ترانسفير في شمال الغور

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]تميم منصور[/COLOR][/ALIGN]

قبل إجراء الانتخابات الأخيرة وبعدها، لم يتوقف بنيامين نتنياهو وكل الفريق اليميني الذي يهلل له عن التبجح والعزف على أوتار ديمقراطية إسرائيل، واعتبار الانتخابات عرسا من أعراس هذه الديمقراطية. لم يتأخر الأمريكان أيضا عن المشاركة في ترديد هذه المعزوفة النشاز واعتبارها ميزة خاصة لدولة الاحتلال، مع ان أمريكا تدرك بأن سلطات واحة الديمقراطية المزعومة هذه ليست الا عصابة من البلطجية الدخلاء استخدمتها بريطانيا لتثبيت نفوذها في الشرق الأوسط في الماضي القريب، واليوم تستخدمها هي كرباجا ضد كل الذين يحاولون الخروج من بيت الطاعة الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
هذه الديمقراطية المزعومة ضرورية جدا بالنسبة للقادة والزعماء وغالبية الأحزاب في إسرائيل، لما لها من مردود يصب في مصلحة الدولة الصهيونية، تستخدمه قناعا تتستر بواسطته على عنصريتها وممارساتها القمعية ضد شعب واقع تحت الاحتلال، وضد قطاع كبير من سكانها، لا احد من كل الذين يدعمون إسرائيل على استعداد لأن يسأل نفسه، كيف يمكن ان تكون إسرائيل ديمقراطية حقيقية ما دامت وليدة حركة عنصرية كولونيالية تؤمن بتفوق اليهود العرقي وحقهم وحدهم في الحياة ولا تمانع قيامهم باستعباد وقهر الشعوب الأخرى دون أية اعتبارات أخلاقية أو إنسانية.
كيف يمكن ان تكون إسرائيل ديمقراطية ما دامت حكوماتها المتعاقبة مصرة على أنها دولة الشعب اليهودي فقط؟ رغم ان ما يزيد عن خمس سكانها من غير اليهود، أليس هذا تشويها لصورة كل معاني الديمقراطية ومركباتها الإنسانية ؟ الصهيونية والديمقراطية الحقيقية ضدان لا يلتقيان مع الواقع ومنافيان لكل مصداقية.
لقد كاد نتنياهو يخرج من جلده بعد ان تأكد بأن عصا السلطة عادت إلى يديه من جديد خاصة بعد ان اضطر رئيس الدولة شمعون بيرس لتكليفه بتشكيل الحكومة القادمة، ونتنياهو يعرف أكثر من غيره بأن بيرس لا يريده وكان يتمنى ان يكلف غيره هذه المهمة، لأنه لا يثق به ويعرف بأنه كان وسيبقى حجر عثرة في طريق السلام، بعد تسلم نتنياهو قرار التكليف ازدادت عنجهيته وسال لعاب شبقه للسلطة والحكم على مرآى من الجميع وكشف أكثر عن حقيقته وغرائزه التي نبتت داخل دفيئة صهيونية لا تؤمن الا بالمراوغة والخداع ومعاداة السلام وامتصاص دماء الطبقات الضعيفة في المجتمع الإسرائيلي. كانت الخطوة الأولى التي قام بها في لحظات نشوته هذه خطف سماعة الميكرفون وسارع لاجترار من جديد ما اسماه بشرى للإسرائيليين وللعالم اجمع بأنه سوف يبقى على عهده يدور حول نفسه ولم يتغير، كل شيء سيبقى مكانه، مخططاته التوسعية في الاستيطان ستبقى على حالها، وضرباته الاقتصادية في طريقها إلى أفواه وأمعاء الفقراء من مواطني الدولة، وعندما تذكر عملية السلام المتعثر بسببه ضاعف من وتيرة صوته ووجه حديثه إلى محمود عباس رئيس دولة فلسطين، ودعاه من باب رفع العتب إلى العودة إلى طاولة مفاوضات السلام كما يريده هو.
وجه هذا النداء الذي لم يكن أكثر من جعجعة بلا طحن وظاهرة صوتية وهو يعرف ان أحدا من الفلسطينيين لم يستجب إلى ندائه، لأنه حرق كل الجسور التي يمكن ان تؤدي إلى طريق السلام العادل، يدعمه في ذلك وزير حربه ايهود براك الذي يحلم بالاستمرار في استعمال سياسة الأرض المحروقة بكل ما تحتويه الأرض من أرواح البشر ومن الثروات النباتية والحيوانية فوق الأرض الفلسطينية داخل الضفة الغربية المحتلة.
إن ممارسات براك هذه رفعت اسمه وجعلته نموذجا ومثلا للعديد من جنرالات الجيش الذين يعرفون بأن مستقبلهم السياسي والعسكري مرهون بزيادة تطرفهم ومرهون بكثرة عدد ضحايا ممارساتهم العدوانية ضد الفلسطينيين وضد المقاومة في كل مكان، هكذا يشير سجل براك العسكري، فقد حقق كل أحلامه في المناصب وجمع المال على حساب ضحايا ممارساته العدوانية داخل إسرائيل وخارجها.كيف يمكن للفلسطينيين الاستجابة لنداء نتنياهو وهم يعانون من ممارسات الاحتلال اليومية ومخططاته المستقبلية، عندما وجه نتنياهو نداءه المخادع الكاذب إلى رئيس دولة فلسطين، كان يعرف بأنه قد سبق هذا النداء بفترة قصيرة عدوان قام به ما يسمى بجيش الدفاع بقيادة براك استهدف عددا من المواطنين الفلسطينيين من مزارعين ورعاة في مناطق واقعة في القسم الشمالي من غور الأردن المحتل، هناك من وصف هذه العملية بأنها تطهير عرقي للفلسطينيين في هذه المنطقة، وكانت جزءا من دعاية نتنياهو الانتخابية، أسفرت عملية التطهير هذه حتى الآن عن مصادرة مئات الألوف من الدونمات في هذه المنطقة، بعد ان تم طرد ما يقارب مئتي عائلة معظمهم من المزارعين، كما تم تدمير البيوت والخيام التي كانت تؤويهم من برد الشتاء ومن الأمطار، كما شملت عملية التطهير هذه حرق عشرات الخيام التي استخدمها السكان في هذه المنطقة وكانوا قد حصلوا عليها من الصليب الأحمر الدولي، وشمل التطهير أيضا تدمير كل الآبار وخزانات المياه في المنطقة، وحتى لا يعود السكان الأصليون إلى أملاكهم أقدم جيش براك على زراعة عشرات الألوف من الألغام الأرضية في هذه المنطقة.
ادعى براك بأن هذه المنطقة سوف تستخدم من قبل جيشه للمناورات العسكرية، وذكرت صحيفة هآرتس بأن خطة التطهير العرقي المتفق عليها بين نتنياهو وبراك والوزير الذي سوف يخلفه تقضي بنقل وتهجير اكبر عدد من المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية من منطقة \”C\” إلى المنطقة \”A\”، هذه الخطة ما هي الا استمرار وامتداد لكل عمليات التشريد والتهجير التعسفي التي قامت بها السلطات الإسرائيلية ضد أهلنا في النقب، فقد انتُزع عشرات الآلاف من المواطنين العرب في النقب من أرضهم وبيوتهم وأرغموا على العيش في تجمعات سكنية لا تتلاءم مع طبيعة حياتهم، ولا زال هذا المخطط مستمرا حتى اليوم.
كما يذكرنا هذا المخطط بالقانون العجيب والغريب الذي تنفرد به إسرائيل وحدها بين كل دول العالم، وهو قانون حاضر غائب الذي فرضه الحكم العسكري على المواطنين العرب في الدولة فحوَّل ما يزيد عن ربع مليون مواطن فلسطيني إلى لاجئين في وطنهم، من بين ما خلفته نيران براك من ركام ودخان ورماد ومدافن ودمار ومعاناة وجه نتنياهو نداءه إلى محمود عباس كي يعود عاريا صفر اليدين إلى طاولة المفاوضات العامرة بمشاريع الاحتلال الإسرائيلي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *