يا ولد أمه
تخيل أن طفلاً وديعاً يمارس طفولته في أحضان والدته ( المرأة ) ، ثم في موقف ما .. في زمن ما .. يخاطبه والده بكل ازدراء ويقول له ( يا ولد أمه ) .. ثم أخذ يتكرر ذات الموقف وذات الانتقاص وبذات العبارة ، ماذا تفهم من هذا ؟ قل ذلك بصراحة .. أليس هذا مما يغرس مفهوم دناءة المرأة في وعي الطفل حتى وإن كانت أمه ؟ تذكر أن الأب في كل مرة يقول فيها تلك العبارة كان ينتقص ويقلل من قيمة الولد ، إن هذا ليس إلا نمطاً بسيطا من أنماط الانتقاص القائم اليوم من قيمة المرأة ومما يمارس على نطاق واسع في المجتمع ومما يتوارثه الآباء عن الأجداد ، وهو لا محالة مما سيورثه جيلنا للجيل الذي بعده ما لم يكن هناك جهود صادقة لإحداث قطيعة تامة بين هذه الربط الذهني الجمعي بين قيمة المرأة وبين مفهوم الدونية والانتقاص هذا ، يتبناها المجتمع بكل فئاته بما يشمل كذلك كل الأنماط الثقافية ذات الصلة بهذا النسق،بيد أن الجزء الأكبر من المشكلة ومما يورد البعض لليأس والخيبة أن من يقف أحياناً حائلاً لتحقيق آمال تغيير تلك الأنماط الذهنية الموروثة هو المرأة نفسها ! فكثير من النساء انسجمن مع واقع دونيتهن ووهم نقيصتهن ودنو منزلتهن واعتبار قيمتهن ، فأصبحن هن التحدي الأكبر أمام تفكيك هذا الوعي السلبي بكل أسف ، ولكم سمعنا عن إحداهن تتمتم بأمثلة شعبية على مسامع بناتها من مثل ” هم البنات للممات ” و ” وصوت حية ولا صوت بنّية ” والولد بالمدح والبنت بالردح ” وغيرها مما يكرس هذا الانطباع الجمعي حتى في ذهنية المرأة ذاتها ، بل إن بعضهن إن وجدت في نفسها اعتزازاً أو نشوة من نجاح قالت : أنا بنت رجّال ” أو ” أخت رجال ” وكأنها تتنكر لجنسها بأنها أكرم وأعز وأشرف بالإحالة إلى الرجل متجاوزة كينونتها ووجودها ، فإن كانت المرأة في الأصل مصدقة تماماً لهذه الدرجة المتدنية لقيمتها! فما على الرجل إلا أن يكون ملبياً لتلك القناعة ، مستأثراً دائماً بكافة أدوار الكمال .
ليس من صالح المجتمع أن تبقى الأمور على هذا التنميط الفكري ، وذلك لسببين ، الأول أن هذا الإجحاف ( الموروث ) يعد من النهج المخالف للدين ، فأيما مجتمع تستعمره مفاهيم الظلم والطغيان ويغدو نصفه مكرماً والآخر مهاناً لابد وأن يتشوه ، والمشوه لا يمكنه أن يعيش طويلاً ، حتى وإن عاش فلن يكن أبداً قرير العين ومطمئناً ، الأمر الذي يقودنا للسبب الثاني ، وهو أن الأوضاع المهينة للمرأة في أي بلد ، وفي أي مجتمع إسلامياً كان أو غير إسلامي عادة ما تكون مدعاة لجذب المتاجرين بقضاياها ، والباحثين عن الاستثمار في معاناتها ، بدعاوى مناهضة التمييز ضدها ، والتي ليست على الحقيقة ( ولا أعمم ) سوى توظيفاً دعائياً لقصص معاناة المرأة المعنفة أو المهانة أو المحرومة ، الغرض منه ( لا أقول تغريب المرأة كما يحلو للبعض توصيفه لأن المرأة الغربية ذاتها تتعرض معاناتها لذات التوظيف الدعائي أيضاً ) إنما تجاري بحت ، فكما تحاول بعض المؤسسات الإخبارية الاستثمار في صور ومشاهد الحروب لجذب التمويل الإعلاني ، فإن الكثير من القنوات الاجتماعية والمهتمة بالقضايا الإنسانية كذلك لا هم لها غير البحث في بؤر المجتمعات التي لا تقيم وزناً لقيمة الإنسان والنبش فيها عن قصص مثيرة وأوضاع مزرية تغطي بها مساحات واسعة من البث بأساليب وتقنيات ملفتة ، ليس من أجل حماية الضحايا إنما لذات الهدف الاستثماري أعلاه ، والمعنى من هذا كله .. إن إعادة مكانة المرأة وإنصافها قولاً وعملاً سيكون من شيمته لا محالة قطع دابر هذا الاستغلال التجاري الذي يحاول المستثمرون تغليفه بمبادئ وقيم .. أصلاً مجتمعنا هو الأولى بها ، كان يفترض به أن يكون الأكثر تمسكاً وحرصاً عليها ، لأنها تنبع من ضميره ، الإسلام الذي تحت أفيائه نمت كرامة المرأة وارفة بالعز والندية والاحترام .. ( إنما النساء شقائق الرجال ).
التصنيف: