتركهم إلا وقد دمرهم! وشتان بين هذا وذاك فما يجنيه البالغون المحاسبون على أقوالهم وأفعالهم لا يمت لبراءة الأطفال بصلة غير أن هؤلاء جمعوا بين سذاجة الصغار وبطش الكبار فقد أبوا أن يكبر فيهم إلا بنيتهم الجسدية وظلت عقولهم تحت وطأة “سيب وأنا أسيب”. وبالنتيجة تستمر الصراعات الإنسانية من أصغرها وحتى أكبرها تدور في حلقة مفرغة ليس لها نهاية إلا أن ينتهوا. فهل أنتم منتهون؟
وقفة: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرد الإساءة بالإحسان ولنا في ذلك دروس وعبر في التخطيط وبعد النظر.
التصنيف: