الحاضر من الماضي
[COLOR=blue]مؤمن ابو جامع[/COLOR]
\”إنّ ما يترتّب على عدمه عدم, ولا يترتّب على وجوده وجود, ولا عدمٌ لذاته, هو الشرط\”, فشرطُ فهم الحاضر من فهم الماضي, وإذا أردنا فهم حاضر أمّة أو كيان أو إنسان, علينا فهم ماضيه جيداً, وربما لن نفهم الحاضر ونفهم الماضي, فقط لأننا لم نقرأ الصورة كاملةً, أو لأسباب مدٍ أو جزرٍ جديدةٍ أحدثتها الطبيعة.
إنّ الماضي بمثابة تاريخ للحاضر, وإن فهمْ تاريخ الانسان أو الشيء, يُسهّل عليك الكثير من الوقت والمال والجهد, ويساهم معك في تحليل الطبائع, ومعرفة مراحل التغيير, وتفسير الروابط, وتوزيع الأسباب, وتوقّع النتائج, ومن المشكلة دائماً عندما ندرس علماً معيناً, ونود قراءة كل ما يتحدّث عن هذا العلم من مؤلّفات, لا نجد سوى كتاباً أو كتابين, تتحدث عن تاريخ هذا العلم, في حين أننا نجد عشرات ومئات الكتب التي تتحدّث عن طبيعته وخصائصه ونحو ذلك, هل لأنّ الدراسة والبحث في تاريخ الأشياء مُكلف؟
الكثير من المشاكل, وسوء الفهم, وتوجيه الاتهامات, والممارَس من قبل بعض الناس لآخرين, يكون لعدم متابعتهم الجيدة لتاريخ نشاطات وأعمال ومواقف الآخرين, وبالفعل لن يكون موقفنا مُنصف لهم إلا إذا قرأناهم جيداً.
إن سبب الكثير من المنعطفات التي مرَّت بها الدول, وما زالت, تكون نتيجة ظروف ونشاطات تراكمية على مدار سنين, أثّرت في التكوين الجيواستراتيجي لتلك الدول, كما وسيكون لهذه الظروف يداً في التأثير على مسار المستقبل للدول, إلاّ اذا حدث أمرٌ طبيعيٌ قاهر.
إذا كُنّا نؤمن أن فهم أي موضوع مرهونٌ بفهم تاريخه, فعلينا قبل الاهتمام والدراسة لهذا الموضوع, أن نقوم بدراسة تاريخه, وتتبع مراحله, وتسلسل أحداثه, وقراءة تفاصيله, قراءة متزنة و عميقة, وببصيرةٍ ممتازة.
إن الشيء الجميل حقاً أن نرى في مقدمة أغلب الكتب الجامعية, عرضاً ملخّصاً, مُوضّحٌ فيه النشأة, والمراحل, وأصحاب الفضل الأوائل, وصورة مبسّطة تؤهّلك نفسياً ومعرفياً لقراءة باقي الكتاب.
في النهاية, أؤكد على أنّه لا يمكن فهمُ موضوعٍ معين فهماً عميقاً, دون التغلغل في تاريخه, وبداياته, ودون الوقوف على المحطّات البارزة في هذا التاريخ, والتي شكّلت مراحله, والتي أوصلت هذا الموضوع للمرحلة التي نعيشها. وإذا صحَّ فهم التاريخ, صحّ فهم الحاضر.
التصنيف: