[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د.أحمد إبراهيم الفقيه [/COLOR][/ALIGN]

أفكار كثيرة يزدحم بها الذهن تخص ملامح الصورة التي نريدها لبلادنا ليبيا بعد ثورة 17 فبراير المجيدة التي بهرت العالم وأظهرت أصالة وصلابة ونقاء المعدن الذي جبل عليه الانسان في ليبيا، وهو المعدن الذي نأمل أن يظهر من جديد ونحن نخوض معركة أكبر وأكثر أهمية من معركة تقويض نظام الطاغية وإزالته من الوجود، لأن تلك كانت معركة من أجل الهدم والإزالة، لنظام حكم استبدادي إجرامي أهان الناس، وانتهك الحرمات، وعبث بالقيم، واستنزف موارد وثروات البلاد، والمعركة الآن معركة بناء ونماء، وتشييد لأسس وأعمدة دولة جديدة، هي دولة الناس، دولة العدل والمساواة والديمقراطية والحريات العامة والخاصة. ثورة ارتفاع المستوى المعيشي للمواطن، وصيانة كرامته، وتشييد صرح مجتمع جديد، تتوفر فيه أركان الأمن والآمان، وتضمن فيه الحقوق، وتصان فيه الأعراض، وينتهي فيه الفساد في الحكم والإدارة ، وتعم فيه النزاهة والأمانة والشفافية وقيم الخير والمحبة والجمال، ولعل أهم مراحل هذا البناء الجديد، للمجتمع الذي نريد، والدولة التي نرجو بعد انتصار الثورة، وإزالة عهد الطغيان، هي مرحلة تأسيس وترسيخ مباديء وقيم العقد الاجتماعي الذي تحتكم إليه المجتمعات الحديثة والدولة العصرية، وهذا العقد الاجتماعي ليس مجرد عهد وميثاق، وهو كذلك فعلا، ولكنه أكثر من ذلك، نعم إنه الدستور، وفي ذات الوقت هو أوسع وأكثر شمولا من الدستور ، لأنه يحتوي على قواعد ربما أكبر من الدستور، ومثال ذلك إن هناك فسادا في الدول والحكومات تتفاوت درجاته من دولة إلى أخرى، وبالتأكيد هناك تشريعات وقوانين تعاقب وتحاسب كل من يثبت عليه القيام بعمليات الفساد، وهناك دستور يجرم ذلك ، ولكن الفساد رغم الدستور والقانون موجود، يصل في بعض البلدان إلى نسب كبيرة ومخيفة هنا يمكن اعتبار أي نوع من القيم والعادات التي تحظ على الأمانة والنزاهة والصدق في العمل والمعاملة، جزء من هذ العقد الاجتماعي الذي قد يعجز عن استيعابه القانون أو الدستور، والليبيون الذي عاشوا في فترات قبل بناء دولة الاستقلال، حيث لا دستور ولا قانون إلا قانون دولة الوصاية كما في الأربعينيات، يعرفون أن الليبيين كان لديهم مثل هذ العقد الاجتماعي، في هذه الجزئية التي تتصل بالأمانة والنزاهة والصدق في العمل، دون وجود دستور، لأن الدستور جاء مع دولة الاستقلال، ولم يستطع بعد مجيئه، حماية الوطن ولا المواطن من عمليات تزييف للإرادة وإهدار للحقوق، إذن العقد الاجتماعي، هو مجموعة من القواعد التي يتفق عليها رجال أحرار، ونساء حرائر، يملكون إرادتهم ووعيهم ، ودون ضغط ولا إرغام ولا توجيه، ويرضون على التعايش والسكن في هذا الوطن وفق هذه الأسس والقيم والمعايير، التي طبعا يمكن وضع أغلبها في تشريع رئيسي هو الدستور وتشريعات فرعية هي القوانين، التي تصاغ وفق إرادتهم وبدافع من حريتهم ورغبتهم المشتركة في الحياة وفق هذه الأسس.
ولعل أول مشاكل صياغة الدستور، هو هذا التأخير في مباشرة إنجازه، رغم أن المهمة الرئيسية التي جاء من أجلها المجلس الوطني التأسيسي إلى الوجود، هو هذا الدستور.
وقد سمعت أكثر من رأي ، يرى ويحبذ ويقترح ، أن تستعين ليبيا في وضع دستورها بالأمم المتحدة، فهناك مندوب يمثل الأمين العام، جاء إلى ليبيا منذ الأيام الأولى لعملية التحرير، وربما قبل عملية التحرير هو ايان مارتن، الذي انتهت مهمته وحل محله في نفس المهمة، دبلوماسي من لبنان له نفس الصلاحيات، ويحمل نفس العبء الذي عهدت به مجموعة مجلس الأمن إلى المندوب السابق، وبسبب أن ما حدث في ليبيا من انتصار للشعب على الطاغية، كان بعون الهيئة الأممية، وبقرارات الشرعية الدولية التي أصدرها مجلس الأمن في بداية المنازلة التي وقعت بين الشعب والطاغية، فإن هذا الدور للأمم المتحدة، في وضع الدستور بمساهمة أهل البلاد، وبأناس يتم تفويضهم من الشعب، وبخبرة فنية وقانونية من الأمم المتحدة ومندوبها، يبدو منسجما مع معطيات الواقع الليبيي خلال وبعد الثورة، خاصة وأن لليبيا تجربة مع الأمم المتحدة عند ولادة دولة الاستقلال، وصياغة الدستور، ووضع أسس الدولة تحت إشراف دولي، الأمر الذي يحق معه القول إن الاستقلال الليبي خرج من رحم الأمم المتحدة، في مطلع خمسينيات القرن الماضي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *