المستوطنون مواطنون في دولة اسرائيل
[COLOR=blue]عصام بكر[/COLOR]
ما صرح به داني دانون نائب وزير حرب الاحتلال لم يكن فقط حقيقة ما يجري التخطيط له وما يخفيه المستوى السياسي في اسرائيل ، ولا يعبر فقط عن مقررات يجري تنفيذها منذ زمن ليس بالقصير باشكال مختلفة ، من اهم حلقاتها ما عرف بالانسحاب احادي الجانب من غزة في اب 2005 ، تصريحات لها مدلولها الخطيرة والمهينة للعرب والمسلمين ولمحبي العدل والسلام في العالم ، ومن حيث التوقيت تترابط بشكل وثيق مع جولات وزير الخارجية الامريكية جون كيري في اطار المساعي الامريكية لاعادة احياء \” عملية السلام \” في الشرق الاوسط وعروضه ( السخية) التي جرى الاعلان عنها في اختتام اعمال منتدى دافوس الاقتصادي الذي انعقد مؤخرا في الاردن على البحر الميت والوعود باحراز التقدم المأمول عبر بوابة المغريات الاقتصادية ، وتحسين الاوضاع المعيشية (للسكان) في الضفة الغربية حتى هذه التصريحات لْاشاعة اجواء حتى لو كانت مبالغ فيها عادت الحكومة الاسرائيلية سحب اية امكانية لما يعرف ببوادر حسن النوايا ، واية امكانية للتقدم من خلالها ، واكدت عبر تصريحات نيتنياهو في وارسو استعدادها للعودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة ، وانها مستعدة للتفاوض المباشر حول دولة منزوعة السلاح بسيطرة للسلطة على السكان ، واحتفاظ اسرائيل دولة الاحتلال بالسيطرة على معظم اراضي المنطقة \”ج \” والاغوار والقدس ، بمعنى آخر ما يقدمه الاقتراح الاسرائيلي هو فرض الحل من طرف واحد أسوة بالانسحاب أحادي الجانب من داخل قطاع غزة ، والابقاء على السيطرة الفعلية عليه جوا وبحرا وبرا .
هذه الصيغة لم تكن مفاجاة للمستوى السياسي الفلسطيني لانها أي القيادة السياسية تدرك تماما النتيجة والحقيقة الماثلة وهي فشل حل الدولتين الذي اصبح من المستحيل تطبيقه على الارض لا بتبادل الاراضي المطروح ، ولا عن طريق السلام الاقتصادي فما يجري على الارض من تصعيد شامل سواء بعطاءات البناء الاستيطاني لمئات الوحدات في المستوطنات في ارجاء الاراضي الفلسطينية كل هذا يقطع الطريق على اية شكوك باحتمالية استئناف المفاوضات وتحديدا البناء الاخير في منطقة سلفيت حيث شرعت البؤرة الاستطانية ( بروخين) المقامة على اراضي بلدة بروقين من الجهة الشمالية الغربية ، ومع تنفيذ المستوطنين المزيد من الاعتداءات وتوسيع نطاق العمليات العدوانية والترويع اليومي للمواطنين واستهداف مزروعاتهم وحقولهم ، هذا التوصيف الذي سيصبح بعد فترة وجيزة جزء من الحالة اليومية السائدة تكرس نفسها كنموذج حياتي دائم يؤرق حياة المواطن الفلسطيني ، ويسد المنافذ امامه لاجباره على الرحيل والمغادرة .
التصريحات للمسؤول الاسرائيلي على اهمية ما جرى ويجري من تصريحات وتحليلات حولها الا انها تكشف بشكل رسمي وواضح ان المستوطنين المتواجدين بشكل غير قانوني وشرعي ومناف لكل القوانين والاعراف الدولية التي اكدت في كل المناسبات ان كل الاراضي التي احتلت في عدوان 1967 بما فيها القدس هي اراضي محتلة وهي نفسها الاراضي التي يفترض ان تقام عليها دولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل في حل سلمي مستقبلي للصراع في المنطقة !!!! أي ان وحدة الاراضي الجغرافية في الضفة الغربية لم تعد قائمة مثلما كانت دوما ضمن الاجراءات العملية التي تقوم بها دولة الاحتلال من مصادرة للاراضي ، وتغير الواقع الحالي لهذه الارض بالمستوطنات والطرق الالتفافية والجدار العنصري وحتى بالبؤر التي تشرعها حكومة نيتنياهو في معرض ردها ، واجاباتها للمجتمع الدولي على جهود استئناف العملية السياسية بمعنى ادق كل ماهو اسرائيلي في الضفة الغربية سيصبح تحت السيادة الاسرائيلية الكاملة دون اعلان ضم تلك الاراضي فالكتل الكبرى والشريط تحت الحجة الأمنية على طول الحدود من الاردن ، وقطاع غزة حال الضفة مع مواصلة الحصار والسيطرة عليه قرى معزولة محاصرة بالمستوطنات وتحت رحمة الاعتداءات اليومية للمستوطنين .
اسرائيل حسب تصرحات داني دانون ستكرس سيادة على الارض والطرق والمياه ، وفي نفس الوقت يتمتع المستوطنون بكل حقوق المواطنة ( هم يتمتعون الان باكثر من ذلك) لكن بالمعنى السياسي كانوا خارج حدود ( الدولة ) في حين السيناريو المحتمل تبدو فيه المناطق \”ج \” امتداد طبيعي للتوسع الجاري للمستوطنات والذي بحسب احصاءات مراكز ودراسات مؤسسات اسرائيلية حتى تضاعف الاستيطان بنسبة تجاوزت ال100% .
اسرائيل اعلنت رسميا انهاء حل الدولتين قبل وقت طويل من التصريحات بالعمل على الارض ، اعلان المستوطنين في الضفة الغربية مواطني دولة مع كل الامتيازات والتسهيلات الممنوحة لهم من شأنه ان يضاعف شهية هؤلاء المفتوحة اصلا لارتكاب المزيد من الاعتداءات وتصعيد الوضع بشكل اوسع ، كل هذه التطورات تستدعي ان يتم الرد عليه بعمق وتروي وبرنامج وطني جامع ، بخطوات ملموسة وواضحة في طليعتها استمرار المعركة لنيل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ، واعادة القضية الوطنية للامم المتحدة لتطبيق قراراتها لانهاء الاحتلال عن اراضي الدولة غير العضو \” المراقب \” بعد 29 نوفمبر الماضي ، والذهاب فورا لتشكيل جبهة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية وتصعيدها لتغدو من الجانب الفلسطيني نظام حياة يومي والتصدي لهجمات المستوطنين ، وقطع الطريق على أي رهان بامكانية خضوع الشعب الفلسطيني للضغوط الممارسة عليه من كل حدب وصوب .
في المحكات التاريخية علينا ان جاز انعاش ذاكرتنا كان الرهان على النهوض الشعبي وفي تجربة الانتفاضة الاولى 1987 والثانية على الاقل كمحطتين هامتين في التاريخ الحديث خير مثال ساطع على ذلك وبرهان على الطاقة الهائلة الموجودة في صدور هذا الشعب ، بالرغم من كل ما حل به من ويلات والمعاناة المزمنة وحاولات التطويع والتدجين بشتى الطرق والسبل منذ ذلك الوقت الذهبي ان جاز القول للعمل الوطني باوسع اشكاله الموحدة والعفوية والاندفاع الفوري والاستعدادية المتوثبة للبذل والعطاء والتضحية ، وبرغم سوء الاحوال الاقتصادية والتغيرات التي طرأت على الخارطة والبنى والهياكل واساليب العمل ، وحتى المتغيرات على الارض ولكن المؤكد ان هذا الوضع لن يستمر طويلا ، ستفتح الابواب واسعة على التغير الذي يتمناه ويبدو صعبا وينتظره الشعب الفلسطيني بالرغم ايضا من الانقسام المؤلم الذي دخل عامه السابع على التوالي دون ان تلوح في الافق اية خطوات فعلية لانهاء هذا الوضع الشاذ ، ورغم الاختلال الحاصل واغراق الناس بالديون ، وحتى تدمير القيم المجتمعية برغم كل ذلك ما زالت تعتمر في نفوس الغالبية الساحقة كل مقومات البقاء والبناء والعمل ، والايمان بعدالة القضية والجاهزية للدفاع عن الحلم ، والتمسك بالحقوق .
صحيح اننا في وضع في غاية من الصعوبة والتعقيد وهو غير مريح للجميع وقد ينجم عنه تداعيات كبيرة وخطيرة ولكن الشعب الذي لم يضل الطريق طوال قرن من الزمن في صراع مفتوح بكل ابوابه المشرعة لم يفقد البوصلة. الاسابيع القادمة بحسب كل المحللين ستكون ثقيلة ومتغيرة تحمل نذير واقع غير مناسب ربما ، ولكنها ايضا ليست صعبة الاستقراء من جهتنا وخطواتنا المتوازنة المدروسة التي تحسب بدقة كل ما يضر وما ينفع هي الضمان الاكيد والوحيد ربما لكل ما نحن فيه. اسرائيل قالت وكشفت وردت من جهتها على المشاورات والمساعي حتى غير المقنعة لاي متطلب منطقي لاستئناف المفاوضات والرد الباقي عندنا نحن لجهودنا وتحركنا.
التصنيف: