المسكوت عنه في اغتيال عرفات

Avatar

[COLOR=blue]هاني المصري[/COLOR]

في الذكرى التاسعة لاغتياله، أبى ياسر عرفات أن يغيب عن المشهد، وكان حاضرًا وكأنه لم يغب. لقد لاحق أبو عمار قاتليه مرة أخرى من خلال نتائج التحقيقات السويسريّة التي أثبتت أنه مات بالسم عن طريق استخدام مادة \”البولونيم\” النوويّة. هذه المادة لا تمتلكها سوى عدة بلدان من ضمنها إسرائيل صاحبة المصلحة في اغتياله، لاسيما وأن حكومتها قررت في أيلول 2004 إزالته، أي قبل شهرين من وفاته.
إذا عدنا إلى سيرة حياة عرفات سنجد أنه كان هدفًا دائمًا للحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، فقد جرت عدة محاولات فاشلة لاغتياله أثناء تواجده في بيروت، وقصفت الطائرات الإسرائيليّة مقرّه في \”حمام الشط\” بتونس في محاولة جديدة فاشلة لاغتياله، وحاصرت قوات الاحتلال منذ العام 2002 مقره في رام الله ودمرت أجزاء منه، وتحكمت بزوّاره وطعامه وشرابه، وشنت الحكومة الإسرائيليّة حملة تحريضيّة ضده، وأعلنت أنه زعيم \”إرهابي\”، وهددت بقتله علنًا، وكشف أوري دان، الصحافي الإسرائيلي المقرب من شارون في كتابه حول حياة شارون، المكالمة التي جرت بين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن وبين شارون\”.
لم نكن بحاجة إلى دلائل جديدة لإثبات أن ياسر عرفات مات مسمومًا، فهذه المسألة محسومة منذ وقت مبكر، عندما تعرض عرفات لمرض مفاجئ أدى إلى وفاته خلال شهر واحد، وهو لم يكن يعاني من أي أمراض جديّة، ولكنا كنا منذ البداية ولا نزال بحاجة إلى موقف سياسي بمستوى الحدث وقادر على ملاحقة الجناة، موقف يجرؤ على اتهام حكومة شارون – موفاز رسميًا بارتكاب هذه الجريمة النكراء بحق رجل هو بكل المقاييس زعيم تاريخي، ومؤسس الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة، والحاصل على جائزة \”نوبل\” للسلام، رغم أنه ذهب بعيدًا من أجل السلام على يد حكومة إسرائيل التي من المفترض أن تصنع السلام معه، وذلك عقابًا له لرفضه العرض الذي سمّي \”سخيًّا\”، والمقدم من أيهود باراك في قمة \”كامب ديفيد\” وما هو بعرض سلام ولا سخي، وإنما عرض \”تصفوي\” للقضيّة الفلسطينيّة من مختلف جوانبها، لذلك من الطبيعي أن يرفضه عرفات وأن يعود إلى المقاومة التي أوقفها بعد \”اتفاق أوسلو\” لاعتقاده أن المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينيّة وتحقيق حلم حياته الذي قضى شهيدًا من أجله.
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بقوة أكبر في الذكرى التاسعة لاغتياله: لماذا لم تُتخذ الخطوات الواجبة لملاحقة القتلة الإسرائيليين والسعي الجدي لمعرفة فيما إذا استخدموا عميلًا أو أكثر من الفلسطينيين لتنفيذ الجريمة؟
وينبثق عن ذلك السؤال أسئلة فرعيّة، مثل:
لماذا يأتي التحرك الفلسطيني دائمًا متأخرًا وكردة فعل على اكتشافات جديدة؟
لماذا لا تلجأ القيادة الفلسطينيّة إلى الأمم المتحدة وتطالب بتشكيل لجنة تحقيق دوليّة، لملاحقة الجناة ومعاقبتهم، أو على الأقل حتى تكون الملاحقة الجديّة والدائمة سيفًا مسلّطًا على رؤوسهم بما يجعل جريمتهم حاضرة وتلاحقهم باستمرار؟
أقول ما سبق مع إدراكي أن تشكيل \”محكمة خاصة\” للتحقيق في اغتيال ياسر عرفات يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، وهذا القرار ممنوع من الصدور جرّاء الفيتو الأميركي الذي يقف له بالمرصاد، لكن لا مفر من البدء بالعمليّة بنقل ملف التحقيق إلى الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، كما طالب ناصر القدوة في كلمته بمناسبة مرور الذكرى التاسعة.
لماذا لا يتم اللجوء إلى \”محكمة الجنايات الدوليّة\” والاكتفاء بمطالبة الجامعة العربيّة بتفعيل قرارها السابق بتشكيل \”لجنة تحقيق دوليّة\”؟. إن مجرد المطالبة لا تكفي.فعلى الفلسطينيين أن يقوموا بما عليهم كاملًا، خاصة بإجراء تحقيق يسعى لكشف من ساعد الجناة قبل مطالبة الآخرين بالقيام بواجبهم.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *