[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عوض الدرمكي[/COLOR][/ALIGN]

من يحترم ذاته سيحترم الآخرين وجدارتهم وأسبقيتهم ولن يبخسهم حقهم بتزويرٍ أو غَمْط حق أو مدّ يدٍ لما عملوه وبرزوا به، أمّا من خسر نفسه فلن يهتم كثيراً بما سيقول التاريخ عنه طالما أن لحظته الحاضرة مليئة باللمعان الزائف!صُدِم الكثيرون عندما أطلّت فضيحة الأعداد المهولة من شهادات الدكتوراة المزوّرة، ومن نوعية الأسماء المتورّطة في تلك الفضيحة والتي شملت ساسةً ومفكرين وعلماء دين، وقبلهم كانت وسائل الإعلام تكشف بين الفترة والأخرى فضائح منشطات لأبطال عالميين مرموقين .والتي لم تكف بها دموع التماسيح التي ذرفها بعضهم في بيان حقيقة ذلك \”الهوس الـمَرَضي\” لديهم في بحثهم عن الشهرة ورؤية أسمائهم وصورهم تزين صفحات الإعلام وشاشاته، فماريون جونز بطلة العالم سقطت سقوطاً مدوياً بتلك الفضيحة.
وكذلك صاحب الرقم القياسي لسبع مرات فوز بسباق فرنسا الدرّاج الأميركي لانس أرمسترونغ، وتبعهم مغاويرنا العرب في ذات المنحى عندما شهدت البطولة العربية قبل عام أكثر من 14 حالة منشطات لأشخاص قَصُرت هممهم كما قصرت قدراتهم عن منافسة الأبطال الحقيقيين فلجأوا إلى الأساليب الوضيعة علّها تأتيهم بميداليةٍ باردةٍ كدمائهم صمّاء كوجوههم!
ذات الهوس انتقل إلى بعض الناجحين، وممن لم تزدهم النجاحات تواضعاً بل زادتهم شبقاً وسُعاراً محموماً لنيل المزيد من تلك الأضواء وما يرافقها من هالةٍ قريبةٍ للتقديس، فها هو الكاتب الأميركي الشهير فريد زكريا .
والذي ترأس عدة مجلات ذائعة الصيت كـ\”فورن بوليسي\” و\”نيوزويك\” ثم \”تايم\” \”يلطش\” مقالاً للمؤرخة الأميركية جيل ليبور، ورغم مسارعته بالاعتراف بهذه الخطيئة إلا أنّ المثير كان اكتشاف أنه قد أوكل مساعداً له لـ\”تجميع\” مقالات للنشر في وسائل الاعلام العديدة المتعاقد معها، والذي يبدو أنه ساذج لدرجة أن يسرق مقالاً لمؤرخة معروفة ومنشورة بمجلة بقامة الـ\”نيو يوركر\” والتي تقرأها وتتابعها النخبة المثقفة في العالم بأسره.
هناك من يصرخ بأعلى صوته تمجيداً للثراء السريع والجمال المصطنع والنجومية المفتعلة، فعلى الأرفف ترى دجلاً يقول \”تعلّم الانجليزية في خمسة أيام\”، وفي إعلان قشيب نقرأ \”احصلي على الخَصْر الذي تريدين في أسبوع\”، وإعلانات البنوك تُبشّرك بقدوم أيام الثراء لك من خلال \”قروضها\” الاستثنائية، وبين ذاك وذاك شباب أدمنوا إبر \”الاستيرويد\” الخطيرة لجعل عضلاتهم يمشي عليها قطيعٌ من \”الهوش\” وليس تيساً واحداً \”و أنتو بكرامة\”.
وفتياتٍ لم يتركن ميليمتراً واحداً من وجوههن وأجسادهن لم يقمن بنفخها حتى رأينا آلافاً من \”الكوبي\” لنانسي عجرم وكيم كارداشيان، في غفلةٍ غريبة أنّ قمّة جمال الفتاة هي العفة لا عرضه في الأسواق، وأنّ مناطَ القوّة البناءُ هو مساعدة الآخرين لا إخراجها بالقمصان المفتوحة في المولات، وأنّ ذروة العلم نشره لا التباهي به، وأن غاية المال بذله وإنفاقه في وجوه الخير لا تكديسه واكتنازه، وأنّ مغزى البطولات هو التنافس الشريف لا تلك الأساليب المريضة للفوز!
يقول أحبتنا المصريون: \”اللي اختشوا ماتوا\” وهم لم يجاوزا الحقيقة في ذلك، فلئن كان بعضنا يتساءل كيف يقرّ قرارٌ لمن خدع أو غش أو اختلس وكيف تنام عينه وضميره يؤنبه على ذلك، فإنّ الواقع قد أظهر أمراً مخالفاً لما نظن، ففي بحث جديد قامت به جامعات النخبة العالمية: واشنطن ووارتون وهافارد ولندن للإدارة تبيّن أن \”نشوة نجاح الخداع\” تفوق لدى مرتكبي الغش الإحساس السلبي له من الناحية الإخلاقية.
ففي ثنايا الخداع إحساس خفي بالسعادة أن صاحبه \”فهلوي\” ولا يماثله أحد، وهو ما يفسّر قيام الكثير من الأثرياء أصلاً بالتجاوزات المالية، وهو الخداع الذي يكلف أميركا سنوياً 250 مليار دولار من غش مواطنيها في ترصيد الضرائب، وما بين هوس الشهرة ونشوة الخداع الدفينة ضاعت الانسانية.
الباحثون عن الشهرة السريعة كُثُر وليس الأوروبي الثري فقط، وما دام ترويج الخطأ هذا أصبح علناً و\”تجارة\” فإن ميكافيلي نفسه يتوارى خجلاً من حال البشرية الآن واستشراء الماديّة في أوصالها وانحسار الروحانية عنها، تلك الروحانية التي يقول عنها ربّ العزّة: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *