الربيع العربي وإشكالات التطور
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]غيورغي ميرسكي[/COLOR][/ALIGN]
عقب خروجها من الحقبة الاستعمارية شهدت المنطقة العربية أحداثا صاخبة، وعرفت شعوبها فترة من النهوض. لكن هذه المرحلة سرعان ما انحسرت، لتحل محلها مرحلة طويلة من الركود. ولكن فجأة وبدون أي مقدمات استفاقت الشعوب العربية من سباتها، واشتعلت المنطقة العربية الأمر الذي دفع إلى السطح تساؤلا مشروعا:
هل يمكن أن يكون هذا التزامن وليد صدفة؟
ثمة من يعتقد أن الولايات المتحدة، هي التي خططت لتغيير الأنظمة العربية. لكن مثل هذه الآراء سخيفة وبعيدة كل البعد عن المنطق، لهذا، فإن الأمر لا يعدو كونه تطبيقا عمليا لنظرية الدومينو.
لقد تكدست في المنطقة كميات كبيرة من المحروقات، ولم يكن الأمر يحتاج إلا إلى عود ثقاب، ليندلع حريق هائل. ولقد اندلع ذلك الحريق، بالمعنى الحرفي للكلمة، في جسد ذلك الشاب التونسي المسكين محمد البوعزيزي.
لقد مهد لهذا الحريق الهائل عدد من العوامل الموضوعية:
منها: أن أعمار حوالي 60 % من سكان المنطقة العربية تقل عن 25 سنة، وتعاني نسبة كبيرة من هؤلاء من البطالة الدائمة.ومنها أيضا: الطفرة التقنية الهائلة التي طرأت على وسائل الاتصالات.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن العوامل الموضوعية لا تعدو كونها مقدمة لما حصل ولا تكفي لتفسير أسباب اندلاع الحريق.فما أسباب تكدس هذا الكم الهائل من المشاعر الاحتجاجية وهذه الرغبة الشديدة في التحرك والتصرف لدى الطلاب والمعلمين والمحامين والأطباء والموظفين، أي أولئك الذين شكلوا المحرك الأساسي للثورة؟
في حالة الثورات العربية، كما في حالات الثورات التي سبقتها، ثمة بعض الأشياء التي لا يمكن تفسيرها لأن من طبيعة الثورة أنها تندلع بصورة فجائية ودون سابق إنذار. أما الانقلابات، فتحدث عن سابق تخطيط. نعم، لم يكن أحد يتوقع أن يحدث ما حدث في الدول العربية، رغم أن الجميع كانوا يعرفون مدى سوء الأنظمة الحاكمة. ولو أردنا أن نلخص ما ينطق به لسان حال الشعوب العربية، لاختزلناه في بضع كلمات: مللنا! لم نعد نثق! لم نعد نخاف!
المقارنة بين الثورات \”البرتقالية\” وثورات \”الربيع العربي\” لا تستوي إلا من حيث إن الشعوب، في بلدان الثورات جميعها، ضاقت ذرعا بحكامها. وكذلك من حيث سقوط ضحايا نتيجة العنف الذي رافق الاحتجاجات.
فلو أننا أخذنا ثورتي أوكرانيا وجورجيا، كمثال على الثورات البرتقالية من جهة، والثورة المصرية، كمثال على الثورات العربية من الجهة الأخرى، لاكتشفنا الفارق الكبير بين الحالتين. ففي أوكرانيا وفي جورجيا كذلك تعرض الحكم الفردي لأزمة طويلة بسبب انفصامه عن الواقع، وما ترتب على ذلك من عجز عن مجاراة نبض الشارع. ولهذا تعرض لنقد لاذع وممنهج، إلى أن استنزفت المواجهة الطويلة كل عوامل قوته، فسقط.أما في حال الثورة المصرية، فانتفضت الجماهير فجأة ونزلت إلى الشوارع، وانتهى كل شيء خلال بضعة أيام.
أما الاختلاف الجوهري الثاني، فيكمن في أن الحملتين ضد النظامين في أوكرانيا وجورجيا اتخذتا شكل معارضة حسنة التنظيم، قادتهما شخصيات معروفة. أما في مصر، فلم يحدث أي شيء من هذا القبيل. فقد انتفضت الجماهير العريضة المسحوقة التي لم تطالب لا بالحرية ولا بالديمقراطية، بل بالعدالة والعيش الكريم. وبعد ذلك جاء دور \”الإخوان المسلمين\” الذين تلقفوا هذه الشعارات ووعدوا بتوفيرها، ولهذا سار الشعب وراءهم.لم يكن باستطاعة أية إيديولوجية أخرى أن تنافس الفكر الإسلامي للفوز بتعاطف الجماهير العريضة. فقد تشوه مفهوم الديمقراطية في أذهان الجماهير. وأصبح بالنسبة لها مجرد تجربة فاشلة أجرتها النخبة التي كانت سائدة في الحقبة التي أعقبت مرحلة الاستقلال، لاستنساخ النظام السياسي الغربي. علماً بأن الغرب يرتبط في أذهان الجماهير بالاستعمار والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للشعوب، كما حصل في أفغانستان والعراق وليبيا.وتشوه كذلك في أذهان الجماهير مفهوم الاشتراكية بسبب التجربة الفاشلة للأنظمة اليسارية التي كانت تتلقى الدعم من موسكو والتي لم تتمكن من حل المشاكل التي يعاني منها المجتمع ولم تتمكن من القضاء على الفقر والفساد الإداري واستغلال السلطة والتعسف.
كما تشوه في أذهان الجماهير مفهوم العروبة أو القومية العربية الذي روجت له \”الناصرية\” و\”البعث\”، بعد أن فشلت الأنظمة القومية في تحقيق أية وحدة بين الدول العربية وفي التصدي لإسرائيل وتحقيق أي نصر عليها.
التصنيف: