قراءة في مستقبل العلاقات الصينية – الأمريكية
[COLOR=blue]بيدر التل[/COLOR]
تشكل العلاقات الصينية الأمريكية نمطا فريدا من العلاقات الثنائية، كونها تجمع عناصر متناقضة كالتعاون والصراع في وقت واحد، حيث تعمل في إطار توازن دقيق من المصالح المتبادلة والتهديدات المتوقعة. عند دراستنا لموضوع العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فلا بد من ان ننظر لهذا الموضوع من منظور شمولي، فنحن ندرس العلاقة بين دولة عظمى (الولايات المتحدة الأمريكية) وأخرى تسعى إلى لعب دور عالمي وخاصة في ظل تراجع الدور الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وبدء تحول النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث ستكون الصين أحد الأقطاب الرئيسية وخاصة أنها تملك جميع العناصر التي تؤهلها للعب هذا الدور من (عناصر عسكرية، اقتصادية، جغرافية، .. الخ)، وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة وجود مخاوف أمريكية وخاصة لدى صناع السياسة الأمريكية من تنامي القوة الصينية، ويعتبر ملف العلاقات مع الصين بجميع أبعاده- بلا شك- أحد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
تعود العلاقات الحديثة بين الولايات المتحدة والصين إلى عام 1972 عندما زار الرئيس الأمريكي نيكسون الصين، وأصدروا بيان شنغهاي والذي بموجبه تم إنهاء حالة المقاطعة بين الجانبين في ظل حالة الصراع واحتدام الحرب الباردة التي كانت تسود النظام الدولي. في هذه القراءة لن نستعرض التطور التاريخي للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث سنكتفي باستعراض أبرز القضايا الخلافية بين الجانبين، من اجل تقديم تقييم لمستقبل العلاقة بين الدولتين.
يعتبر ملف \”الكوريتين\” من أبر القضايا الخلافية بين الدولتين والتي تعود بجذورها إلى خمسينات القرن الماضي ، وتبرز المخاوف الصينية في الوقت الحاضر بسبب تبني الرئيس الأمريكي باراك أوباما مبدأ جديد في السياسة الخارجية الأمريكية والذي يتمثل \”بالتوجه شرقا بهدف إعادة بناء القوة والنفوذ الأمريكيين في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي\”، حيث تمثل هذه السياسة تهديدا للمصالح والنفوذ الإقليمي للصين في تلك المنطقة. ويعتبر ملف حقوق الإنسان في الصين أيضا إحدى القضايا الخلافية بين البلدين، حيث ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن هنالك تراجع كبير في هذا الملف في الصين (بمعنى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في الصين) في حين أن الصين ترفض الدعوات الأمريكية لاحترام حقوق الإنسان حيث تعتبر هذا الملف شأن داخلي وأن لكل دولة خصوصيتها ورؤيتها المختلفة بما يتعلق بحقوق الإنسان. وكذلك يعتبر الملف التايواني من القضايا الخلافية بين الدولتين، حيث تعتبر تايوان حجر عثرة أمام محاولة أي تقدم متين بين البلدين، فمجرد إثارة القضية تعني تأزم العلاقة بينهما، ورغم الاتفاق بين البلدين حول المسألة التايوانية في السبعينات الا ان الولايات المتحدة حرصت على تعزيز علاقتها مع تايوان من خلال إبرام العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات كان أخرها \”اتفاقية التعاون العسكري\”، وهو ما اثار غضب الصين وأعلنت تعليق علاقتها العسكرية مع واشنطن. وبرزت منطقة الشرق الأوسط محورا جديدا للخلافات بين البلدين وخاصة الملف السوري والذي أظهر خلافا عميقا بين البلدين، حيث \”عرقلت روسيا والصين اتخاذ أي قرارات لإدانة نظام بشار الأسد أو فرض أي عقوبات فاعلة عليه\”. وبشكل عام يمكن أن نلحظ عدد القضايا الخلافية بين الدولتين والتي تعطي مؤشرات على حالة من الصراع في العلاقة فيما بينهم أو درجة من التنافر السياسي بين البلدين.
لكن من ناحية أخرى، يعتبر الملف الاقتصادي احد أهم محاور العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية تطورا مستقرا، حيث تعتبر الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للصين وبحسب بعض الإحصاءات فقد \”بلغت الصادرات الصينية للولايات المتحدة 21% (من إجمالي الصادرات الصينية)\” وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما إلى ما يزيد عن خمسمائة مليار دولار أمريكي عام 2012. وتعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الصين في تصريف سندات الخزانة الأمريكية، حيث تعتبر الصين أكبر مستثمر في هذه السندات = (بالرغم من ذلك تظهر بعض القضايا الخلافية بين البلدين تتعلق بالسياسات النقدية الصينية وانخفاض سعر العملة الصينية مقابل الدولار، واحتجاج الصين على بعض السياسات الاقتصادية الحمائية ضد الواردات الأمريكية من الصين، وغيرها ..) . ان الملف الاقتصادي يعطي بعدا جديدا في تقييمنا للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين ، فبالرغم من التناقضات في العديد من الملفات وحالة التنافر السياسي في الكثير من القضايا، إلا ان البلدين يتبعان منهجا براغماتيا يقوم على الواقعية ويتناسى المبادئ، ويركز على المنفعة والمصالح المتبادلة في إدارة العلاقة فيما بينهما.
التصنيف: